طلال عوكل يكتب: ملح أمريكي على جراح غائرة

ملح أمريكي على جراح غائرة

لا شيء يدعو القيادة الفلسطينية للتعبير عن الارتياح والفرح، حين يتصل الرئيس الأمريكي الشعبوي، دونالد ترامب بالرئيس محمود عباس، وبعد تأخير مقصود ترك لدى الفلسطينيين قدرا كبيرا من القلق إزاء سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة. الاتصال بحد ذاته، و وصول المبعوث الأمريكي جيسون غرينبلات إلى تل أبيب ورام الله، لا يفتح الأبواب المغلقة على أمل تبدد منذ وقت طويل، حول إمكانية تحقيق السلام، وحصول الفلسطينيين على الحد الأدنى من حقوقهم. لا يكفي أن يشكل الاتصال الرئاسي، وتحرك المبعوث الأمريكي، مصدرا للارتياح والفرح، حتى لو كان ذلك، يؤكد الاعتراف الأمريكي بالشريك الفلسطيني، الأمر الذي تنكره إسرائيل.

بقلم ـ طلال عوكل

ولا يكفي أيضا أن يحقق ذلك محاولة جديدة، بدت لبعض الوقت أنها مستبعدة، لمعاودة تحريك الجهد الأمريكي لفتح ملف المفاوضات والعملية السلمية، وانتعاش الأوهام بإمكانية تحقيق السلام، أو ان يؤشر ذلك إلى أن القضية الفلسطينية ما تزال تحظى باهتمام المجتمع الدولي.

بعد فحص جملة التصريحات التي صدرت عن ترامب وأركان إداراته قبل و إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية، وأيضا ما حمله غرينبلات إلى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، من شأنه أن يبدد وبسرعة قياسية، كل آثار الارتياح والفرح التي عبر عنها عديد المسؤولين الفلسطينيين. وبمقارنة ما ورد في الحالتين مع ما كان عليه موقف الإدارة السابقة ورئيسها باراك أوباما فإن حالة الارتياح والفرح ستتحول إلى حالة من الإحباط واليأس، لكنها مع الأسف لن تولد لدى القيادة الفلسطينية دوافع مغادرة هذا الخيار البائس، الذي تؤكد وقائع العقدين السابقين فشله بامتياز. كانت الإدارة الأمريكية السابقة، متمسكة بوضوح برؤية الدولتين، وكان لها موقف واضح نسبيا إزاء موضوع السياسة الإسرائيلية الاستيطانية، ما جعلها تمرر في مجلس الأمن قرار 2334، الذي يدين الاستيطان ويدعو إلى وقفه. صحيح أن الإدارة السابقة لم تنجح في إقناع إسرائيل بتغيير سياستها، وأنها أغدقت الدعم والمكافآت لحكومات اليمين المتطرف في إسرائيل، لكنها لم تهبط بالموقف إلى الحدود التي عبرت عنها إدارة ترامب.

ترامب لا يرى في الاستيطان عقبة أمام التسوية، ولا يرى أن حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن، ولم يتراجع عن وعده لإسرائيل بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ويعود للتمسك بالأسطوانة المشروخة من أن السلام لا يتحقق إلا عبر مفاوضات ثنائية مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين مما يعني أن عملية السلام ستخضع مرة أخرى لمنطق إدارة الأزمة وليس المساهمة في حلها.

فوق هذا جاء غرينبلات إلى الفلسطينيين بتسعة شروط (حسب موقع تيك ديبكا الإسرائيلي ) عليهم أن يستجيبوا لها، وأن يوافقوا أيضا على التنازل عن شروطهم لاستئناف المفاوضات. ثقيلة وغير قابلة للتحقيق الشروط الأمريكية المطروحة على الفلسطينيين، وهي مشفوعة بتحذيرات تشير إلى أن الطرف الفلسطيني سيخضع لضغوط أمريكية، لا قبل له على تحمل نتائجها . في المقابل لا تبدي إدارة ترامب أي استعداد للضغط على إسرائيل لتغيير شروطها و رؤيتها الاستعمارية التوسعية، ولا يتطلب من حكومة نتنياهو أكثر من التوقف عن بناء مستوطنات جديدة، هي في الغالب ليست بحاجة إلى بناء المزيد من القائمة . تشجع هذه السياسة الأمريكية إسرائيل على مواصلة سياستها التهويدية والاستيطانية للقدس والضفة، وقد تشجع الحكومة المتطرفة إلى البدء بمناقشة قرار بقانون لضم مستوطنة معاليه أدوميم، بدون أن تتوقع ردا سلبيا من قبل إدارة ترامب. اول الغيث الأسود جاء في قرار افيغدور ليبرمان الذي وضع  الصندوق القومي الفلسطيني في قائمة الارهاب .

في الجوهر فإن سياسة الإدارة الأمريكية، تقوم على تبني السياسة الإسرائيلية وتستهدف دعمها وإعطاءها المزيد من الوقت لكي تكمل مخططاتها التوسعية، التي تقف عند حدود دولة للفلسطينيين في غزة، ومصادرة الجزء الأكبر من الضفة، وكل القدس، والسماح بحكم ذاتي أقرب إلى البلدية في المدن الفلسطينية كثيفة السكان، أما السلام بالنسبة لإسرائيل فإنه فقط سلام اقتصادي يستهدف تحسين حياة الفلسطينيين.

وتتلاقى السياستين الأمريكية والإسرائيلية أيضا عند قطع الطريق على المبادرة الفرنسية، وعلى أي تدخل من أي طرف آخر سوى الولايات المتحدة التي تسعى لاحتكار الملف، وحصره في الحل الإقليمي الذي سبق أن طرحه نتنياهو، ويستهدف فرض وقائع تؤدي إلى التعامل مع مبادرة السلام العربية من آخر بند فيها، وهو تطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية، وبدون أن يحصل الفلسطينيون على شيء من حقوقهم التي تنص عليها المبادرة.

تجاوب القيادة الفلسطينية مع الجهد الأمريكي الجديد، حتى لو أنها استمرت في التمسك بشروطها وبالثوابت الفلسطينية، يعني المزيد من تبديد الوقت لصالح إسرائيل، خاصة وأنها لا تفعل شيئا، تجاه تقوية العامل الذاتي الفلسطيني، أو نحو تصعيد المقاومة الشعبية، فضلا عن أن علاقاتها مع الأطراف العربية المرشحة لمرافقة المفاوضات التي تدعو إليها واشنطن، تحتاج إلى ترميم. الأطراف العربية المرشحة بحسب واشنطن هي بالضبط دول المبادرة العربية الرباعية، التي تتشكل من مصر والسعودية والإمارات والأردن، والتي لم تستجب القيادة الفلسطينية لمبادرتها، مما أدى إلى تعكير صفو علاقات السلطة ببعض هذه الدول إن لم يكن كلها.

خلاصة القول أن غياب الخيارات لدى القيادة الفلسطينية، واستمرارها في التمسك بخيار المفاوضات، بدون تغيير حقيقي في الوضع الفلسطيني، من شأنه أن يوفر لإسرائيل أفضل الفرص، وكثير من الوقت لتنفيذ مخططاتها التي تفيض عن أرض فلسطين التاريخية إلى المحيط العربي و الإقليمي.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]