بات واضحا أمام الدوائر السياسية والعسكرية، في الغرب، أن الحلم الكردي دخل مرحلة الموات بالتدخل العسكري التركي في سوريا، وأن «تفاهم الصفقة» بين دمشق وانقرة، يجهض الحلم تماما ، بينما كانت طعنة الخنجر لأكراد سوريا، بحسب وصف الخبير العسكري، الجنرال الأمريكي، ويل جيرالد، على لسان نائب الرئيس الأمريكي، جون بايدن، بتوجيه تحذيرا خطيرا لأكراد سوريا ، أثناء زيارته الأخيرة لتركيا، من محاولة أن يقيموا لأنفسهم كيانا للحكم الذاتي، أو مجرد ممر كردى، أو أي من صور التجسيد السياسي للهوية الكردية شمال سوريا، كما طلبت واشنطن من القوة الكردية المسلحة التي دخلت مدينة منبج السورية على الطريق إلى الرقة عاصمة داعش تحت مظلة القصف الجوي الأمريكي، سرعة الانسحاب من منبج، وإلا امتنعت الولايات المتحدة عن تقديم أي عون للأكراد السوريين، وقد انسحبت القوة الكردية المسلحة بالفعل من مدينة منبج رضوخا للتحذير الأمريكي.
وألقت التهديدات الأمريكية ظلالا كثيفة على آمال أكراد سوريا في أن يكون لهم كيان للحكم الذاتي، يماثل الوضع في كردستان العراق الذى تم الاتفاق عليه بين الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، والملا البرزاني، وهو اتفاق يكاد يرسخ وجوده الآن كدولة مستقلة تطالب بالانفصال عن العراق، وتشكل هاجسا مقلقا لتركيا التي تضم العدد الأكبر من الأكراد في الدول الثلاث سوريا وتركيا والعراق، ويتطلعون إلى الهدف ذاته.
وبحسب تقديرات مراقبون للوضع في شمال سوريا، فإن الطموح الكردي دخل مرحلة الموات بالغزو التركي لمدينة جرابلس في إطار عملية درع الفرات، والضغط لإخراجهم من مدينة منبج المحررة من داعش، ودفعهم مقاتليهم إلى شرق الفرات، وكذلك بفعل انقلاب التحالفات الإقليمية وارتباطهم بالأجندة الأمريكية، وباعتبار أنّ المطالب التّركيّة بانسحاب وحدات حماية الشعب الكردية شرقي الفرات لا يمكن تلبيتها إلا من قبل تحالف قوات سوريا الديمقراطية المدعوم من الولايات المتّحدة.
ويشعر الأكراد أن التقارب الروسي ـ الإيراني ـ التركي، سيكون على حساب طموحاتهم بتأسيس كيان كردي في الشمال السوري، إذ أن التوسع المتواصل لحزب العمال الكردستاني في الشمال السوري، خصوصا نحو الغرب، لوصل كانتونات الحسكة شرقا، وعين العرب في الوسط، بعفرين غربا، والمزيد من العسكرة، سيؤدي تدريجيا إلى تسريع التقارب الإيراني التركي السوري، وإلى فرض حل إقليمي في سوريا على حساب الأكراد أولا، ويقضي على ما تم إنجازه حتى الآن.
ويشير محللون سياسيون، إلى أن السوريين والأتراك على مشارف تفاهم أمني يفضي إلى تفاهم سياسي، والتفاهم غير المسبوق، لم تتضح معالمه الكبرى بعد، لكن عنوانه الأول، من دون مفاجآت، هو إجراء مقايضة بين تراجع الأتراك عن حلب وإغلاق المعابر في الشمال أمام المجموعات المسلحة، مقابل إطلاق حرية القوات التركية في ضرب المشروع الكردي في سوريا، أو بعبارة أخرى : مدينة حلب لسوريا، وجثة المشروع الكردي في سوريا للأتراك، بحسب تعبير المحلل السياسي اللبناني، محمد بلوط، وأن المعالم الأساسية للمقايضة وضعت على طاولة اللقاءات بين المسؤولين الأمنيين، ولذلك قام الاتراك بما عَدُّوه مبادرة أولية، من جهتهم وبنصيحة روسية ـ ايرانية، بإعلام دمشق بعملية جرابلس في السادس عشر من أغسطس/ آب الجاري، أي قبل أسبوع من انطلاق الدبابات التركية في قرقميش نحو جرابلس.
وكشف بلوط، أن تفاصيل «صفقة التفاهم»، بحاجة للقاءات إضافية وضعت لها روزنامة كاملة، فبعد بغداد، هناك اجتماع في دمشق، وآخر في موسكو، وربما إسطنبول. وبحسب معلومات عربية موثوقة، استقبلت العاصمة العراقية، يوم الخميس الماضي، اجتماعاً أمنياً ثلاثياً، ضم ممثلين عن وزارة الدفاع، والاستخبارات العسكرية العراقية، وثلاثة من كبار الضباط السوريين، ينتمون إلى شعبة الأمن العسكري والاستخبارات العامة، ووفداً أمنياً تركياً برئاسة حقان فيدان رئيس الاستخبارات التركية «ميت».
وكان الضباط السوريون قد وصلوا العاصمة العراقية في عداد وفد دبلوماسي سوري، قاده وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الذي لم يشارك في تلك المفاوضات، لتقتصر على الأمنيين وحدهم من دون الدبلوماسيين.
وبحسب المصادر العربية، أبدى المجتمعون ايجابيةً كبيرة لفتح صفحة من التعاون المشترك، واختبار استعادة التنسيق الأمني خصوصاً في ما يتصل بـحزب العمال الكردستاني ونشاطه في سوريا، وطلب الوفد التركي في فاتحة الاجتماع الحصول على معلومات عن سبعة من ضباط الاستخبارات التركية، فقدوا الاتصال بهم في شهر فبراير/ شباط من العام الماضي. ومن المعروف أن مجموعة من الضباط الاتراك كانت تشارك بفعالية في معارك مدينة حلب، خلال ما سمي «ملحمة حلب الكبرى» وحوصرت في المدينة إلى أن تمكنت موجات الانتحاريين من «الحزب الاسلامي التركستاني»، التي تقودها الاستخبارات التركية، من فك الحصار.
وتقول المعلومات إن الجانب السوري قدّم للاتراك وثائق عن أربعة من الضباط الاتراك أسروا في معارك حلب، ولا يزالون على قيد الحياة لدى الجيش السوري والاستخبارات السورية، فيما نفى الجانب السوري حيازته أي معلومات بشأن الضباط الثلاثة الأتراك الآخرين، الذين فقد الاتصال بهم، ولكن الجانب السوري تعهد بالعمل على الحصول على المزيد من المعلومات بشأنهم.
