طلال عوكل يكتب: حين يتصادم الكبار…
التصريحات التي صدرت عن أمير قطر الشيخ تميم، يوم الثلاثاء الماضي، بما تنطوي عليه من انتقادات وتحديات، لعدد من الدول العربية، فضلا عن الولايات المتحدة، بالكاد تصدر عن دولة إقليمية كبيرة، وربما لا تصدر عن دولة كبرى. دفعة واحدة يفجر أمير قطر خلافاته مع السعودية، ومصر والكويت، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، مما يضع قطر خارج الحراك السياسي الذي شهدته الرياض خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لها، بل يضعها في الصف الآخر الذي ينشأ التحالف العربي الإسلامي الأمريكي لمواجهته.
الخلاف ليس جديدا، فهو أكتر من فاقع مع مصر، على خلفية الدور الذي تلعبه قطر في احتواء قيادات إخوانية، ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين، فضلا عن الدور التحريضي الذي تلعبه ” قناة الجزيرة القطرية”. والخلاف ظاهر بين قطر والإمارات العربية المتحدة، حول الموقف من الإخوان المسلمين الذين تدعمهم قطر وتعتبرهم الإمارات جماعات إرهابية.
والخلاف قديم مع السعودية التي تقود مجلس التعاون الخليجي، وربما كان صامتا مع الكويت والبحرين. إذا لا سبيل للتلطي خلف مبررات واهية، كالادعاء بأن ثمة اختراق للوكالة القطرية “قنا”، فإذا كان الأمر على هذا النحو، فإنه يترتب على الشيخ تميم الإدلاء بتصريحات مغايرة أمام وسائل الإعلام، وهذا لم يحصل عمليا.
في الواقع تشكل سياسات قطر في الإقليم، ومنذ سنوات، مصدر إرباك وإشكاليات، وتناقضات لا تتناسب مع الدور الذي يمكن لدولة صغيرة أن تلعبه. لقد تجاوزت قطر حدود إمكانياتها الجغرافية والاقتصادية والسياسية، وليس لديها ما تستند إليه سوى قناة الجزيرة، والإمكانيات المالية وهي متواضعة قياسا بإمكانيات الدول، لكنها ضخمة قياسا بعدد سكان البلاد. لكن الأهم من كل ذلك هو ما ورد في حديث الأمير تميم، حول دور القواعد العسكرية الأمريكية، التي تقدم لقطر الحماية والأمن.
يعتقد أمير قطر أن القواعد الأمريكية يمكن أن تشكل لها حماية أكيدة، من أية محاولات لزعزعة استقرارها، حين تتطاول على الدول الأخرى، وتجدف خارج التيار. والحال أن أمير البلاد ينطلق من حقيقة أن محدودية عدد السكان، وتجانسهم، والرشوات الضخمة التي يقدمها لهم، لا تترك مجالا لأي طرف خارجي من أن يلعب على تناقضات داخلية، يمكن أن تؤدي إلى نشوء معارضة فاعلة. الشعور بالأمان والأمن هو الذي يدفع قطر لإقامة علاقات من فوق الطاولة مع إسرائيل، على اعتبار أنهما مضمونتين من سيد واحد هو الولايات المتحدة. مع ذلك يتجاهل أمير قطر أن الولايات المتحدة، التي تملك خيارات واسعة لتأمين وجودها العسكري والأمني في المنطقة، لا يمكن لها أن تقبل بالاستهتار الذي يبديه الشيخ تميم ويجعله يراهن على ما يواجهه الرئيس ترامب من تحقيقات في ملف العلاقة مع روسيا. وربما لم يتوقع أمير قطر، بأن يؤدي حديثه عن قاعدة عيديد، وعن الرئيس الأمريكي، إلى استثارة الإدارة الأمريكية.
لا تعرف ما الذي سيقوله الأمير تميم ردا على تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، وأيضا رئيس لجنة الخارجية في الكونغرس، الذين قللا من أهمية القاعدة العسكرية الأمريكية في قطر، ولوحا بإمكانية اللجوء إلى بدائل. أي سياسة هذه التي تدفع أصحابها إلى تجاهل أهمية وسطوة الجغرافيا والتاريخ، في صياغة الأحداث، وتحديدا أدوار الدول؟
أية أموال يمكن أن تجعل دولة صغيرة وطرفية، من أن تتجاوز دولة عميقة، قوية وكبيرة ومركزية، مثل مصر؟.
المال قد يوفر لصاحبه قصورا، وحياة رغيدة، ولا في الأحلام، ولكنها في الأحلام يمكن أن تحيل بلدا صغيرا إلى دولة فاعلة ذات أدوار استراتيجية، تزاحم بها دولا كبيرة. الصراع في الإقليم ضاريا ومكلف إلى حد كبير، لا تصمد فيه إلا دول كبرى وتحالفات واسعة. في هذا المقام لا تشكل قطر فرقا بين أن تكون في التحالف العربي الأسلامي الأمريكي، أو أن تكون في الحلف الآخر. قد تختلف قطر مع استراتيجيات التحالف السني، وهي لا تستطيع تحمل تبعات الانحياز لإيران، فيما هي تدعم أطرافاً من المعارضة المسلحة في سوريا ضد نظام الأسد، وبالتالي فإن الطبيعي في هذه الحالة، أن تنأى بنفسها عن هذه الصراعات الضارية، وتنكفئ إلى الداخل، وتكتفي بما تحوز عليه من إمكانيات مادية لخدمة الحياة الرغيدة التي يتمتع بها الشعب القطري وشيوخه.
حين يتصادم الكبار فلعل الحكمة تفرض على الصغار أن يلوذوا بالفرار.
