سلط الجدل بشأن حقيقة تنازل مصر عن جزيرة «تشيوس» لليونان بعد اتفاقية ترسيم الحدود، الضوء على الأوقاف المصرية في الخارج، وخاصة اليونان.
وبعد أن ثبت أن «تشيوس» لم تكن أبدا من ضمن الممتلكات المصرية، ولا توجد جزيرة يونانية بهذا الاسم أصلا، بل تسمي «خيوس»، وأن هناك أملاك مصرية وقف لقصور وأراضي في جزيرة يونانية تدعى «ثاسوس».
منذ مايو/ آيار الماضي ومصادر بوزارة الأوقاف تعلن أن وفدا سيتوجه إلى اليونان لمتابعة ومباشرة أملاك الأوقاف في العاصمة اليونانية «أثينا» ومدن أخرى.
وذكرت الأوقاف وقتها، أنها تدرس الاستعانة بمكاتب دولية بالتنسيق مع الأجهزة المعنية لاسترداد قصر محمد علي في مدينة قولة باليونان، بعدما امتنعت سيدة أعمال يونانية منذ عامين عن سداد إيجار القصر، الذي تم تحويله لفندق سياحي.
وأوضح السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، اليوم الثلاثاء، أن كل ما يثار حول أملاك محمد علي باليونان يهدف إلى تهييج الرأي العام، مؤكدا أن الوقف يتكون من وقف لوالدة محمد علي في مدينة قولة، وما حولها من حدائق، وجزيرة تاثوس، التي اشتراها محمد علي وأوقفها على فقراء المسلمين، وبالتالي فقد آلت ملكية هذه الأشياء لاحقا لهيئة الأوقاف المصرية.
وأضاف بيومي، على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن الوقف موجود منذ الدولة العثمانية، وانتقل إلى اليونان بعد استقلالها، مؤكدا أنه في سنة 1980 بدأت اليونان محاولة لنزع ملكية بعض أراضي قصر «قولة» للمنفعة العامة، ثم أصدر البرلمان اليوناني قرارا بضم الجزيرة لأملاك اليونان، بدعوى وجود فقراء للمسلمين في اليونان أيضا.
وأوضح أن وزير الخارجية كمال حسن علي اتخذ عدة قرارات، منها وقف دفع التعويضات المصرية للأملاك اليونانية، وحصر باقي الأملاك اليونانية في مصر النوادي وغيرها لدراسة ما يمكن عمله، إضافة إلى وقف تصدير القطن المصري لليونان، وحصر أبناء الحالية اليونانية الذين يمارسون أنشطة تجارية في مصر.
ولفت إلى أن نائب رئيس وزراء اليونان طلب الحضور لمصر على رأس وفد كبير أجرى مباحثات مفصلة انتهت بتوقيع 12 اتفاقية لضبط أوضاع العلاقات بين البلدين، وتمت استعادة مصر لملكية الجزيرة، وصدق البرلمان اليوناني على تلك الاتفاقيات، قائلًا «الآن الوقف والجزيرة ملكية لهيئة الأوقاف المصرية، وبالطبع فالسيادة على الأراضي اليونانية هي لليونان طوال الوقت».
تقدر الأوقاف المصرية في اليونان بمليارات الدولارات، وتضم 15 قطعة أرض ومتحف محمد علي باشا، وقصر والد محمد علي، وأراضي زراعية مساحتها تزيد على 100 ألف متر مربع وقبر والد محمد علي، والمدرسة البحرية على بحر إيجة التي بناها محمد علي عام 1748، بخلاف بساتين شجرية نادرة.
وأوضح الدكتور خالد فهمي، أستاذ التاريخ بجامعة هارفارد، عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» حقيقة هذه الأوقاف، مشيرا إلى أن القصة لا تبدأ من بحر إيجة بل من صحاري الحجاز.
وأشار إلى أن محمد علي نفذ حملة على الحجاز بقيادة ابنه طوسون عام 1811، نجح طوسون في طرد الوهابيين من المدينة المنورة، وكتب نحو 31 من كبار مشايخ مكة وأئمتها إلى محمد علي يشكرونه على تطهير المدينة المقدسة من الوهابيين.
طلب محمد علي منحه حق تحصيل ضرائب جزيرة ثاسوس/طاشيوز قبالة شواطئ مدينة قولة، واعدا باستخدام عائدات ضرائب الجزيرة في بناء مؤسسة تعليمية ضخمة لصالح فقراء قولة، واستجاب له السطان العثماني.
والوقف عبارة عن مجمع تعليمي هائل ضم مدرستين ابتدائية وإعدادية، ومطبخ لإطعام الفقراء والمحتاجين، ومسجدا وحماما، وكانت تحت إدارة الأوقاف الخديوية.
ويضيف: ظل الأمر على هذه الحال إلى أن اندلعت حرب البلقان عام 1912 ثم الحرب العالمية الأولى عام 1914 ثم انهيار الدولة العثمانية ووجدت مصر نفسها تحت الحماية البريطانية، وبعدها ضعفت السيطرة المصرية على الأوقاف المصرية في جزيرة طاشيوز وعلى عمارة قولة.
ورددت تقارير صحفية أن الرئيس الأسبق حسني مبارك أراد بيع الممتلكات.
وقال فهمي إن الوقف عانى من الإهمال والتخريب على مدار العقود، حتى أن مبانيها تلفت وجدرانها تهدمت وبالطبع توقفت عن أداء دورها التعليمي وانتهى بها الحال إلى أن تحولت لملجأ للاجئين النازحين من الحروب.
وأكد أن سيدة اسمها آنا مصريان، تنحدر من قولة نفسها (ولا تمت بصلة بمصر بالرغم من اسمها) رأت هذه الأثر الجميل يندثر بسبب الإهمال وعدم المتابعة، فتواصلت مع وزارة الأوقاف المصرية منذ حوالي 15 عاما ووقعت عقد إيجار لمدة 50 سنة.
ثم قامت بأعمال ترميم وتجديد وصيانة لا مثيل لها حازت إعجاب وموافقة جميع المتخصصين واستطاعت أن تعيد للمبنى رونقه وجماله، وحولته لفندق خمسة نجوم أصبح الآن مقصدا للسائحين، كما صممت هذه السيدة الجليلة على وضع علم مصر عاليا على مدخل الفندق، الذي اسمته Imaret وهو النطق اليوناني للكلمة العربية/التركية: عمارة.
وأشار إلى أن الأوقاف المصرية على جزيرة ثاسوس/ طاشيوز فقد قامت بعثة من مركز توثيق التراث الطبيعي والحضاري التابع لمكتبة الإسكندرية بزيارتها وتوثيقها عام 2007.