بسام درويش يكتب: الردح السياسي.. تغييب للعقل ومصادرة للحوار
محاولة تفجير موكب رئيس الوزراء الفلسطيني اسقطت ورقة التوت عن عملية المصالحة. وكشفت أن هذه العملية لم تتحول بعد الى الخيار الذي لا عودة عنه كما كان يصرح بذلك الأطراف المعنية. فمع الدقائق الأولى لمحاولة التفجير توالت التصريحات التوتيرية التي جرى فيها تبادل الاتهامات وتبادل تحميل المسؤوليات عن المحاولة وكان كل طرف لديه الأدلة الدامغة التي لا تقبل الشك عن تورط الطرف الاخر في عملية التفجير.
لقد ساهمت ردود الفعل التوتيرية والتي اتسمت باللاعقلانية والمنفلتة من عقالها في خلط الأوراق وارباك المشهد السياسي فزادت من عمق الازمة حتى أنها غطت بقصد او من دونه على هدف التفجير الرئيس الا وهو المصالحة الفلسطينية إذ أجمعت كل ردود الفعل على أن تفجير المصالحة هو الهدف الأساسي للعملية ولكن جاءت لغة الاتهام المتبادل وتنويعة الردح الإعلامي فقضت على ما يمكن إنقاذه من عملية المصالحة وأعادت الأمور الى نقطة الصفر.
إن تفحص اللغة التي سادت الخطاب الإعلامي لكل من فتح وحماس تعقيبا على محاولة التفجير تبين غياب منطق الحوار فيها فكانت لغة اشبه ما تكون بلغة تغييب العقل. لغة غلب عليها منطق التخوين والتكفير حتى انه يمكن القول دون أن نخشى الوقوع في المبالغة ان تلك اللغة كانت لغة اغتيال سياسي غاب عنها منطق حق التباين والاختلاف تحت سقف استيعاب المخاطر المحدقة المتربصة بالمشروع الوطني والمستهدفة كل المكونات السياسية للشعب الفلسطيني وفي المقدمة منها حركتي فتح وحماس على اعتبار انهما أكبر تنظيمين فلسطينيين.
الأجواء الملبدة التي سادت عقب عملية التفجير شجعت إسرائيل للاصطياد في الماء العكر فتحركت ماكينتها الإعلامية لتطلق سيلا من الروايات المتضاربة والمتناقضة أحيانا عن العملية وتداعياتها وللأسف كانت تلك الروايات تجد من يصدقها بين الفلسطينيين. وعلى سبيل المثال ولا الحصر أوردت القناة الإسرائيلية الثانية أن الوزير حسين الشيخ أبلغ وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون بوقف السلطة لرواتب الموظفين في قطاع عزة اعتبارا من 1 ابريل. ورغم نفي الشيخ للخبر جملة وتفصيلا الا أن الخبر وجد من يصدقه ويعيد نشره فلسطينا. وفي مقابل ذلك نشر موقع” تيك ديبا ” المقرب من مخابرات الاحتلال رواية حول أنس أبو خوصة المتهم الرئيس في عملية التفجير تتعارض كليا مع الرواية التي قدمتها حركة حماس عنه حيث ذكر الموقع أن المدعو انس أبو خوصة وشريكه عبد الهادي الاشهب يعملان في الشاليه الخاص بفتحي حماد القيادي المتشدد في جناح الصقور الحمساوي وهم من حراساته .. وكذلك وجدت هذه الرواية من يتبناها فلسطينيا ويعمل تعميمها وكأنها حقيقة مطلقة غير قابلة للطعن. وهكذا يتضح أن التصريحات التوتيرية المتبادلة بين طرفي الانقسام جعلت من الفلسطينيين وجبة دسمة للإشاعات الإسرائيلية.
لقد عكست لغة الخطاب الإعلامي للحركتين انعدام الثقة بنيهما كما كشفت أن سنوات الانقسام العجاف لم تنضج الحركتان لاستخلاص العبر وعدم الوقوع مجددا في مطبات وشراك معقدة قد تحرف بوصلتيهما. إن استعادة الثقة بين الطرفين ضرورة ملحة ليس فقط لتجاوز التداعيات السلبية لمحاولة التفجير ولكن للشروع في مغادرة مربع الانقسام وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
كما يتوجب الإقرار بحق الاختلاف وتباين المواقف على قاعدة ان هذا الاختلاف يمثل تنوعا في القراءة الفلسطينية لمعطيات الواقع وكيفية التعاطي معها هو مكسبا وطنيا وديمقراطيا إذا ظل ضمن إطار التحالف والشراكة لمواجهة التناقض الرئيس. التناقض مع الاحتلال وتجلياته على الأرض. أما إذا تمت مصادرة هذا الحق بشكل او باخر سينزاح عن كونه مكسبا وطنيا ليتحول الى شحنة ديناميكية للاحتراب الداخلي. إن الخطاب الإعلامي للحركتين لا يقبل الاختلاف ولا يرحب الا بصدى صوته.
إن استمرار تغييب العقل وتواصل مسلسل الردح المتصاعد والمتجاوز لكل الحدود لن يفضي الى الكشف الجهة التي تقف وراء التفجير وستفوت فرصة التحقيق النزيه والمهني للكشف على الجناة هذا من جهة اما من جهة أخرى فهو سيسهل على الاخرين تخليهم عن فلسطين والانضمام الى مشاريع تصفية قضيتها بذريعة سوء أداء أبنائها. فهل نعيد لخطابنا العقل قبل فوات الأوان.