التجربة التي مرت بها الجماعة الإسلامية من مواجهات مع الأمن في صراع مسلح دام لسنوات عدة انتهي إلى الإعلان عن مبادرة وقف العنف في مصر وخارجها من قبل الجماعة الإسلامية دون قيد أو شرط، كلل ذلك الفكر الجديد في كتب مبادرة وقف العنف للجماعة الإسلامية والتي كان لناجح إبراهيم، أحد قادة الجماعة الإسلامية السابقين دور كبير في خروج هذه الكتب بما فيها من فكر جديد للنور.
ساهم إبراهيم بعد ذلك في التأصيل للمنهج السلمي ونبذ العنف ومحاربة الفكر التكفيري المتشدد بالحجة والمنطق، مهد له بعد ذلك عقد جلسات علمية نقاشية مع عدد من هذه الجماعات السيناوية أثناء وجودها في سجن دمنهور والرد على فكرها المتشدد مما أسهم في رجوع عدد منهم عن هذا الفكر.
واليوم بعد تمادي هذا الفكر في سيناء وتجاوزه الخطوط الحمراء بالقيام بعمليات مسلحة تستهدف الجيش المصري، “الغد” تحاور القيادي السابق في الجماعات الإسلامية الدكتور ناجح إبراهيم لنتعرف منه على أسباب نشوء مثل هذا الفكر وعودته مرة أخري إلى العمل.
دكتور ناجح عاد فكر التكفيري مرة أخرى ليلقي بظلاله على مصر.. فهل أصبحت مصر تربة خصبة الآن لنموه؟
لعودة هذا الفكر التكفيري أسباب كثيرة من أهمها غياب الأمن عقب ثورة 25 يناير، فقد انعدم الأمن في مصرعامة وفي سيناء بصفة خاصة، وسيناء بعد الثورة انفصلت تماماً عن مصر، وهذا كان متوقعاً وكل من له رؤية ودارية بالأمر يعلم أن هذه الحوادث كانت متوقعة، ومع وجود السلاح والمال والبيئة كل هذه العوامل تمهد لنشوء الفكر وانتشاره.
وعقب الثورة بدأ فكر التكفير ينتشر في الصعيد وفي الإسكندرية والمحلة وسيناء وتبلور الفكر وأصبح له قادة وقواعد وتصدرعنه بيانات ومع غياب الرشد في الدعوة والتكفير السياسي والتخوين والاستقطاب، كما أن انشغال التيارات الإسلامية بالعمل السياسي على حساب الدعوة وتنمية الفكر الصحيح، أدي إلى اعتناق مثل هذه الأفكار وظهورها بقوة وكل هذا ساعد علي نشر الفكر .
هل تعتقد أن ظهور هذه الجماعات المتشددة والتكفيرية كان مفاجئا أم تم التمهيد له؟
لم يكن مفاجئا، لقد وجدت مجموعات كثيرة منهم في ميدان التحرير، وفي كثير من الأحداث، وقد قلت في وقت سابق أن مصر سوف تمر بموجة عنف.
وما هي الخطورة من انتشار هذا الفكر سواء في مصر أو في العالم ؟
لابد أولا أن نؤكد على أن الفكر الخاطئ يؤدي إلى عمل خاطئ والفكر الصحيح يؤدي إلى عمل صحيح، ولابد هنا أن أشير إلى أن عددا من القواعد المتعلقة بفكر التكفير، وهي أن التكفير يؤدي إلي التفجير وأيضا التكفير يؤدي إلى الاستحلال، حيث أن التكفير هو قتل معنوي للإنسان المسلم بتكفيره وإخراجه من دينه وقذفه بأفظع تهمة من الممكن أن يرمى بها الإنسان، وهي الكفر والتي تقتله معنوياً و بها يسهل قتله مادياً أيضا، ونظرية هلك الناس بمعني أن الناس جميعاً لديه سيئون، كما قال الرسول ” من قال هلك الناس فهو أهلكهم ” أي هو أسوأهم، و في رواية بالفتح أهلكهم أي بمعني كان سببا في هلاكهم بتكبره عليهم وعدم دعوته لهم ، ولفظ أن الناس سيئة تسوق إلي التكفير .
هل الفكر التكفيري يؤمن بالأخر؟
التكفير ضد التعددية رغم أن الإسلام أقر بالتعددية في كل شيء، التعددية الدينية والفكرية والمذهبية.. والخلاف في الإسلام بين الفقهاء كان في مسار الراجح والمرجوح، أما في الفكر التكفيري فهو بين الكفر والإيمان، فبين لحظة يكون الإنسان لديهم مؤمن وأخرى يكون فيها كافراً، ونحن كمسلمين، الله تعالي لم يتعبَدنا بتكفير أو تفسيق أحد، وإنما تعبدنا بدعوة الخلائق وهدايتهم .
كيف بدأ الفكر التكفيري ينمو في سيناء؟
جماعة التكفير في سيناء نشأت على يد طبيب أسنان يدعى خالد مساعد، من مدينة الشيخ زويد، اعتنق الفكر وبدأ في نشره مستغلاً طبيعة المنطقة، وبدأ أولى عملياته باستحلال الأموال، وقام بالسطو على منطقة تحصيل جمركي تسمي” الميزان” وقتل أمين الشرطة، وسرق حصيلة اليوم من الأموال، بعدها حدثت حالة من التذمر بينه وبين بعض مساعديه لرفضهم أسلوبه، فوعدهم بترك هذا الأسلوب، وأوهمهم بالموافقة، ثم أخذ مجموعة أخري مرتبطة به وقام بتنفيذ عدد من العمليات المسلحة بدأها بتفجيرات طابا ودهب ثم شرم الشيخ وكانت هذه العمليات في أصلها المقصود بها إسرائيليون، إلا أن الذي قتل في هذه العمليات 80 شخصا، كانوا شباب مصريين مسلمين قدموا من محافظتهم للعمل في هذه الأماكن سواء في الفنادق أو النظافة، ثم حدثت بعد ذلك مواجهات بين الأمن وبين هذه الجماعات قتل على إثرها مساعد وتم القبض علي 700 شخص من سيناء وقتها، معظمهم رجع عن الفكر وتم الإفراج عنه.
البعض يري أن إسرائيل تقف خلف مثل هذه الجماعات فما تعليقك علي ذلك؟
أري أن هذا الكلام غير علمي، وليس له أسانيد فهو كلام مرسل، ولو كانت اسرائيل تقف خلفها لم يكونوا ليقذفوها بصواريخ بين الفترة والأخرى، هذه الجماعات معروفة وفكرها معروف أيضاً.
كيف ترى التعامل الأمثل مع هذه الجماعات من قبل الدولة؟
الفكر يواجه بالفكر والسلاح يواجه بالسلاح والقانون، ومن قاتل يقاتل، ومن لم يفعل شيئا يناقش لرده إلى الفكر القويم، وأتوقع أنه سوف يقضى عليهم وعلى فكرهم سريعاً، خاصة أن فكرهم دخيل على الإسلام، وأنا اعتبر أن أسوأ لوثة أصابت الفكر الإسلامي في تاريخه هو الفكر التكفيري.
