البث المباشر
-
الآن |
منذ 2 ساعة
ماجد كيالي يكتب:عن تنقلات السياسة التركية قبل الربيع العربي وبعده
خسرت تركيا جزءًا كبيرًا من مكانتها، واستثماراتها السياسية، في مقارنة مكانتها قبل “الربيع العربي” ومكانتها بعده، سيما في العالم العربي، بحكم طبيعة تدخّلاتها الخارجية، سيما في سوريا، ثم في ليبيا، تمامًا مثلما حصل ذلك للدولة الإقليمية الأخرى ـ إيران.
لا يتعلق الحديث هنا، فقط، بتأثيرات “الربيع العربي”، من المدخل السوري، على تركيا، سواء المتعلق بتدفق ملايين اللاجئين إلى أراضيها، واحتضانها المعارضة السياسية والعسكرية، فذلك يشمل، أيضا، أحوالها الداخلية، المتمثلة بانفتاح الجرح الكردي فيها مجددا، والتوتر الحاصل داخلها بين الإسلاميين والعلمانيين، والقوميين والليبراليين، والشروخ الحاصلة بين القوى التي تعمل من أجل ترسيخ النظام الديمقراطي البرلماني، من داخل الحزب الحاكم وخارجه، والقوى التي تؤيد النظام الرئاسي، وجمود أو نكوص الاقتصاد التركي في العشرين الثانية لحكم اردوغان (2012 حتى الآن)، مقارنة بالنهوض الكبير الذي كان حصل في العشرية الأولى لصعوده للحكم، كرئيس للحكومة (2002 ـ 2012). كما يشمل ذلك التوترات بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، وحلف ناتو، وبينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية؛ وضمن ذلك مع اليونان ومصر والسعودية.
وكانت تركيا بدت، منذ بداية حكم حزب العدالة والتنمية (2002)، بمثابة نموذج ملهم للمجتمعات العربية، باستقرار مجتمعها، وصعودها السياسي والاقتصادي، وبقوّتها الناعمة. فهي دولة ديموقراطية، برلمانية، وهي كانت تتمتع باقتصاد قوي وناهض، إذ ارتفع من 240 مليار دولار في العام 2002 إلى 880 مليار دولار في العام 2012، لكنه أصيب بالجمود، بحيث أنه تراجع في العام 2022 إلى 819 مليار دولار (بحسب إحصائيات البنك الدولي)، ويعد ذلك انحسارًا كبيرًا، مع تزايد عدد السكان، وهو ما يلاحظ من هبوط كبير في قيمة العملة التركية بما يوازي عشرة أضعاف بين العامين المذكورين.
النموذج الذي قدمته تركيا، أيضاً، تمثل في أن فيها حزبًا إسلاميًا يحكم في نظام علماني، وديمقراطي، بما يفيد بمصالحة الحركات الإسلامية مع العلمانية والديمقراطية، وهذا تطور مهم، إلا أن السياسات المتبعة مؤخرًا باتت تثير كثيرًا من الشبهات حول التخفف من الديمقراطية والعلمانية.
وفوق هذين، أي الاقتصاد والسياسة، فإن تركيا، في ظل حزبها الحاكم، كانت انتهجت سياسة تخفيف التوترات مع محيطها، وعدم التورط في المشكلات الداخلية للبلدان الأخرى، وتوطيد مكانتها لدى جيرانها عبر العلاقات التجارية والأنشطة الاستثمارية، ما عزّز جاذبيتها، بفضل قوتها الناعمة، على خلاف الدولة الإقليمية الأخرى، أي إيران، التي انتهج نظامها السياسي، منذ قيامه أواخر السبعينيات، طابعًا أيدلوجيًا، وسياسة “تصدير الثورة”، والتدخل في شؤون الدول الأخرى، وإنشاء ميلشيات مسلحة موالية لها.
هكذا، فإن مشكلة تركيا تكمن في أنها لم تحافظ على سياستها تلك، فهي مع ثورات “الربيع العربي” تصرّفت كدولة ذات أجندة حزبية – دينية، مثلها مثل إيران، وبدا ذلك حتى في طبيعة علاقاتها مع إسرائيل (بين المقاطعة والانفتاح) ما بدّد مكاسبها وزعزع مكانتها بين المرحلتين.
وعليه فإن تركيا، بعد “الربيع العربي” أرادت الحفاظ على المكانة التي تحققت لها بفضل نموذجها الاقتصادي والسياسي والسلمي، إذ بات طابعها الأيدلوجي يظهر في تعاملاتها الخارجية، سواء في تعاطيها مع بعض الأنظمة العربية، أو في ممالأتها لبعض التيارات الإسلامية في العالم العربي، ولاسيما في دعمها لفصائل عسكرية سورية من طابع معين، الأمر الذي أضعف، أيضًا، الثورة السورية في معناها ومبناها.
وفي الحقيقة فقد أخطأت تركيا بتدعيمها لتيار سياسي معيّن، في هذه الثورات، على حساب التيارات الأخرى، وبتعاملها بطريقة غير ديبلوماسية مع هذا النظام أو ذاك، وبتحالفاتها مع دول معينة على حساب أخرى.
بيد أن الخطأ الأكبر تمثل ربما بتشجيعها تحول الثورة السورية إلى ثورة مسلحة، بطريقة متسرّعة وغير مدروسة، وتسهيلها دخول مقاتلين أجانب إلى سوريا، وتدعيمها للجماعات العسكرية المحسوبة على الإسلام السياسي المتطرف، فهذا كله أضر بثورة السوريين وبمجتمعهم، وأطال عمر النظام، وزعزع الاستقرار السياسي في تركيا ذاتها.
بغض النظر عن علاقات التأثّر والتأثير، سلباً أو إيجابًا، فإن تركيا مطالبة بدراسة واستيعاب أو تجاوز ما حصل من أزمات أو توترات، وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي، في آن معًا، لكن ذلك سيبقى أفضل في حال تخفّف نظامها من الانحيازات الأيدلوجية والسياسية واشتغل على تعزيز علاقات المواطنة والديمقراطية، في الداخل، والاعتماد على القوة الناعمة في الخارج، وضمن ذلك السعي لإعادة ترميم علاقاته مع الأطراف العرب المعنيين، سيما في مجالات الاقتصاد والبني التحتية، وفي مجال إرسال دعائم الاستقرار في المنطقة؛ وبديهي أن ذلك يشمل ترميم علاقاته الدولية، في عالم يزداد اضطرابا.
جمال زقوت يكتب: ما العمل لوقف العنف ضد النساء؟
بمناسبة حملة الـ 16 يوما لمناهضة العنف ضد النساء، كنت أنوي تخصيص مقالي الأسبوعي لهذه المناسبة، إلا أنه، وبفعل بشاعة جرائم وعنف جيش الاحتلال، لم يكن ممكناً اقتصار المقال على هذه الحملة فقط، سيما في ظل عدم إمكانية الفصل بين المهام الوطنية، وأحوالنا الداخلية السياسية منها والاجتماعية، وشروط استنهاض القدرة الكلية في هذه المواجهة الصعبة.
الكتابة عن حملة مناهضة العنف ضد المرأة، لا تستهدف فقط تسليط الضوء على مخاطر هذه الظاهرة التي تعاني منها النساء في جميع دول العالم. وكون العنف في فلسطين مركباً، المجتمعي من جهة والاحتلال من جهة أخرى، يجعل وضع المرأة الفلسطينية فريداً، بما يتطلبه ذلك من بحث جدي في مدى مسؤولية المجتمع بمؤسساته الرسمية والأهلية، بما في ذلك النسوية، عن تفاقم هذه الظاهرة، و محاولة بلورة حلول عملية لمعالجتها، على الأقل من أجل توحيد الجهود المجتمعية في مواجهة عنصرية وعنف المحتلين.
الإصرار على عدم تغيير البيئة والحاضنة القانونية التي هي بمثابة خلاصة تطور وعي وثقافة المجتمع بفئاته المختلفة إزاء قضية المرأة كإنسان، أو حالة عدم القطع مع موروث رجعي لا يزال يخفي في ثناياه التعامل مع المرأة وكأنها مواطن من الدرجة الثانية، وما يترتب على ذلك من ثقافة الإقصاء والتمييز وسلب الحقوق ومقاومة مبدأ المساواة الذي بدونه لن يكون المجتمع سوياً، بل يحمل في ثناياه أدران من الأمراض الاجتماعية الأخرى التي لا تقتصر على قضايا المرأة، بل وتمتد لمكونات المجتمع بأسرها.
دون إدراك أن العنف ضد المرأة هو عصارة العنف ضد المجتمع برمته، وليس نصفه، وأن التمييز ضدها هو انتهاك خطير يمس سوية المجتمع وأجياله القادمة من الجنسين. وهنا تكمن مسؤولية الحركة الوطنية ونظامها السياسي الذي بدلاً من التصدي لهذه الظاهرة بجرأة، فإنه يشيح بنظره عنها، ويتعامل مع جوهر قضايا المرأة بطريقة ديكورية لمجرد تحسين صورته المتآكلة.
عنف المجتمع ضد المرأة هو عنف المجتمع ضد نفسه، وهذا لا يُعالج بحملة لعدة أيام من السنة، بل برؤية شاملة ذات طابع مدني تقدمي بمركباتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والتربوية، كما يستدعي بلورة توجهاً للحكم يؤصل لهذه الرؤية، ويدمجها في أجندة وطنية شاملة لمكونات فلسفة الحكم الأوسع، حيث المجتمع بأكمله ما زال يخضع للاحتلال، ويعاني من سياسة القمع والعنف العنصري بأشكاله المختلفة، وما يستدعيه ذلك من رؤية واقعية خلّاقة تربط متطلبات ومهام مرحلة التحرر الوطني بمهام البناء الديمقراطي بأبعادها المختلفة، وليس أوضح من قضية المرأة للتدليل على هذا الربط، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تأجيل النضال من أجل قضايا المرأة الاجتماعية منها والاقتصادية وحقوقها الطبيعية في المساواة الكاملة لحين إنجاز الاستقلال والتحرر الوطني.
بديهي أن شعباً يتغاضى ويشيح النظر عن حريه النساء فيه، والتصدي لما يتعرضن له من عنف وإقصاء، فإنه يُخرجُ من معادلة الكفاح الوطني رافعة أساسية من مكوناته. كما أن مفهوم الحرية فيه سيظل قاصراً ومشوهاً، ما لم يشمل حرية جميع مواطنيه رجالاً ونساءً، والتأصيل القانوني للمساواة بينهما، سيما لجهة إقرار قانونيّ حماية الأسرة والعقوبات.
لن ينجح أي مجتمع في وأد العنف المجتمعي سيما تجاه النساء اذا استمر بالصمت والتواطؤ على قتلهن، ودون ترسيخ الطمأنينة والشعور بالأمن الاجتماعي، ومكافحة مظاهر العنف داخل وحدة المجتمع الأساسية وهي الأسرة، وما يتطلبه ذلك من سياسات اقتصادية واجتماعية وتربوية تكافح الفقر وترسي العدالة الاجتماعية وثقافة المساواة الكاملة بين الجنسين، سيما في مناهج التعليم التي ما زالت تتسم بالذكورية، وإرساء مبدأ تكافؤ الفرص في سوق العمل الحكومي والخاص والأهلي على حد سواء.
وسط فعاليات”حملة مناهضة العنف ضد المرأة”، والتي يبدو أنها باتت روتيناً مكرراً خالياً من الابداع، بل، وربما سطحياً من حيث المضمون وطبيعة الانشطة التي يتم تنفيذها، وفي ظل تراجع الأجندة الوطنية للنضال النسوي إلى مجرد ردات فعل على مدار أيام السنة الأخرى، تتصاعد هستيرياً عمليات القتل الوحشية التي ينفذها جيش الاحتلال ضد أبناء وبنات شعبنا، التي كان آخرها قتل الشاب عمر مناع في مخيم الدهيشة ، بعد الجريمة الأكثر بشاعة بإعدام الشاب عامر حنفي أمام مرأى العالم في شارع حوَّارة، ومجاهرة حكومة الاحتلال إشادتها بهذه الجريمة. يأتي ذلك بعد أن كانت قد استماتت لمنع مساءلة المتورطين في اغتيال الأيقونة شيرين أبو عاقلة، مؤكدةً اصرارها على حماية كل جندي في جيشها من أي مساءلة، كان ذلك رداً من رئيس الحكومة المنتهية ولايته يائير لابيد نفسه على اعلان ال “FBI” الأمريكي نيته التحقيق في مقتلها. هذه المواقف من حكومة يعتقدُ ما يسمى بالمجتمع الدولي أنها “تراعي القانون وأسس الديمقراطية”!
فكيف سيكون أمر حكومة برنامجها الائتلافي، بزعامة “عصابة الأربعة”، يقطر بسُمِ العنصرية الزعاف، و جوهره الضم والاستيطان ومخططات الترانسفير القصيرة وبعيدة المدى، والتوافق على بطاقة خضراء لاجراء تعديلات قانونية لقواعد الاشتباك تزيد من تسهيل اطلاق النار ضد الفلسطينيين في الضفة والداخل، وانشاء عصابة ارهابية رسمية تُسمى “الحرس الوطني” تحت قيادة الكاهاني العنصري بن چڤير، ناهيك عن خطط هذا الائتلاف لتفريغ مكانة ما يسمى بالمحكمة العليا وسلطة القضاء، لضمان حماية نتانياهو من المحاكمة مقابل اطلاق أبشع أشكال العنصرية التي تمهد لحرب “دولة المستوطنين” على وجود الفلسطيني، وقدرته على احتمال الحياة ومجرد البقاء على أرضه، الأمر الذي يفاقم من تبعات تصاعد هذا العنف سيما على النساء .
رغم تفاقم مثل هذه العنصرية، وتسارع انحدارها نحو الفاشية الرسمية، تكتفي السلطة الحاكمة المنقسمة ببيانات الإدانة المكررة، وتتمترس قواها المهيمنة على المشهد على ضفتي الانقسام، غير آبهة بالانحدار نحو حالة انفصال شبه ممأسسة، وما يترتب عليها من تقاسم واحتكار للسلطة، وتغييب الرقابة والمساءلة البرلمانيتين، وإلغاء استقلالية السلطة القضائية، وتفشي ظواهر الفساد والمحسوبية، وعدم الاكتراث بحقوق المواطنين، والأخطر استمراء محاولات التماهي مع الحركات الرجعية، التي تطلق تحريضها المسموم ضد الناشطات والمؤسسات النسوية، وتداعيات ذلك كله على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي، وتزايد مظاهر الاحتقان والعنف، حيث المرأة ضحيته الأساسية.
بينما تواصل تلك المنابر الرجعية تضليل الناس؛ بأن الدفاع عن حقوق النساء باعتبارها حقوق إنسان، بما في ذلك الحث على ترشيد سن الزواج ومنع الزواج المبكر، كي تكون المرأة مؤهلة لتنشأة أسرة متماسكة، وتصون حقوقها كزوجة، ومواطنة صالحة، إخلالاً بالآداب العامة، يستمر للأسف صمت المؤسسة الحكومية، وتردد المؤسسات المجتمعية، وإحجامها عن استخلاص العبر، وبلورة توجهات وخطط جدية لمواجهة حملات التحريض، وبما يشى وكأنها تضع مسافة عن الحقوق النسوية التي تضمنتها اتفاقية سيداو، كما تستمر المؤسسة الرسمية بمهادنة هؤلاء “الرجعيين” عندما يتصل الأمر بقضايا المرأة، وترك الناشطات يواجهن مخاطر التحريض على حياتهن دون اكتراث منها.
السلطات القمعية والديكتاتوريات الحاكمة، وعندما تختل قواعد حكمها، بسبب فشلها وفسادها واحتكارها للسلطة والثروة، تتمادى أكثر، وتلجأ دوماً للاحتماء ب “سلطة الدين” ليس لإرساء قيم التسامح والتعاضد التي دعت لها مختلف الأديان السماوية، بل لتحصين هيمنة هذه السلطات من النقد. يجري ذلك في وقت تتعرض فيه قضية شعبنا وحقوقه الوطنية لخطر جدي وملموس، لم يعد يقتصر فقط على اندفاع المشروع الصهيوني نحو الفاشية العنصرية وشهيته لحسم معركته التاريخية مع شعبنا وحقوقه ومشروعه الوطني ، بل وأيضاً بفعل تخلى الحركة الوطنية عن دورها الكفاحي الوطني، واستعدادها للمساومة على حقوق شعبنا الوطنية مع المحتل من جهه، وعلى طابعها التقدمي والحقوق المدنية للمواطنين مع القوى الرجعية المحلية من جهة ثانية. الأمر الذي يفرض على جميع الوحدويين الوطنيين والتقدميين في فلسطين وشتاتها التصدي لهذا الواقع بكل تعقيداته وتشابكاته، وبما يفضى لرؤية وطنية ديمقراطية منفتحة تعيد تعريف من نحن، وطابع الهوية الوطنية الجامعة لنا كشعب، واستراتيجيات كفاحنا الوطني والاجتماعي، وبما يُمَكِّن شعبنا من تعزيز قدرته على الصمود والبقاء، وحماية حقوقه الوطنية من مخططات التصفية، وصون حقوقه المدنية الاجتماعية منها والاقتصادية، ومختلف مكتسباته الديمقراطية التي سبق أن أنجزها عبر عقود من النضال المتواصل، وفي مقدمتها حقوق النساء والأجيال الشابة في المساواة وتكافؤ الفرص والكرامة الوطنية والإنسانية، كمكونات عصرية لممارسة الحق في تقرير المصير، ومبادئ حقوق الإنسان.
ماجد كيالي يكتب: كيف تحولت الصراعات السياسية إلى صراعات هوياتية كارثية؟
تحولت ثورات “الربيع العربي” إلى نوع من انفجارات هوياتية، ومأساوية، إذ انتقلت من كونها ثورات تتوخّى التغيير السياسي، نحو المواطنة والديمقراطية، إلى صراعات تتوخى تحقيق أو تغليب الهوية، الأثنية أو الدينية (الطائفية والمذهبية). بيد أن الانتقال من حيّز الصراعات السياسية إلى حيّز الصراعات الهوياتية لم يحدث عفواً، بمعنى أنه تحول سياسي، او تقف وراءه قوى سياسية، ولاسيما قوى دولتية.
بديهي ان ثمة عوامل سهلت أو دفعت إلى ذلك، ضمنها الحرمان التاريخي من السياسة، وتهميش المجتمعات، وغياب الأحزاب، والافتقاد للتجربة السياسية، لكن العامل الأساسي في التحول الحاصل، نشأ أساسا بفعل تشبث الأنظمة السائدة بالسلطة، ومقاومتها التغيير. وكما شهدنا فإن تلك الأنظمة اشتغلت منذ البدايات على تحويل الثورات، او الحراكات الشعبية، إلى عبء أو كارثة، من الناحيتين المادية والمعنوية، الأمر الذي وجد ترجماته في ليبيا واليمن والعراق وسوريا، بشكل خاص، إذ اشتغلت ايضا بحرف الثورات عن مساراتها، أو بتخليق حالة من التوترات في المجتمع، مستغلة انقساماته.
واضح أن الأنظمة تمتلك خبرة في السياسة والإدارة والحكم والسيطرة، والتلاعب بالرأي العام، بالقياس لحالات انطلقت من نقطة الصفر تقريبا في تصدرها للثورات، لاسيما ان الانظمة تمتلك الجهاز الأكثر تنظيما، أي الدولة، واجهزة الإعلام، فضلا عن القوى العسكرية والامنية ناهيك عن الموارد.
هذا حصل، مثلا، وبشكل خاص في العراق وسوريا، أيضا، فمن المعلوم ان نظام المالكي سابقا اشتغل على بناء ميلشيات مذهبية متعصبة عوض الجيش، وعلى بناء سلطة ذات لون معين، في حين انه أسبغ على أي حراك ضده صفات طائفية او مذهبية، ما شكل تربة خصبة لظهور “داعش” على أنقاض الحراكات الشعبية التي شهدها العراق في العام 2014. أما في سوريا فمنذ اليوم الاول أنكر النظام على السوريين حقهم المشروع، وتوقهم للحرية والكرامة والمساواة، بل واعتبر ان ما يجري مجرد تحركات تقف وراءها جماعات دينية أو طائفية متطرفة، مع غض نظره عن جماعات او ميلشيات طائفية مسلحة، محسوبة على الإسلام السياسي (“الشيعي”) تتبع لإيران، مثل فاطميون وزينبيون وعصائب الحق وحزب الله.
والحال، فإننا عندما نتحدث عن صراعات الهوية نقصد بها كل الصراعات التي تنجم عن تقسيم المجتمعات بشكل عمودي، وبطريقة تنميطية شمولية وقسرية، وينضوي في اطار ذلك الهويات الطائفية والمذهبية والقومية والعشائرية، ويمكن ان نضيف إليها الهويات الايدلوجية ايضا، علما ان تلك تنتمي إلى عصر الحداثة او الهويات الحداثية، لكنها تحولت إلى أديان أرضية. إذ أن مشكلتنا مع أصحاب الأيدلوجيات، أو الجماعات الأيدلوجية، لاتكمن فقط في العقليات المغلقة وادعاء احتكار الحقيقة، واعتبارها مطلقة ونهائية، وإنما تكمن ايضا في تحويل هذه الايدلوجيات الى هويات بل وإلى “أديان” أخرى مع “رسل” و”مفتين” و”طوائف” مغلقة ازاء بعضها.
ومشكلة هذا النوع من الصراعات ان كل جماعة هوياتية تعتقد أن هويتها ذات طابع مطلق وأبدي وصاف، وبمثابة دين او مقدس لا يمكن المساس به، كأنها منزّلة من السماء، في حين أن كل هوية هي ذات معطى تاريخي، وتخضع لتغيرات، تبعا للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فمفهوم المسلم (أو المسيحي)، أو وعيه لذاته، يختلف من مرحلة إلى أخرى، بحسب الحالة السياسية، كما أن هذا المفهوم يفتح على تحديد التعريف، ومرجعياته المذهبية، أو الفقهية، ثم على درجة تدينه، أو لا تدينه، أو إيمانه بأولويات أخرى مع التدين أو من دونه، تماما مثلما أن مفهوم الفلسطيني أو السوري أو العراقي أو الفرنسي أو الروسي أو الأمريكي يختلف من مرحلة إلى أخرى. ولا ننسى أن الهويات الوطنية في بلاد الشام، السورية والفلسطينية والأردنية واللبنانية، هي هويات حديثة، ونتاج المرحلة الاستعمارية، وحقبة الدولة الوطنية.
وغنى عن القول هنا إنه لا يمكن اختزال إنسان ما بهوية بعينها، إذ أنه محمّل بهويات متعددة، عائلية وعشائرية ولغوية ودينية ووطنية وحضارية ومهنية وثقافية وسياسية، وأن التعصب لهوية معينة ينشأ وفقا لصراعات السياسة، إذ تبرز هوية على حساب غيرها. أيضا لنلاحظ أننا في الصراع الهوياتي نبحث عن الاختلاف والتنميط والتميّز والتقوقع وتالياً الهيمنة والكراهية والتهميش أو النفي، بدل البحث عن التشابه والتقاطع والتكامل والتنوع وتاليا االتفاعل والاعتراف والمساواة والتشارك، أي العناصر التي تؤكد الهويّة الأصلية للإنسان.
هكذا تستغل القوى المهيمنة صراعات الهوية وتتلاعب بالانتماءات الأولية في تحويل الصراع على السياسية والحكم والحقوق إلى صراع هوياتي من طابع طائفي أو حتى قومي، وهو ما حصل مرات في أوروبا، وهو ما يحصل عندنا في هذه الظروف لإجهاض الثورات الشعبية وأخذها لمسارات أخرى تختلف عن مقاصدها الأساسية.
وعليه، فربما لا شيء أكثر خداعاً ومواربةً وزيفاً من الصراع الهوياتي فهو لا يتأسس على الصراع من أجل المصالح الحقيقية للبشر، وهو أكثر الصراعات دموية، لأنه يتأسس على الصراع الوجودي، ولأنه الصراع الوحيد الذي ليس لأي منا اي صلة به، فليس لأحد أي فضل في انتماءاته الأولية فالمرء يأتي الى الدنيا دون أن يختار أو يقرر هوية عائلته أو دينه أو قوميته أو بلده أو لغته. المشكلة أننا غالباً لانشتغل ولانتصرف على أساس هذه الحقيقة في غمرة عصبياتنا وذهابنا الى الحروب الهوياتية المدمّرة، التي هي مجرد حرب ضحايا ضد ضحايا، لا تستفيد منها سوى قوى الهيمنة والاستبداد، أو قوى الظلم والرجعية.
[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]
[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]
[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]
[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]