في الساعات الأولى من يوم الجمعة هاجم تنظيم داعش عدة مبانٍ في مدينة كركوك النفطية بشمال العراق في عملية لم تستهدف منشآت إنتاج الخام، ولم تتضرر منها إمدادات الطاقة إلى المدينة، وإنْ أسفرت عن مقتل 18 (بينهم 6 من قوات الأمن وإيرانيان، و10 مدنيين)، ويبدو أن هدف التنظيم الرئيسي كان في محاولة تشتيت القوات العراقية وعرقلتها في معركة تحرير الموصل، أكبر معركة تدار بالعراق منذ الغزو الأمريكي في 2003، وآخر معاقل داعش في الأراضي العراقية.
مصادر عراقية أشارت إلى أن قناصين تابعين لتنظيم داعش، انتشروا فوق أسطح عدة مبان في كركوك، فيما دارت اشتباكات عنيفة بين عناصر الشرطة العراقية، يساندها أهالي المحافظة من أحياء العسكري والعروبة وسط المحافظة، وبين عناصر داعش.
داعش والبيشمركة
وقت زحف داعش على العراق فى 2014 انسحب الجيش العراقي إلى شمال وغرب البلاد، في الوقت الذى سيطر فيه فدائيو البيشمركة الكردية على منطقة كركوك، التي صارت في أثناء معركة تحرير الموصل، المستمرة منذ خمسة أيام، قاعدة جوية للقوات العراقية مدعومة بقوات التحالف الدولي تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية.
وبحسب مسؤولين، يوجد 5 آلاف جندي أمريكي في العراق. وانضم أكثر من مائة منهم إلى القوات العراقية وقوات البشمركة الكردية حيث يقدمون المشورة للقادة ويساعدون في ضمان أن تصيب الضربات الجوية للتحالف الأهداف الصحيحة، لكن القيادة العسكرية الكردية شكت من أن الدعم الجوي لم يكن كافيا أمس الخميس.
وقالت القيادة الكردية في بيان «للأسف دفع عدد من أفراد البشمركة ثمن التضحية الأكبر حتى نحقق مكاسب اليوم ضد داعش. كما أن طائرات ودعم التحالف الدولي لم يكن حاسما كما كان في الماضي»، وهو ما تأكد خلال الساعات القليلة الماضية بعد مقتل 15 امرأة في قصف على مجلس عزاء بمدينة كركوك، رجحت مصادر أمنية أن يكون مصدرها نيران صديقة من طيران التحالف الدولي، واستندت إلى أن طيران التحالف هو الطيران الوحيد الذي حلق فوق سماء كركوك اليوم.
وأوضح الخبير العسكري العراقي محمد صابرهموندي أن تنظيم داعش استغل ضعف الوجود الأمني في كركوك، وهاجم الجزء الجنوبي منها، للرد على قوات البيشمركة على وجه الخصوص.
فيما قال يعقوب جرجس، نائب لجنة البيشمركة بإقليم كردستان، إن هناك تمشيطا في كركوك من قبل القوات الأمنية، للبحث عن العناصر التي تسربت داخل المدينة في أماكن غير معلومة، لافتا إلى أن ما حدث من هجوم مباغت لتنظيم داعش على المدينة جاء بعد الضغط والتقدم الحربي لقوات الجيش.
وطمأن جرجس أهالي كركوك بأن العملية ستنتهي في غضون ساعات قليلة، وتعود الأمور للهدوء، مشيرا إلى أن كركوك هي خليط متنوع من مكونات الشعب العراقين وتعيش في الفترة الماضية حالة رخوة من التنسيق الأمني، ويسهل اختراقها، وبالتالي كان هناك خلايا نائمة، بالإضافة لتسرب عناصر من داعش في اتجاه المدينة، والهدف من العملية ليس السيطرة على المدينة، لأنه مستحيل السيطرة على المدينة، بل هدفها إحداث إرباك أمني.
مدافع رشاشة
وأظهرت لقطات بثتها قناة (إن.آر.تي) التليفزيونية الكردية نيران مدافع رشاشة تصيب مبنى من طابقين كان فندقا فيما سبق وكذلك سيارات تحترق في شارع قريب، وظل بعض المهاجمين متحصنين داخل مسجد وفندق مهجور.
وقال الفريق الركن طالب شغاتي قائد القوات العراقية الخاصة من أحد خطوط القتال شرقي الموصل إن المهاجمين في كركوك جاءوا من خارج الموصل.
كركوك والموصل
أعلنت القوات العراقية التقدم على مناطق نفوذ داعش في الموصل، بوتيرة أسرع مما توقع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بحسب كلمة له عبر الفيديو لدول التحالف المناهض لداعش والمجتمعة في باريس، وهو ما أكده مسؤول كردي كبير لرويترز بقوله إن الهجوم الذي تنفذه قوات عراقية وكردية يتقدم باطراد مع توغل هذه القوات في قرى على مشارف الموصل، وإن توقع تباطؤ الوتيرة مع اقتراب القوات من المدينة نفسها حيث حفر داعش خنادق وأنفاقا وربما يستخدمون المدنيين دروعا بشرية. وهو ما تأكد في كركوك اليوم.
نفى داعش تقدم قوات الحكومة. وتحت عنوان “بداية خائبة للحملة الصليبية على نينوى” قالت مجلة النبأ الأسبوعية الإلكترونية التابعة للتنظيم إنهم تصدوا للهجمات من كل الجهات وقتلوا عشرات في كمائن وهجمات انتحارية ودمروا عشرات المركبات بما فيها دباباتن ورغم النفي، فإن داعش شن هجوما مضادا على مدينة كركوك العراقية اليوم الجمعة، بهدف عرقلة القوات العراقية ولتخفيف وطأة الحرب على عناصر التنظيم الذي تلوح حوله العديد من السيناريوهات بعد المعركة الفاصلة في تاريخ التنظيم والتي قد تكون الأخيرة بالأراضي العراقية.
ووفقا لبيانات من قيادات عسكرية أمريكية وعراقية صدرت الليلة الماضية سيطرت القوات العراقية وقوات التحالف بقيادة واشنطن على ثماني قرى في جنوب وجنوب شرقي الموصل. وتهاجم القوات الكردية من الشمال والشرق أيضا للسيطرة على عدة قرى.
وتقول الأمم المتحدة إن الموصل قد تحتاج أكبرعملية إغاثة إنسانية في العالم وتشير أسوأ الاحتمالات إلى نزوح ما يصل إلى مليون شخص.
ويعتقد أن نحو 1.5 مليون شخص ما زالوا يعيشون في الموصل. وقالت متحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان اليوم الجمعة في جنيف إن متشددي داعش اقتادوا 550 عائلة من قرى حول مدينة الموصل، ويحتجزونهم لاستخدامهم كدروع بشرية على الأرجح.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة أمس الخميس إن القتال أجبر 5640 شخصا على الفرار من ديارهم في محيط المدينة حتى الآن.
وذكر الهلال الأحمر التركي اليوم أنه يرسل شاحنات مساعدات إلى شمال العراق تحمل ما يكفي من الغذاء والإمدادات الطبية لعشرة آلاف من النازحين بسبب القتال الدائر حول الموصل.
الاشتباكات مستمرة
ولاتزال الاشتباكات مستمرة، بعد أنباء عن عودة الاشتباكات مع تنظيم داعش في كركوك، بعد محاولة تسلل عناصر التنظيم داخل المدينة، والتدخل المباشر من قبل قوات الأشايس، التابعة للقوات الكردية، واستطاعت قوات البيشمركة الوصول لمدينة كركوك وفرضت أسوارا أمنية على المدينة.
