كشفت الأوساط الاقتصادية في واشنطن، عن قلق الإدارة الإمريكية، من إمكانية إحياء «اتفاق الشراكة عبر الهادئ»، والذي كان يعد مشروع اتفاقية تجارية حرة، تهدف إلى تعميق الروابط الاقتصادية بين 11 دولة وهي: أستراليا، وبروني دار السلام، وكندا، وتشيلي، وماليزيا، والمكسيك، ونيوزيلاندا، وبيرو، وسنغافورة، وفييتنام، والولايات المتحدة الأمريكية التي أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انسحاب بلاده من اتفاقية “الشراكة عبر المحيط الهادئ”، ما شكّل تهديداً على مصير الاتفاقية.
بينما توصّلت الدول الأعضاء في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (تي. بي. بي) إلى اتفاق جديد يستثني الولايات المتحدة، ويهدف إلى استمرار التبادل التجاري الحر، بحسب مسؤولين فيتناميين.وتم التوصّل إلى الاتفاقية الجديدة بعد أيام من المفاوضات المنعقدة على هامش القمة الـ 25 لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (آيبك)، في مدينة دانانغ الفيتنامية، الشهر الماضي، بمشاركة 21 دولة.
الاتفاق الجديد ينصّ أيضاً على تغيير اسم اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (تي. بي. بي) إلى الشراكة الشاملة والتقدّمية عبر المحيط الهادئ، وإحياء الشراكة التجارية من أجل المضيّ قدماً في الاتفاقية دون أي تدخّل أمريكي
وفي وقت تمضي واشنطن في مفاوضاتها مع شركائها السابقين في «الشراكة عبر الهادئ»، بهدف التوصل إلى اتفاقات تجارة حرة ثنائية مع كل منها، يهدد الاتفاق بصيغته المتجددة موقف الأمريكيين، ويعطي دفعاً لمَن تفاوضهم، وهو السبب الذي يثير بعض القلق في صفوف الاقتصاديين العاملين في إدارة ترامب.
وعلى رغم أن «الشراكة عبر الهادئ» في صيغة متجددة ستشكل واحدة من أكبر المناطق الاقتصادية في العالم، إلا أنها ستكون أصغر بكثير من سابقتها التي كانت أمريكا واحدة من أعضائها، وقد يشكل مجموع اقتصادات دولها أقل 20 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي، وهي نسبة جيدة.
ومن شأن إعادة إقرار اتفاق «الشراكة عبر الهادئ» بصيغة متجددة، أن يحرج إدارة الرئيس ترامب سياسياً، لطالما كرر الرئيس الأمريكي أمام مناصريه أن هدف الاتفاق كان سعي الأعضاء إلى «انتزاع وظائف الأمريكيين»، ما يعني أن المصادقة على الاتفاق من دون أمريكا، قد يظهر أن الهدف من صيغته الأصلية كان في مصلحة كل الدول الأعضاء، وأن الأعضاء المتبقين يبحثون فعلياً عن مصلحة اقتصاداتهم بتبنيهم التجارة الحرة البينية، وهو المبدأ الذي تمسك به حزب ترامب الجمهوري حتى وصول ترامب إلى السلطة مطلع هذه السنة.
ويرى اقتصاديون أمريكيون، أنه في حال تابع ترامب الانسحاب من اتفاقات التجارة الحرة التي ترتبط بها الولايات المتحدة مع دول العالم، قد تنشأ تكتلات كثيرة من دون أمريكا، ما يتركها وحيدة ويحول اقتصادها على ضخامته، إلى اقتصاد معزول مع صناعة وصادرات غير قادرة على التنافس في السوق العالمية، ما يهدد بدوره الاقتصاد الأمريكي بالضمور، ويضعف موقف واشنطن في أي مفاوضات مستقبلية للانخراط في اتفاقات اقتصادية متعددة الجانب.
بينما تدعم اليابان «الشراكة عبر الهادئ» في صيغتة المتجددة، لأن اقتصادها الذي يعادل 6 في المئة من الاقتصاد العالمي، يحتاج إلى الانخراط في اتفاقات مع تكتلات اقتصادية دولية، تعطي طوكيو هامش مناورة أوسع في أي مفاوضات ثنائية..وفي غياب الولايات المتحدة عـــن الزعامة الدولية بما في ذلك في شرق آسيا، ربما تنجح اليابان في إقناع منافستها كوريا الجنوبية، ويربطها بأمريكا اتفاق تجارة حرة ثنائي، ولم تنخرط في «الشراكة عبر الهادئ»، في الانضمام إلى الاتفاق بشكله المتجدد بغياب الأمريكيين.
ومثل اليابان، ترى كل من كندا والمكسيك وجود حاجة إلى المصادقة على صيغة جديدة من «الشراكة عبر الهادئ»، حتى بعد الانسحاب الأمريكي، لأن شراكة من هذا النوع تحسّن موقف الكنديين والمكسيكيين في المفاوضات المتوقعة لتعديل اتفاق التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية، والمعروف بـ «نافتا».