“انتفاضة السكاكين”.. تحولات في المشهد الفلسطيني
يبدو أن المشهد الفلسطيني على حافة تحولات كبرى، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخارجها على الصعيد السياسي، مع بدء دوامة العنف الإسرائيلي، في مواجهة غليان الغضب الشعبي الفلسطيني، منذ الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر الماضي، مع بدء أحداث اقتحام المسجد الأقصى يوميا من قبل المستوطنين، بالإضافة إلى اعتداءات المستوطنين على العمال الفلسطينيين والمقدسيين بشكل خاص، وتصاعدت حدة الأحداث. وفرضت تساؤلات في محاولة لتقييم المواجهات المتواصلة منذ نحو شهر تقريبا، والتي شهدت تطورًا ملحوظًا بدءًا من الحجر والمقلاع، مرورًا بالسكين والأسلحة الحادة، التي تستخدم باليد، وبشكل مباشر، ووجهًا لوجه، ضد قوات الاحتلال والمستوطنين، ومنها: السكين، والخنجر، والبلطات سواء بالمقابض الخشبية أو الحديدية، والسيوف الطويلة ذات المقابض المهذبة، أو القصيرة، انتهاءً باستخدام السلاح الناري.
ويتوقع مراقبون أن تؤدي تطورات الأحداث إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، “إنتفاضة السكاكين” في ضوء ما تتعرض له الضفة الغربية المحتلة من إجراءات قمع شديدة وهجمة استيطانية غير مسبوقة، وهو ما حذر منه رئيس إسرائيل “ريؤوفين ريبلين”، متوقعا انتفاضة فلسطينية جديدة، بدأت تندلع في القدس، وأن خطورتها الشديدة على الفلسطينيين وإسرائيل والمنطقة كلها!
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، محمد كعوش، أن المشهد الفلسطيني سوف يشهد قريبا تحولات كبرى، مع تطورات الأحداث داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي كشفت عن انفجار حراك شعبي فلسطيني تجاوز كل التوقعات، رغم أن الأسباب متوافرة من حالة التهميش للقضية والواقع الفلسطيني سواء عربيا أو دوليا، ثم حالة الصراع المكتوم بين قيادات فلسطينية لمصالح خاصة، وحالة الانقسام الفلسطيني بين “غزة” التي تديرها حركة حماس، و”رام الله” التي تديرها السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، إلى جانب تدهور الأحوال المعيشية، ثم ممارسات العنف من دولة الاحتلال والانتهاكات المتواصلة للمقدسات الإسلامية. كل هذه العوامل يضاف إليها حالة العجز والترهل العربي، وتراجع مسارات عملية السلام وإجهاض كل أمل لإحياء المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي.
وقال “كعوش” للغد العربي، ليس مهما الآن توصيف ما يحدث داخل مدن الضفة وغزة، والتداعيات داخل أراضي 1948 المحتلة، وأي توصيف سوف يثير جدلا: هل هذه هبة أم انتفاضة؟ نحن أمام حالة نهوض شعبية وعفوية، وخارج أجندة الفصائل الفلسطينية، وهي ذات طابع شمولي، بحيث شملت معظم مدن الضفة، وهناك من يرى أن ما يجري في الأراضي المحتلة أقرب إلى “الهبة الشعبية” على غرار هبة النفق، التي اندلعت قبل عقدين تقريبا، في سبتمبر عام 1996، بسبب الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، أو ربما يكون بمثابة مقدمة لانتفاضة شعبية أخرى، على نحو يشبه الانتفاضة الأولى التي انفجرت في اليوم التاسع من ديسمبر 1987 وتواصلت حتى 1993. لكن قراءة الواقع الفلسطيني تؤكد أننا أمام “انتفاضة ثالثة” استخدمت سلاح مواجه نوعي “السكاكين” بديلا عن الحجارة.
ويؤكد خبير القانون الدولي الكويتي، الدكتور محمود المبارك، أن قتل جنود الاحتلال واستخدام السكاكين وأساليب الدهس التي لجأ إليها الفلسطينيون خلال هذه الانتفاضة يثيران جدلا قانونيا دوليا حول مدى مشروعية هذه الأفعال من وجهة نظر القانون الدولي، رغم أن قراري مجلس الأمن الشهيرين 242 (1967)، و338 (1973) يضعان الأساس القانوني في تحديد أن إسرائيل قوة محتلة لقطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، ويطالبانها بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها خلال حرب 1967. وبتطبيق قرارات الشرعية الدولية على الحالة الفلسطينية تبين أن كل أشكال المقاومة التي يمارسها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة منذ 1967 تعتبر حقا قانونيا دوليا غير منازع، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار أن الانتفاضة الحالية لم تكن فعلا بذاتها وإنما جاءت كردة فعل.
ومع تداعيات تصاعد الأحداث داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، تؤكد ناشطة فرنسية ورئيسة منظمة أوروبا ـ فلسطين “أوليفيا زيمور”، أن العالم يولي اهتمامه بالشباب الفلسطيني الذي يقوم منذ أيام بهبة شعبية ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، رغم اعتقاد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، أن الأضواء لن تركز على فلسطين بسبب ما تشهده المنطقة من مشاكل وأزمات.
وقالت “أوليفيا” في تصريحات صحافية أمس الأحد، إن صورة إسرائيل في العالم تشهد تراجعا أمام صور أطفال ورضع فلسطين الذين يُغتالون في قطاع غزة، وأمام العنف الذي تمارسه إسرائيل، وإن الفرنسيين يتابعون المشهد من خلال الصور التي تصلهم من الفلسطينيين ومن مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن التفاعل الفرنسي مع الشعب الفلسطيني لا يظهر فقط من خلال الشارع وإنما أيضا من خلال تنامي حركة مقاطعة إسرائيل.
وأكد خبير الشئون السياسية الفلسطيني، الدكتور سفيان الشبخ، للغد العربي، أننا “أمام واقع جديد تجاوز السلطة الفلسطينية وأجهزتها، وتجاوز رغبة الرئيس محمود عباس برفض انفجار انتفاضة جديدة، وهي بالفعل “انتفاضة ثالثة” بصرف النظر عن المسمبات، سواء انتفاضة السكاكين على غرار انتفاضة الحجارة، أو هبة شعبية، وسوف يكون لها تداعيات ترتبط بتحولات كبرى داخل المشهد العام الفلسطيني”.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني ياسر الزعاترة، أن الهبة الفلسطينية ما زالت في بدايتها، وأن الأجواء العربية والدولية الحالية مهيأة بشكل كبير لقيام انتفاضة فلسطينية ثالثة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأن مثل هذه الانتفاضة في هذا التوقيت ربما تشكل رافعة للشعوب العربية المنتفضة ضد الاستبداد والقمع.