قبل ساعات من عقد قمة «بريكس» الـ 15 في مدينة جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا (22 ـ 24 أغسطس / آب الجاري)، تنشغل الدوائر السياسية في الغرب، بالبحث عن هوية «مجموعة «بريكس»: هل هي تكتل اقتصادي على غرار السوق الأوروبية الموحدة في بداية التأسيس مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، كمشروع اقتصادي سياسي؟ أم مجرد تكتل اقتصادي تحت مظلة «تحالف عسكري ـ سياسي» كمشروع يهدف لوضع نهاية لنظام القطب الواحد والهيمنة الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية؟
ويرى مندوب جنوب إفريقيا في المجموعة، أنيل سوكلال، أن «بريكس» ليست مجرد قوة سياسية عبر محاولتها تغيير خطوط الصدع في مجال السياسة العالمية، بل تغير أيضا ما يحدث في الفضاء الاقتصادي على مستوى العالم.
«نحن هنا»
بينما يرى خبراء استراتيجيون في بكين، أن مجموعة «بريكس»، تبدو مجرد صيحة باتجاه الغرب «نحن هنا»، غرضها لفت انتباه القوى الغربية بأن العالم لم يعد حكرًا عليها، وأن هناك حاجة لشكل من أشكال «المشاركة» بشروط مواتية،
وهي رؤية تتوافق مع نظرية جيم أونيل، الرئيس السابق لشركة غولدمان ساكس لإدارة الأصول، ووزير الخزانة البريطانية الأسبق ، وهي النظرية التي صاغها في ورقته البحثية عام 2001 في أن: «العالم بات أكبر وأوسع من الغرب وحلفائه، وضرورة احتواء القوى الصاعدة الجديدة في تجمع خاص بها، لضمان ارتباطها بالنظم المالية والاقتصادية الغربية، وهو ما سيضمن عدم قدرتها لاحقًا (حتى لو أرادت) على الانفصال، وبالتالي احتواءها لضمان التفوق الغربي مع فتح مجال المشاركة لمنح هذه القوى دورا في النظام العالمي الجديد».
رؤية غربية عن تحالف «الساخطين» و«الطامحين»
كان العديد من المفكرين والباحثين الغربيين، قد استشعروا مبكرًا خطر حصر العضوية في «النادي» العالمي الجديد على الغرب الجماعي، والحاجة لاستيعاب القوى الجديدة الصاعدة، محذرين من أن تجاهلها قد يؤدي لـ«تحالف» بين «الساخطين» من القوى العظمى القديمة التي تراجعت، بجانب «الطامحين» من القوى الجديدة الصاعدة، لتشكيل كتلة اقتصادية ذات معايير خاصة تؤهلها لاحقًا لتقديم نموذج اقتصادي بديل عن الغرب
وفي إشارة لتحالف روسيا والصين مع الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا..وهو ما تشكل في صورة تأسيس «مجموعة بريكس».
تحالف عسكري أم تجاري؟
وذكر تقرير «المجلس الروسي للشؤون الدولية»، أن المهمة الرئيسية لمجموعة بريكس، لا تتمثل في احتكار السوق العالمية، بل في «تعزيز الترابط»، أي بناء العلاقات المتبادلة في جميع القطاعات من الاقتصاد إلى الاتصالات الإنسانية، وبمعنى أن الهدف من اتحاد هذه الدول ليس مواجهة قوة أخرى، بل تحقيق منفعة متبادلة وطويلة الأمد..
تحرك أمريكي مرتقب
محللون أميركيون يشيرون إلى أن الولايات المتحدة والغرب واجهوا محاولات سابقة لتغيير خريطة النفوذ ومعادلات التوازن في العالم ..وقال الباحث «جيم . د .فريزنت»، لقد سبق وتم تشكيل كتلة «عدم الانحياز» بمبادرة قادة دول نامية (ناصر ونهرو وتيتو) لتشكيل قوة ثالثة ومؤثرة في العالم ، ولكن دأبت واشنطن على تهميش دور تلك الحركة وهو ما سوف يحدث مستقبلا تجاه تكتل «بريكس».
- وتؤكد مراكز الدراسات في واشنطن، أن مجموعة (بريكس) رغم أهميتها الحالية على المستوى الدولي، ليست حتى الآن على قلب رجل واحد، فالخلافات بين دولها عديدة وتحديدا بين أكبر دولتين فيها وهما الصين والهند، فالصين قلقة من متانة العلاقات بين الهند والولايات المتحدة، والهند ليست سعيدة بالشراكة بين الصين وباكستان في طريق الحرير. كما أن نفوذ الصين في هذه المجموعة لا يمكن إغفاله، فهي تشكل 70 في المائة من الناتج القومي للمجموعة، وأقرب دولة لها هي الهند بـ13 في المائة فقط! ومع أن انضمام دول جديدة إلى المجموعة قد يزيد المجموعة قوة، فإنه قد يضعف موقف الدول الحالية ضمن المجموعة، حتى مع وجود شرط الإجماع لانضمام أي دولة للمجموعة! هذه الخلافات قد تكون حاسمة في مستقبل المجموعة، لا سيما إذا ما استغلتها القوى الغربية في التفريق بينها.