بعد رحلة من المعاناة مع المرض امتدت إلى 13 عاما، رحل الشاب ناصر البحيصي (22 سنة) إلى مثواه الأخير، بعد يوم واحد فقط من حصوله على شهادته الجامعية “البكالوريوس” من جامعة الأزهر في غزة، حيث كان ينتظر بفارغ الصبر حلم حياته الذي يرافقه منذ عام 2006.
بدأت رحلة الشاب ناصر البحيصي منذ أن كان يبلغ من العمر 8 أعوام، إذ أصيب بحادث سير أجبره على العيش طريح الفراش داخل قسم العناية الفائقة في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط القطاع، وظل يعاني طوال هذه المدة من شلل رباعي وعدم المقدرة على التنفس بصورة طبيعية، حتى أصبح عاجزا عن فعل أي شيء سوى الإصرار على استكمال حياته والمضي بها رغم الآلام.
إرادة فولاذية
تمتع البحيصي منذ أن أصيب بالحادث بإرادة وعزيمة لا تعرف المستحيل، ورغم كل المعوقات ظل الأمل يراوده بشأن مستقبل أفضل، مؤمنا بأن الجلوس على سرير المرض داخل المستشفى لمدة 13 عاما لن يمنعه من الوصول إلى هدفه وتحقيق حلمه في إنهاء دراسته الإعدادية والثانوية والجامعية.
يتحدث سمير البحيصي والد ناصر وعلامات الحزن لا تفارقه عن فلذة كبده الذي ظل يترعرع أمامه وهو طريح الفراش على سرير المرض، وقال إن ابنه كان صلب الإرادة قوي العزيمة رغم ضعف جسده وعجزه عن الحركة دون أن يتخلى عن الأمل”.
وأضاف، أن مسيرة نجله التعليمية كانت صعبة وشاقة (أشبه بمعجزة) بسبب حالته الصحية الاستثنائية، والتي أجبرته على عدم مغادرة قسم العناية المكثفة طوال 13 عاما”.
أكد الأب المكلوم أن نجله ناصر استطاع الحصول على شهادة الثانوية العامة بتقدير عام جيد جدا 86% ، وأصر بعدها على الالتحاق بكلية الشريعة بجامعة الأزهر بغزة، حيث حصل على شهادته الجامعية بعد 4 أعوام من الدراسة والتعب والجهد، وقد نال على تقدير جيد جداً وقد حضر رئيس الجامعة وعدد من أستاذته إلى قسم العناية الفائقة وسلموه الشهادة في أجواء احتفالية مؤثرة ومبكية.
واستطرد قائلاً ، “ناصر كان يحظى بشعبية كبيرة وكانت غرفته في المستشفى مزارًا للشخصيات الفلسطينية والدولية من مسؤولي وكالة الغوث الدولية والبعثات الدولية الأخرى والشخصيات والقيادات الفلسطينية، الأمر الذي ساهم بتعزيز ثقته بنفسه”.
الكلمات الأخيرة
وقال ناصر في آخر لحظات حياته وهو يتقلد شهادته الجامعية “الحمد لله.. ربنا أكرمني بحصولي على درجة البكالوريوس.. إن أولى الكلمات التي نزلت على قلب الرسول محمد صل الله عليه وسلم كانت اقرأ وهي تحثنا على التعليم ومواصلة التعليم للسمو في أخلاقنا ورفعة أوطاننا”.
وتابع “وقع لي حادث في عمر 8 سنوات أدت إلى إصابة في الفقرة الأولي والثانية من العمود الفقري، أصابتني بالشلل الكامل وكان لدى إصرار على إكمال تعليمي وتمكنت من إنهاء الثانوية العامة والتحقت بالجامعة في تخصص الشريعة كي أكسب الدنيا والآخرة.. وشعوري بالنجاح لا يوصف.
واستكمل الشاب الفلسطيني قائلا “سوف أبذل كل ما بوسعي حتى أحصل على درجة الماجستير والدكتوراة”.
لكن القدر لم يمهله كثيرا، فتوفي بعد يوم واحد من حصوله على شهادته الجامعية ، ليترك خبر وفاته حزنا كبيراً لدى أهله ومحبيه.
أيقونة الصبر
قال رئيس جامعة الأزهر الدكتور عبد الخالق الفرا، إن رحلة ناصر وقصته تمثل معجزة بكل المقاييس، فلم يتمكن المرض والشلل وعدم النطق من إحباطه أو النيل من عزيمته الفولاذية واستطاع أن يكون أنموذجا حقيقيا لكل الشباب.
وأكد الفرا أن ناصر سيظل أيقونة للصمود ونموذجا لكل الشباب الفلسطيني كونه استطاع تحدي كل الظروف الصعبة التي واجهته وظل على مدار 13 عاما ينهل من العلم والمعرفة دون كلل أو ملل ودون أن يتمكن اليأس من التسلل إليه.
وقد لاقى نبأ وفاة الشاب ناصر البحيصي أصداء في الشارع الفلسطيني، نظراً لقصته البطولية في مواجهة المرض والتغلب عليه، وقد تحدثت عنه معظم وسائل الإعلام الفلسطيني ورواد شبكات التواصل الاجتماعي، فيما شيع آلاف المواطنين من أبناء عائلته ومحبيه وأصدقائه وعدد كبير من ممثلي الجامعات والأسرة التربوية والتعليمية جثمانه إلى مثواه الأخيرة في مقبرة الشهداء وسط مدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
