لم تخف الدوائر السياسية في فرنسا مخاوفها من مصادقة الحكومة، أمس، الأربعاء، على مشروع إدراج حالة الطوارئ في الدستور لمواجهة التهديدات الإرهابية، وحذرت من حالة عصيان مدني، احتجاجا على “دسترة” حالة الطوارئ في “بلد الحريات”، بعد أن طبقت مؤقتا بموجب القانون، وهو “وضع استثنائي غير مسبوق في دولة القانون”.
يتزامن ذلك مع إعادة فرض رقابة على الحدود الفرنسية، ومصادقة الحكومة على سحب الجنسية الفرنسية من مزدوجي الجنسية في قضايا الإرهاب، وقد تدرج الحكومة في الدستور عقوبة “الإهانة الوطنية”، التي استخدمت بعد الحرب العالمية الثانية بحق الأشخاص المعروفين، لتعاونهم مع ألمانيا النازية، والتي لا تميز بين فئات المواطنين.
“الدسترة” والقوانين فجرت مخاوف الفرنسيين من التوجهات الجديدة “المكبلة للحريات”، وأثارت تساؤلات الأحزاب اليسارية والاشتراكية: إلى أين تتجه فرنسا بعد “دسترة” حالة الطوارئ؟ وهل المساس بالحريات الفردية كفيلة بردع الإرهابيين؟
ويشير مركز “دراسات الدفاع عن الحقوق الإنسانية”، في باريس، إلى أن الشارع الفرنسي كان ينظر إلى فرض حالة الطوارئ بقانون عقب العمليات الإرهابية التي ضربت باريس في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بأنها حالة مؤقتة تنتهي في شهر فبراير/ شباط المقبل، وتقبلها على مضض من أجل الحالة الأمنية في البلاد.
وأضاف المركز أن إدراج الطوارئ في الدستور يمثل حالة غير مسبوقة، كشفت عنها الحكومة بالتفصيل بحجة الإصلاح الدستوري، الذي يرمي إلى “ضمان” حالة الطوارئ، وكان هذا النظام يطبق حتى الآن بموجب قانون، وبالتالي يمكن الاحتجاج عليه أمام المجلس الدستوري.
وأوضحت صحيفة ليبيراسيون الفرنسية، أن السلطات نفذت مداهمات بلغت أكثر من 3000 واقعة، وفرض 360 إقامة جبرية، و346 عملية توقيف، وحبس 297 شخصا، وإيداع 51 شخصا السجن، خلال أكثر من شهر، حسب بيان وزارة الداخلية، وكلها خطوات لم تكن في معظم الأحيان “على علاقة بالإرهاب”.
وتساءلت الصحيفة عن جدوى هذا السلاح وفعاليته الحقيقية في محاربة الإرهاب، بينما أشارت إلى أن قرار “دسترة” حالة الطوارئ سيعرض على البرلمان للمصادقة عليه، ويحتاج إقراره إلى أغلبية ثلاثة أخماس أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وهو ما سيتحقق للحكومة الفرنسية بسهولة، دون مراعاة لتخوفات الرأي العام.
وأشار الصحيفة إلى أن على الحكومة الاشتراكية أن تتحمل عواقب إصلاحها للدستور بإدراج حالة الطوارئ، وكذلك إسقاط الجنسية عمن ولد في فرنسا ويحمل جنسية مزدوجة وحكم عليه بارتكاب أعمال إرهابية، وهو قرار لا يمكن أن يكون فعالا في محاربة الإرهاب، وإذا كانت حالة الطوارئ تنتهك الحريات الفردية والعامة، فإن إعادة النظر في حق المواطنة بالولادة المطبق في فرنسا، يعد تمييزيا “غير دستوري” حيال 3.5 مليون شخص يحملون الجنسية المزدوجة.
وإذا كان الساسة من اليمين واليسار، أعربوا عن مخاوفهم بشأن “دسترة” حالة الطوارئ، وسحب الجنسية الفرنسية من مزدوجي الجنسية حال اتهامهم بعمليات إرهابية “بالمساعدة أو المشاركة أو التأييد”، فإن الموقف الرسمي على لسان الرئيس فرنسوا هولاند، يبرر تطبيق هذه الإجراءات، في إطار تعديل دستوري، بهدف تعزيز الحرب على الإرهاب.
