إميل أمين يكتب: ترمب وفرنسيس من واشنطن الى الفاتيكان..عن جدلية السياسة والدين

 

 

ضمن جولته الخارجية الأولي حول العالم، حل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضيفا علي حاضرة الفاتيكان، حيث الجالس سعيدا البابا فرنسيس الموصوف بأنه “بابا الفقراء”، ونصير الضعفاء، وفي لقاء قصير، لكنه بدا لاحقا ناجحا، بصورة تدعم وتزخم سلسلة اللقاءات التى استهلها الرئيس الأمريكي من المملكة العربية السعودية، مرورا بإسرائيل، وفي إشارة لا تخطئها العين لمسار الأديان الإبراهيمية الإسلام والمسيحية واليهودية.

بقلم ـ إميل أمين

العلاقة بين الفاتيكان،وبين الولايات المتحدة  تعود لعقود خلت سيما منذ توقيع اتفاقية اللاتيران عام 1929، والتى أعتبرت حاضرة الفاتيكان بموجبها دولة مستقلة ولها الحق في التمثيل الدبلوماسي دوليا، وقد لعبت واشنطن بالتعاون مع البابوية دورا بالغ الأهمية في زمن الباب يوحنا بولس الثاني (1978- 2005) في مواجهة ومجابهة الشيوعية.

علي أن العلاقة بين ترامب والبابا فرنسيس لم تمضي بها الأقدار كما يجب في بداية الأمر، فالاختلاف بين رئيس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، والقيصر الأمريكي، تبدت في رفض الأول لمواقف الثاني لاسيما جهة المهاجرين المعذبين في الأرض، وكذا التغير المناخي، عطفا علي التوجهات الرأسمالية الأمريكية التى تجرح فقراء الكون في كرامتهم.

حدث في فبراير شباط 2016 وعندما كان ترامب لا يزال مرشحا للانتخابات التمهيدية الجمهورية أن قال البابا فرنسيس ردا علي سؤال عن رأيه في ترامب، والذي نحا وقتها نحو أقصي اليمين المحافظ، القريب بدرجة أو أخري من التطرف، :” أن الشخص الذي يريد بناء جدران بدلا من الجسور ليس مسيحيا”.

هذا التعليق أغضب ترامب في تلك الفترة وأعتبر أنه من :” المعيب أن يشكك مسئول ديني بإيمان شخص”…

كان البابا فرنسيس يعبر عن رأيه لاسيما تجاه فكرة إقامة جدار فاصل بين المكسيك والولايات المتحدة، ذلك الطرح الذي  تبناه ترامب وربما لا يزال” .

يعن لنا هنا ان نتساءل هل ترامب عدو للمؤسسة الفاتيكانية الكاثوليكية؟

رغم الخلاف الواضح في الرؤي، مؤخرا بين ترامب والبابا إلا أن الأول له عدة تصريحات إيجابية يبدي فيها إعجابه بتواضع البابا فرانسيس، كما أن اهتمامات ترامب بالمؤسسة الفاتيكانية تتجاوز حبرية البابا الحالي، فقد علق علي قرار البابا “بندكتس السادس عشر”، بالاستقالة معربا بأسلوبه المعتاد عن رفضه التام :” إن قرار البابا بالاستقالة غير مقبول، كان عليه التكيف فالقرار هذا يسيء إليه وإلي الكنيسة”.

عشية انتخاب “ترامب” الصادم والمفاجئ للجميع قال الكرسي الرسولي “سنري كيف يتحرك الرئيس الجديد” للولايات المتحدة الأمريكية، فعادة ما يقال أن الترشح للرئاسة أمر مختلف تماما عن خوضها”..

التصريح السابق جاء علي لسان أمين سر دولة الفاتيكان (رئيس الوزراء) الكاردينال “بيترو بارولين” ومشيرا إلي الاحتكاك الذي وقع بين ترامب والبابا اثناء الحملة الانتخابية، حول مسألة الهجرة بشكل خاطئ، وفي اليوم التالي وخلال مشاركته في مؤتمر عقد في جامعة اللاتيران الحبرية بروما، قال “بارولين” أنه يحترم إرادة الشعب الأمريكي التى تم التعبير عنها في الانتخابات أملا أن تتمكن إدارة الرئيس الجديد من إرساء أسس السلام والرخاء في العالم كله.

لم يكن للبابا فرانسيس أن يصمت طويلا، وما هي إلا ثلاثة أيام بعد فوز ترامب، حتي تحدث  إلي صحيفة “لاريبوبليكا”، الإيطالية بالقول :” أنا لا أصدر أحكاما علي الناس والسياسيين، بل أريد أن أفهم فقط ما هي المعاناة التى تسببها أعمالهم للفقراء والمهمشين”.

إشارة البابا تنسحب ولا شك علي الرئيس الجديد، وجل ما يهم البابا بحسب تصريحاته لـ “أيوجينيو سكالفاري” هو “اللاجئين والمهاجرين، وقد كان من الواضح جدا أن البابا يقظ لاتجاهات “ترامب” المثيرة أحيانا والمسيئة أحيانا أخري للمسلمين، إذ أشار إلي أن “جزء صغير من هؤلاء اللاجئين مسيحيين”، ما يعني أن غالبيتهم من المسلمين، لكن ذلك ” لا يغير الأمر من ناحيتنا” حسب قول خليفة ماربطرس، فـ “نحن نشعر بالقلق لمعاناتهم ومحنتهم تتعدد أسبابها، ونحن نفعل كل ما بوسعنا لازالتها”.

يخيل للناظر إلي الرجلين، رجل أمريكا القوي صاحب النزعة الاستعلانية والانعزالية، ورجل الفاتيكان “خورخيو بيرغوليو” الذي يؤثر روحيا في مليار وثلاثمائة مليون نسمة حول العالم، أنهما من عالمين مختلفين، ولهذا فالصدام قادم لا محالة، فترامب يسعي لتفيعل الحواجز وإقامة السدود، وفرانسيس ينادي بأنه علينا كسر الحواجز التى تفرق،  لمحاولة زيادة الرفاه ونشره بشكل أكبر، لكن “لتحقيق ذلك، علينا هدم تلك الجدران وبناء الجسور التى تقلص عدم المساواة وتزيد الحرية والحقوق، فـكلما زادت الحقوق زادت الحرية أيضا”.

علي أن التوجهات التى أظهرها ترامب مؤخرا، والتحول الذي أعتبر تنكرا للثورة الايديولوجية اليمينية التى تبناها في أول شهرين له في البيت الأبيض، ورؤيته للأديان الإبراهيمية كأدوات لمواجهة التطرف والأصولية، ورحلته إلي الرياض، ومنها إلي القدس، ربما دعت البابا ليعيد التفكير في مواقفه من ترامب، وبما يخدم التوجهات البناءة الجديدة والتى تساند الوئام والسلام وتطرح جانبا الحرب والإرهاب والخصام.

في الثالث عشر من مايو آيار الجاري، وعلي متن الطائرة التى كانت نقله من البرتغال إلي الفاتيكان، رفض البابا التطرق إلي المواضيع التى تثير خلافا مع ترامب قائلا :” أنا لا أحكم أبدا علي شخص قبل الاستماع إليه، أعتقد أنه من غير الممكن القيام بذلك، سأقول ما أفكر به، وسيقول هو ما يفكر به” .

حديث البابا فرنسيس عن ترامب، بدا مغايرا لرؤيته السابقة، بل أنه أضاف عبارات أعتبرت  في واشنطن أشارات طيبة مهدت الأجواء للقاء الأخير، إذ أشار البابا إلي أنه “هناك دائما أبواب تبقي مفتوحة، شارحا أسلوبه الذي يعتمده في الدبلوماسية العالمية وهو “البحث عن الأبواب المفتوحة قليلا” ثم الدخول والكلام عن الأمور المشتركة، والتقدم خطوة خطوة.

من قلب الفاتيكان النابض بالتاريخ، فتح الباب فرنسيس طاقة إيجابية جديدة للسلام في الشرق الأوسط وحول العالم، عبر اللقاء مع الرئيس ترامب، فقد وقر لدي البابا  أن “السلام عمل يدوي يصنع كل يوم، والأمر سيان بالنسبة إلي الصداقة بين الأشخاص والمعرفة المتبادلة والاحترام”، وقد أظهر ترامب بالفعل في دقائق الزيارة القليلة أحتراما واضحا للبابوية وللبابا ، الأمر الذي يسر من مهمة الطرفين لخدمة الهدف الأسمي وهو السلام الشرق أوسطي والأممي معا.

من تحليل الصورة الأولية وحركة الأجسام بدأ التوتر واضحا علي الرجلين الكبيرين، فقد كان البابا يخفض عينيه ولا يبتسم كثيرا، فيما بدت أبتسامة ترامب مزيفه، لكن نصف ساعة من المصارحة والمصالحة، ذهبت بالمخاوف بعيدا، سيما وأن القاسم الأعظم المشترك كان واحدا، وتمحور حول تعزيز السلام في العالم عن طريق التفاوض السياسي والحوار ما بين الأديان، مع إبلاء اهتمام خاص بالوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط.

هدايا البابا للرئيس كانت ذات دلالات، ومعاني ومباني لا تغيب عن أعين الفاهمين الذين  ينيرون في الملكوت، “ميدالية تمثل شجرة زيتون” رمز السلام، ورسالتان بابوتيان صدرتا الأعوام الماضية، الأولي عنوانها “كن مسبحاً”، وتتحدث عن حتمية الاهتمام بالكرة الأرضية وبتطورات المناخ فيها ووجوب المحافظة عليها، والثانية عنوانها “فرح الأنجيل”، وتتمحور حول حياة السلام والمحبة وخدمة الفقراء والمحتاجين.

كان من الطبيعي لاحقا وفي نهاية الحوار أن ترتسم ابتسامة حقيقية علي وجه الرئيس ترامب، ويصرح بأن اللقاء كان رائعا وأن البابا فرنسيس شخصية عظيمة.

 

لقاء ترامب مع بابا الفاتيكان يدعونا الى التساؤل هل العلاقة بين واشنطن والفاتيكان علاقة قوية متجذرة وهل ادارة ترامب بنوع خاص له مسحة خاصة ذات صلة مع المؤسسة الفاتيكانية ؟

من المصادفات المثيرة أن إدارة ترامب تحوي عناصر كاثوليكية، وأخري قريبة فكريا إلي حد كبير جدا من مناهج المؤسسة الكاثوليكية، ما يعني أن هناك آمالا في إحياء تلك العلاقات سيما وأن الماضي يلقي بظلاله علي الحاضر.. ما دلالة هذه العبارة؟

في أوائل ثمانينات القرن المنصرم، وهذا هو الجزء الخفي عن كثيرين  في العلاقات الأمريكية الفاتيكانية، كانت قنوات الاتصال بين واشنطن وروما مفتوحة علي مصراعيها، والهدف الواضح هو محاربة الشيوعية.

القصة عميقة وتفاصيلها  موجودة باستفاضة في مؤلف “جواسيس جدعون” للصحافي البريطاني الشهير “جوردن توماس”، لاسيما الفصل المعنون “مدراء الاستخبارات المباركين”، ويقصد تحديدا مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “ويليام كيسي”، الفارس الكاثوليكي، المالطي الأصل، تلميذ الرهبنة اليسوعية، الكاثوليكي حتي النخاع، والدور الذي لعبه في خدمة البابا يوحنا بولس الثاني “كارول فوتيلا” البولندي الأصل، من أجل دحر الشيوعية في أوربا الشرقية.

الرواية عينها يقدمها لنا “ستيف كول” الكاتب الأمريكي، في عمله الفائز بجائزة “بوليترز” مرتين :” حروب الإشباح .. السجل الخفي للسي. أي . إيه”، حيث يخبرنا كيف أقتنع “كيسي” بأن المؤسسة الفاتيكانية أداة عظيمة ضمن حدود “الاستراتيجية الغربية لمناهضة الأمبريالية السوفيتية والتصدي لها”، ولهذا كان الرجل يجمع مساعدات للعمليات السرية من خلال الكنيسة الكاثوليكية ليقدمها إلي محاربي الشيوعية في بولندا وأمريكا الوسطي، وقد أخترق في بعض الأحيان القانون الأمريكي، لقد آمن “كيسي” بشدة بأنه سيحد من تمدد الشيوعية، أو يعكسه من خلال توسيع نطاق الكنيسة الكاثوليكية وقوتها.

أحاطت بـ “كايسي” مجموعة من تلاميذ هنري كيسنجر، أنصار السياسة الواقعية، كان كايسي مهرب أسلحة سريع الانفعال، وكاثوليكيا متدينا، لم يسع إلي إقامة أي نزاع، إنما عمل علي فرض القوانين من أجل الخير الأعظم، ذلك الشعار “الجيزويتي” التاريخي الأشهر.

 

لقاء الرئيس الامريكي دونالد ترامب مع بابا الفاتيكان يستدعي ولاشك علامة استفهام مثيرة للجدل حول ولاء ووفاء كاثوليك الولايات المتحدة الامريكية والذين يتجاوزون ال 80 مليون نسمة وجلهم يشغل مناصب متميزة في الدولة .. لمن الولاء والوفاء هل للدولة  ام للكنيسة ؟

الحاصل انه طالما كان على الكاثوليكية في الولايات المتحدة أن تتعايش مع التوتر الديناميكي الناتج عن كونها أمريكية ورومانية في الوقت نفسه ويعني ذلك كنسيا في ما يخص بنيتها العقائدية الطقسية والتنظيمية أن الكنيسة الكاثوليكية الأمريكية كانت دوما عضوا في الكنيسة الكاثوليكية الكونية المتجاوزة لحدود القوميات ونتيجة لذلك طالما كان على الكاثوليكيين دائما أن يبرهنوا على ولائهم المطلق للدين المدني الأمريكي لكي يتم قبولهم في الميثاق الوطني من دون أن يكون ولاؤهم المطلق نفسه لروما موضع تساؤل.

هنا فانه  فلا عجب  أن تصبح الكنيسة الكاثوليكية كما يؤكد على ذلك البروفيسور “خوسية كازانوفا” أستاذ علم الاجتماع في جامعة شيكاجو، أكثر طوائف أمريكا أمريكية أي وطنية وأكثر الكنائس القومية رومانية، هكذا لعبت الكاثوليكية في أمريكا أربعة ادوار في الوقت نفسه بنيويا كمذهب ومنهجيا كطائفة وابرشيا ككنيسة محلية وكنسيا كعضو في الكنيسة الكونية .

والمثير في شان الكنيسة الكاثوليكية الأمريكية أنها لم تكن يوما في صراع مع أمريكا البروتستانتية ، وهذه كانت ولا تزال قناعة وقد تملكت من قبل الكثير من الكاثوليك الليبراليون أمثال الرئيس الكاثوليكي الوحيد  في تاريخ أمريكا ” جون كيندي ” كما سيطرت على فكر الكاثوليك المحافظين من امثال الكاردينال سبيلمان .

والقناعة عند كيندي  مرجعها وجود جدار فاصل بين الإيمان الخاص والعالم العلماني الحديث وفيما يخص “سبيلمان”، فقد اعتبر دوما أن هناك حالة ذوبان تامة للكاثوليكية الأمريكية في الدين المدني الأمريكي .

ويبقى التساؤل الخلاصة … لمن يصوت الكاثوليكي الأمريكيين عادة في الانتخابات الرئاسية ؟

بالنظر إلى التجارب السابق يمكن القول أن الكاثوليك في مختلف الولايات الأمريكية يميلون إلى أن يتوزعوا بطريقة تناسبية على الطيف الأيديولوجي السياسي الأمريكي بأكمله ويستطيع المرء القول في الغالب أن الكاثوليكيين يميلون عموما إلى أن يكونوا أكثر ليبرالية من البروتستانت وأكثر ليبرالية من عموم الأمريكيين بشكل طفيف .

لذلك يمكن بالكاد القول أن الأساقفة الكاثوليك يمثلون أي دائرة سياسية وأنهم ناطقون باسمها ، وثانيا أن الزعماء الدينيين الكاثوليك على غرار الزعماء الدينين البروتستانيين الأمريكيين يمكن أن يقسموا لاهوتيا إلى معسكر ليبرالي وأخر محافظ .

والنتيجة الأكثر أهمية لقراءة المشهد الكاثوليكي الأمريكي هي أن الزعماء الدينيين الكاثوليك ” محافظون بشكل أكثر تجانسا في المسائل المتعلقة بأخلاقيات العائلة والجنس ، وتقدميون بشكل أكثر تجانسا في المسائل الاقتصادية والسياسية والدولية أكثر من الشعب الأمريكي ومن العلمانيين الكاثوليك ومن الزعماء الدينين الآخرين .

يكتب المفكر الفرنسي الأشهر اليكس دي توكفيل في كتابه الديمقراطية في أمريكا يقول ” أن الكاثوليكية في أمريكا اعتبرت على سبيل الخطأ العدو الطبيعي للديمقراطية لكن على العكس يبدو لي أنها من بين المذاهب المسيحية العديدة الأكثر تشجيعا على المساواة بين البشر “.

وخلال الحروب المكسيكية ـ الأمريكية والأسبانية الأمريكية كان الأساقفة الأمريكيون قد لفتوا الانتباه باعتزاز لا إلى استعداد الكاثوليك للموت في سبيل وطنهم فحسب ، بل أيضا إلى جهوزيتهم لقتل نظرائهم الكاثوليك الأجانب كدليل على وطنيتهم الأمريكية وبرهان يدحض اتهام الكاثوليك الرومانية ب” اللا أمريكية ” وبأنها خطرا على الجمهورية بسبب طابعها متعدي القومية الرومان .

سؤال مثير اخر يواجهنا  ونحن نبحث في ابعاد العلاقة بين واشنطن والفاتيكان … لماذا تهاجم اسرائيل واللوبي الصهيوني الداعم لها   الكنيسة  الرومانية الكاثوليكية في الولايات المتحدة  وكيف ان تلك الآلة الجهنمية باتت اليوم تصب جام غضبها على الفاتيكان  محاولة تكميم  الافواه عن ” مقولة حق عند سلطان ظالم “.. ؟

يطيب لنا هنا ان نعيد ما قاله  على الاسماع ذات مرة السياسي والصحافي الاسرائيلي اليساري ” يوري آفنيري ” من انه اذا ارادت اسرائيل سن تشريع بقانون يلغي  بموجبه الوصايا العشر لوافق 95  عضوا ( من اصل مائة )  من اعضاء مجلس الشيوخ  في نفس اليوم ودعموا القانون الجديد  “.. وهو قول يدعونا للمقارنة ، ذلك انه  اذا كان الامر على هذا النحو مع شريعة موسى  صلب العقيدة اليهودية فهل من الصعب محاولة شل الايادي الكاثوليكية  الامريكية   على نحو خاص  تجاه القضايا التي تشغل بال اسرائيل وبخاصة في ظل مناخ يسود واشنطن اليوم وفيه من التوتر الكثير مع اسرائيل ؟

الثابت   ان الامريكيين باتوا اليوم يدفعون ثمنا غاليا لهذا الارتباط السياسي  والاخلاقي بين واشنطن وتل ابيب  ، وقد عبر رموز من كافة التيارات الامريكية عن المثالب التي تحيق بواشنطن من جراء ذلك من امثال  الباحثين في جامعة هارفارد  البروفيسوران ” ستيفن والت وجون ميرشايمرز ، وغيرهم من كبار القادة العسكريين الامريكيين وكان اخرهم   الجنرال الامريكي دافيد بترايوس قائد القيادة الامريكية الوسطى  السابق .

تساؤل عريض والجواب  عليه  يستدعي البحث  الاستقصائي المطول الذي يضيق عنه المسطح المتاح للكتابة بشان   مواقف الكاثوليك الامريكيين  والكنيسة الرومانية الكاثوليكية في الولايات المتحدة الامريكية  اليوم حيث يمثل كاثوليك امريكا  حوالي 24 % من تعداد سكانها اي الربع  تقريبا مع ما لهم من حضور مشهود له عبر جاليات عريقة كالايرلندية وامتلاكهم لمؤسسات علمية ودراسية وجامعات رائدة ومراكز استطلاع راي وابحاث  ووسائل اعلام متميزة  غير مخترقة صهيونيا .

مرة ثانية في كتابه القيم  والمثير ” الاديان العامة في العالم الحديث ”  يخبرنا  البروفيسور ”  كازانوفا ” ، ان الاكليروس ( الكهنة والرهبان والاساقفة ) الكاثوليك في امريكا   قد ذهبوا في طريق تقسيم  العالم  فكريا الى قسمين ، الاول  وضعوا فيه عقائد الدين المنزل التي سلموا  بها من دون جدال ، وفي الثاني الحقائق السياسية   التي اعتقدوا ان الالوهة  قد تركتها   مفتوحة للمساءلة الحرة ، وبهذا اضحى كاثوليك  الولايات المتحدة الامريكية في الوقت نفسه اكثر المؤمنين طاعة  واكثر المواطنين استقلالا وهذه هي الاشكالية التي نجحوا فيها ، على عكس  التيارات اليمينية البروتستانتية  التي يطلق عليها شمولا  التيارات اليهو مسيحية او تيارت الصهيونية المسيحية وهو تعبير بحاجة الى مراجعة تقنية ،  والتي اضحت منقادة  في افكارها ورؤاها للمعتقدات اليهودية  التوراتية ، تلك التي  عانى من جراءها العالم كله  ودول الشرق الاوسط على نحو خاص طوال سنوات ادارتي جورج بوش وعصبته من المحافظين الجدد .

والثابت تاريخيا ان حكومات اسرائيل  المتعاقبة  قد عملت جاهدة على ان لا تاخذ  الكنيسة الرومانية الكاثوليكية  في الولايات المتحدة الامريكية  موقفا من دولة اسرائيل يختصم من حضورها في الداخل الامريكي ، سيما اذا كان موقفا موازرا من  او داعما ل  “القضايا العربية المعاصرة  العادلة، ،  وقد تحققت مخاوفها في العام 2003  عندما رفض مجلس  الاساقفة الكاثوليك في امريكا  فكرة الغزو المسلح للعراق .

اما عن القضية  الفلسطينية  تحديدا فيطول الحديث عن المواقف الكاثوليكية  الامريكية الاخيرة منها ويكفي الاشارة الى نتائج استطلاعات راي اجراه معهد جالوب مؤخرا فيما يختص بتاييد قيام  دولة فلسطينية مستقلة ، وكانت النتيجة ان 87% من كاثوليك امريكا ايدوا قيام تلك الدولة كحق شرعي  للشعب الفلسطيني واكدوا  انه حان الوقت لان تنتهي عذابات  الشعب الفلسطيني وتهجيره  من اراضيه وفرصة جديدة لقيام عهد من السلام في المنطقة .

لماذا تخشى اسرائيل من الكاثوليكية الامريكية على نحو خاص وتحاول عبر آلة الاعلام المتصهينة والموالية لاسرائيل كبح جماعة الكنيسة الكاثوليكية هناك الساعي للعدل والسلام ؟

تكشف خطب الاساقفة الامريكيين الكاثوليك بوجه عام عن توجه غاية في الاهمية ، سماه  ” ريتشارد ج.نيوهاوس” احد رجال الدين البارزين في امريكا  ”     ” الساحة العامة العارية” ، بمعنى دخول هولاء معترك  الحياة العامة السياسية الامريكية  لا من اجل فرض كنيستهم في الساحة  ، ولا من اجل تعبئة ” فرقهم ” ضد الاعداء الدينيين والعلمانيين  ، بل بالاحرى  من اجل المشاركة في النقاش العام  ، وفي مقدمة تلك النقاشات المطروحة اليوم في الداخل الامركي وبقوة حدود العلاقات  الامريكية الاسرائيلية وتاثير تجاذباتها  على حالة السلم والامن  داخل الاراضي الامريكية وحول  العالم في منطقة الشرق الاوسط تحديدا وتاثير ذلك على اوضاع الكاثوليكية خاصة والمسيحية عامة في الارض المشرقية التي ولدت فيها وانتشرت منها الى ارجاء العالم .

اخيرا هل بابا روما متضامن بشكل حقيقي مع شعوب الشرق الأوسط وآمالهم وأحلامهم؟

نهار الأحد الرابع عشر من الشهر الجاري، قال البابا فرنسيس” يوجد الكثير من الناس الأبرياء الذين عانوا الكثير ، أكانوا مسيحيين أم مسلمين أم ينتمون إلي أي أقلية أخري مثل الزيدين الذين يواجهون أعمال العنف والتمييز المأسوي.

لا يكتفي الحبر الروماني الأعظم بالتصريحات، بل يدفع مشجعا كل الجماعات الشرق أوسطية للقيام بمسيرة الحوار والمصالحة،  من أجل بنيان مستقبل يسوده الاحترام والأمن والسلام،   بعيد عن كل شكل من أشكال الحرب… أنه يظهر تضامنه مع سكان العالم العربي ويعلن مرافقتهم بالصلاة.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]