في خطوة تعثرت طويلا، يقف لبنان اليوم الخميس، على أبواب انفراجة تشريعية، قد تمهد الأجواء لتسوية سياسية شاملة، وهي خطوة يعتبرها بعض المراقبين “مفاجئة” وكانت خارج التوقعات، ويراها الآخرون “قفزة” من الفرقاء السياسيين باتجاه الفرصة الأخيرة لإحياء الأمل بالخروج من نفق الفراغ التشريعي والسياسي والتوافق على مخرج “لا يقتل الذئب ولا يفني الغنم” في وطن أصبح “هشا” ويعاني حالة من الشلل، وفقا لرؤية الطوائف السياسية اللبنانية.
الخطوة التي يراها اللبنانيون جاءت بالتوافق بين الفرقاء، لا فائز ولا خاسر في صراع النفوذ السياسي، بعد أن وافق معظم الفرقاء المتنافسين وخصوصا المسيحيين منهم على المشاركة في الجلسة التشريعية للبرلمان بعدما تعذر انعقادها لأكثر من عام نتيجة الانقسام السياسي الحاد في البلاد، وهي تعد خطوة “مفاجئة” ارتبطت بالبيان الذي أصدره الزعيم السني سعد الحريري من الرياض، وتضمن التزامه المشاركة في جلسة اليوم الخميس، وعدم حضور أي جلسة أخرى لا تكون مخصصة لمناقشة قانون الانتخاب، وكان البيان من وجهة نظر الكاتب والإعلامي اللبناني زهير ماجد، “كلمة السر” التي سمحت بموافقة معظم المسيحيين على المشاركة في الجلسة .
وفور صدور البيان أعلنت القيادات المسيحية المتحالفة مع حزب الله من جانب، والمتحالفة مع تيار المستقبل بزعامة الحريري من جانب آخر، موافقتها على حضور الجلسة بعد أن نجحت في إدراج قانوني الانتخابات واستعادة الجنسية للمغتربين من أصل لبناني على جدول الأعمال، وهو ما من شأنه أن يجنب البلاد المزيد من الفراغ والانقسام الطائفي.
وفي نفس السياق يؤكد الزعيم المسيحي ميشال عون، المتحالف مع حزب الله، أن كل الاشكالات في جدول أعمال جلسة مجلس النواب زالت وحصل اتفاق شامل حول قوانين الجنسية والبلديات والانتخاب وما تبقى مجرد أمور تفصيلية، ويتفق معه على مسار التفاؤل بالانفراجة التشريعية التي من المقدر أن تسحب معها انفراجة سياسية، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بأن “التسوية إيجابية وتخلق آمالا لفتح صفحة جديدة بين القوى السياسية”.
العقدة في المشهد اللبناني، أن الأزمة التشريعية بدأت حين وضعت الأحزاب المسيحية المتصارعة والمتنافسة خلافاتها جانبا، واتفقت على عدم حضور الجلسة التشريعية لاعتبارات تختلف من حزب إلى آخر، فمنهم من كان يريد إدراج قانون استعادة الجنسية للمغتربين من أصول لبنانية على جدول الأعمال، ومنهم من أصر على دراسة وإقرار قانون جديد للانتخابات البرلمانية، ومنهم من أكد على وجوب إعطاء الأولوية لانتخاب رئيس جديد في البلاد، ولم تستطع الكتل السياسية الرئيسية في لبنان التوصل إلى اتفاق على جدول أعمال للجلسة تشريعية وهو ما سبب عرقلة الجهود السابقة لانعقاد البرلمان اللبناني، رغم تحذير حاكم مصرف لبنان المركزي، من أنه من الضروري أن ينعقد البرلمان لإقرار قوانين تتعلق بقروض للتنمية وإصدار السندات والبنوك، وقد يفقد البلد الذي يعاني اقتصاده أزمة حقيقية، القروض التي أقرها البنك الدولي إذا لم يصدق البرلمان عليها قبل نهاية السنة.
والتحذير تناول الشلل الحكومي في الأيام الأخيرة عندما فشلت الحكومة في دفع رواتب العديد من الموظفين في الدوائر العامة وخصوصا الجيش، في الوقت المحدد، خاصة وأن حكومة المصالحة الوطنية برئاسة تمام سلام، تواجه صعوبات كبيرة لممارسة عملها، وتضم وزراء متنافسين سياسيا، من حزب الله الشيعي المدعوم من إيران، وتيار المستقبل بزعامة الحريري المدعوم من السعودية، ولذلك عجز السياسيون اللبنانيون المنقسمون بين الفريقين السياسيين الكبيرين على خلفية الأزمة السورية بشكل أساسي، عن اتخاذ القرارات الأساسية بما في ذلك ايجاد أماكن لاستيعاب أكوام القمامة في البلاد، بتأثير عجز الحكومات المتعاقبة، عن إقرار أي موازنة منذ أكثر من عشر سنوات فيما تعاني البنية التحتية من ترهل ويحتاج معظمها إعادة تأهيل.
ومع القضايا التي باتت ملحة، فشل البرلمان اللبناني في انتخاب رئيس جديد للبلاد في غياب اجماع حول شخصية الرئيس الذي سيشغل المقعد الشاغر منذ انتهاء ولاية ميشال سليمان قبل 17 شهرا.
وتعقد القوى السياسية، ومعها الشعب اللبناني، آمالا عريضة على الانفراجة التشريعية اليوم الخميس، باعتبارها ركيزة أساسية، كما يراها زعيم حزب الله حسن نصر الله، بحسب التعبير اللبناني الدارج “لا تقتل الذئب ولا تفني الغنم”، ولكنها سوف تمهد لتسوية سياسية وطنية شاملة تشمل رئاسة الجمهورية وعمل الحكومة والمجلس النيابي وقانون الانتخاب الذي هو العامل الاساسي في إعادة تكوين السلطة.
