رؤية نقدية| منة شلبي في «نوارة».. أحلى من «أحلى الأوقات»

«هناك أشياء سيئة للغاية تجري في هذا العالم ولا يعرفها الناس الطيبون، باركهم الله جميعها، وهذا بحد ذاته شيء جيد ولا ضير من أنهم لا يعرفون شيئًا عن هذه الأمور، لأن هذا يثبت معدن الطيبين، وإلا لماذا كانوا طيبين.. أليس كذلك؟»، هكذا تقول الروائية التركية إليف شافاق، لينطبق قولها على «نوارة»، خادمة تعمل في فيلا أحد رجال نظام مبارك، الوزير السابق أسامة باشا وزوجته شاهندا (محمود حميدة وشيرين رضا)، لكنها لم تعبأ بالبحث في التفاصيل التاريخية، كان يكفيها أن تعرف أنه رجلاً طيبا، على الأقل لم يكن أسوأ من نظامه، رغم ارتكاب النظام أعمالا شنيعة وأخطاء دنيئة تكفي لأن تجعله آثما.

تحتشد الدقائق الأولى للفيلم برتم ديناميكي هادئ، يتكرر صباح كل يوم، إذ تحمل فتاة المنطقة الشعبية، جالونات المياه، وتعدو بخطوات سريعة وكأنها هاربة من ظلها، تتوقف لترتاح قليلًا، وتعاود الكرة حتى تصل لبيت متواضع ينزوي وسط العشوائيات، لتسقى أمها التي تردد عبارة «أنا خايفة أموت وملاقيش شوية ميه تغسلوني»، فالصنابير البيت كسراب لم يجدوا عنده ماء، كضباب يكتنف المدينة ليلا وينقضي مع بزوغ الفجر، يتجمع ليصبح لا شيء، في حين قد يتناثر على نوارة رذاذ الماء بفعل قفزة يقوم بها رجل طويل تشي وقفته المنتصبة بالقوة، في مسبح فيلته (أسامة باشا).

عند رؤية (منة شلبي) في ذلك الدور، قد يقول قائل «يا لخيبة الأمل»، هكذا إذن يبدو منحى سيئا للغاية عندما يختير ممثل لتجسيد شخصية مخالفة تماما لطبيعته، إلى أن تثبت شلبي العكس، فهي شاحبة وساهمة، متعبة بشكل يتجاوز عمرها، النحافة والضعف طاغيان على الجسد، واليأس والقنوط ظاهران على العينين الجميلتين، تكاد تنحني إلى الأمام من ثقل الحمولة، في شكل قوس، كممثل انحنى أمام موجة من التصفيق المدوي حين انتهاء العرض، هكذا جاء الأداء التمثيلي على مستوى متميز، كما أن تنفيذ العمل جرى على نحو لا بأس به.

رغم أن الفن تكمن عظمته في تبديل بشاعة ظروف انقضت عليها السوداوية، بمشاهد أجمل، وعلى الرغم من خطورة موضوع يتذبذب بين الإنساني والسياسي، إلا أن المخرجة هالة خليل تبنت موقفًا مغايرًا رافضة صياغة فيلم بمقدمات سوريالية في لحظات الأزمة، وكأن مصابًا لم يقع، رافضة الاتيان بفاجعة إنسانية في صور سينمائية لطيفة، وبنوارة، طوت صفحة أفلام تناولت الناجين بدلًا من تناول الضحايا، أفلام تعاملت مع ثورة وتناست الـ«غلابة» الذين ازدادوا «غلبًا» باندلاعها.

ضنك، ولكن ربما كان ثمة أمل مشجع في مكان ما، يعيد مقدرات الوطن إلى الشعب، أمل يأتي من مذياع السيارات الخمس التي تقل نوارة في رحلة مضنية تقطع فيها مسافة أميال، تسلمها وسيلة مواصلات إلى أخرى، حتى تصل إلى الفيلا في السيارة الخامسة، وفي كل واحدة يسود صمت، فالركاب جميعهم يبتسمون كأن ثمة شيء قبع في حناجرهم، وقد وجدوا طرافة في ذلك، «حديث في الراديو عن أموال مبارك في بنوك سويسرا»، وكأن ابتسامة الركاب تقول «كل ثروة مفاجئة يحصل عليها المرء لابد أن تكون ثروة سلبت من شخص آخر، نعم نحن هذا الشخص الأخر فهي من حقنا».

نوارة لا تهدر طاقتها في أحاديث المواصلات السياسية العقيمة التي لا تؤدي إلى شيء، لسبب بسيط وهو أن المناقشة تبدد الطاقة التي تحتاجها في البيت والفيلا، لذا فهي تفضل ألا تتورط في النقاش، بعد أن تأكدت من عبث المناقشة التي سرعان ما تصل إلى الذروة لتنحسر وتصبح لا شيء، لدى نزولها من السيارة.

سريعًا تحولت الملايين إلى أرنب بري تستطيع أن تراه من مسافة بعيدة، لكنها لا تستطيع أن تمسكه أبدًا، فلم تتوقع الكثير من أموال مبارك، وهيأت نفسها لتقبل الأمور مهما كانت «فإن سارت على ما يرام فلا بأس، وإن لم يكن فإنها ستكون مهيأة لذلك أيضًا»، وكأنها تذكرت وعود السياسيين التي تتبخر بعد انتخابهم.

وبينما الثوار في الخارج يبحثون عن حرية، كانت هناك درجة من الديمقراطية وحرية الكلام في فيلا رجل النظام، حتى إن نوارة كان بوسعها أن تعلن أنها مع الثورة إذ رغبت وهي في الفيلا، فعندما سألها الباشا، بدأت تتذكر العادة المتبعة، ولم ترد أن تعارضه، فقط أومأت برأسها بلا اكتراث مجيبة بنعم، ليظلوا متعايشين تحت سقف فيلا واحدة، حتى أنهم تركوا لها الفيلا وهاجروا مطمئنين لها.

 

قد يبدو الفيلم فاضحا للمجتمع المصري بعنصريته التي لم تخفها ادعاءات حقوق الإنسان والحضارة، لكن الفيلم وبشكل مبطن يسعى لتبرئة ذلك المجتمع من ناحية أخرى، فبعيدًا عن المنطقة المظلمة التي تحرسها المحرمات الثلاثة، ضوت المخرجة على واقع رابع لا يجري التطرق إليه كثيرا، مثالا على ذلك شخصية علي النوبي (يقوم بدوره أمير صلاح الدين)، الذي تقبل به نوارة زوجًا، ليعيشا معًا، وهو ما كان يبدو لأمثالهما في البداية حلم.. التجانس والانسجام بين السود والبيض، حيث سادت أساليب لفظية تبدو مرضية لهم بشكل ما، لكنها تحمل إهانات يفهمها أقرانهم من جيل مضى، مثل لقب «جورباتي» الذي يعني أنه شخص قليل التربية وكاذب، وبزواجهما يؤكد الفيلم أن هناك أمل في انسجامهما، خاصة وأنه في عرف النوبيين لا يتزوج أحد منهم من خارجهم، وتلك عنصرية معاكسة.

نوارة وعلي، جسدا التراجيديا المحزنة التي يعيشها الشباب، زواجهما تأخر كثيرًا، 5 سنوات على الأقل؛ حيث كتب كتابهما ولم يتزوجا لعدم وجود «مأوى»، وأخذا يمارسا أساليب الحب من مسافات بعيدة، والتزاوج  دون لمس، وكأنه الحب العذري، وتمكنا من كبت رغباتهما لسنوات، من جلد الذات، إلى أن حدثت لهما ردود أفعال معاكسة، وعاد إليهما الحافز بشكل أقوى.

بعد 14 عامًا مضت على «أحلى الأوقات»،  يمكن اعتبار «نوارة» دور العمر لمنة شلبي، بأدائها البسيط غير المفتعل، والفيلمان قصة وإخراج هالة خليل، الأول كان باكورة أفلامها السينمائية، وفي الأخير تعود لتيمتها التي أطلقت شهرتها، بعمل مثير آخر، أقل خيالية وأكثر معقولية، فيأتي أشبه بحقيقة تقدم على نحو مبسط بشكل مفرط، فلم ترهق خليل المشاهدين بعصا الأستاذ الواعظ، وظلت سينمائية حتى اللقطة الأخيرة من الفيلم، تاركة المشاهد يستنتج، وهنا عنصر التشويق يبقى رهنًا بسؤال مفاده «إلى أين يمضي هذا العمل بحق الجحيم؟».

المخرجة نجحت في توظيف فعال لكل التفاصيل العادية كالكلب «بوتشي» الذي اعتاد مهاجمة نوارة ويرمز إلى أن «الغلبان ميتشطرش إلا على الغلبان اللي زيه»، لكنه عندما كسر نوارة حاجز الخوف منه، دار حولها قبل أن يتكور ويجلس جانبها، وكذلك حمام السباحة الذي في ملئه وتفريغه تهدر مياه تكفي حي نوارة كاملا، ولكن التوظيف المتكرر لحمام السباحة يعكس درجة من التساهل لا البساطة في الحلول الدرامية. فنجد أن حميدة قفز فيه مرتان وكل مرة لا تختلف تماما عن مثيلتها، وكذلك تكرار مشهد رحمة حسن وهي تسبح فيه مرتين بالبكيني.

كل شخصية في الفيلم تتصرف كي تتفوق على غيرها، ليكون الفقير أكثر إخلاصا لقضيته، أو ذي جاه ينتمي لسياسات القوة والسلطة، الوزير ذو الشعر المصبوغ يستهين بشباب الثورة، وحتى عندما أرغم على الرحيل رفع ذقنه، مستقيم الظهر، كأنه اتخذ وضعية «أسير الحرب» الذي اضطر لتسليم سلاحه، دون تسليم كرامته.

رحمة حسن الممثلة الشابة التي لم يمنحها السيناريو فرصة قوية لشرح وبلورة الشخصية، ولم يتم استثمارها بشكل فعال، ويمكن القول إنها استفادت من الفيلم أكثر مما أفادته، كأن وجودها يغلفه دافع تسويقي بالأساس، إذ تكفلت هيئتها وكذلك حضورها بالنجاح.

ظهور عباس أبو الحسن، جاء متأخرًا، لكنه يأتي بقوة عبر مشاهد استغل فيها حجمه الضخم للإيحاء بأنه دائما على شفا اللجوء للعنف، ويستخدم سلاح التهديد والوعيد بشكل من التكلف، فعندما يذهب إلى الفيلا ليعثر على شقيقه الوزير ولم يجده، صار كثور يلتهم ما يراه، ورأى نوارة.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]