حوّل تنظيم «داعش» بعض المعالم الأثرية الأكثر تميزا في تدمر السورية إلى حطام، تاركا خلفه بعد طرده من المدينة أعمدة وتماثيل صمدت مئات السنين، مجرد أكوام من الحجارة المبعثرة.
ولدى ما تبقى من مدخل معبد «بل» الشهير والأجمل في تدمر، «عروس البادية»، السورية، كتب الجهاديون بخط أسود عريض «الدولة الإسلامية، ممنوع دخول المدنيين والأخوة».
ومعبد بل من أبرز معالم المدينة، وقد استغرق بناؤه نحو قرن من الزمن. أما اليوم فقد تحول الموضع المخصص لإله المعبد، وهو الأكثر تميزا، إلى حطام وحجارة مبعثرة. ولم يبق منه سوى السور والمدخل والساحات الخارجية.
وتتكدس في المكان الحجارة الضخمة بلونها الفاتح الرملي الذي يتناسب مع هذه المنطقة شبه الصحراوية. أما الرواق فقد سقطت أعمدته الثمانية بطول 16 مترا على الأرض مثلها مثل السقف وزخرفاته.
ويقول مدير المتاحف والآثار في سوريا مأمون عبد الكريم لوكالة فرانس برس «بالطبع لن يعود معبد بل كما كان».
وينقل عن الخبراء أنه من الممكن ترميم ثلث الموضع المخصص لإله المعبد المدمر، وربما أكثر بانتظار أن تقوم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) بدراستها للوضع.
ويتطلب ذلك، بحسب عبد الكريم: «خمس سنوات من العمل».
وبين مواقع الآثار في تدمر، يرافق جنود روس، قاموا بدور أساسي في حسم المعركة لصالح الجيش السوري، بضعة صحفيين من بلادهم ليطلعونهم على ما تبقى في هذه المدينة حيث الأعمدة الرومانية والمعابد والمدافن الملكية التي تشهد على عظمة تاريخها.
ورغم أن المسرح الروماني الشهير بقي بمنأى عن الدمار، إلا أنه شهد إحدى أفظع جرائم تنظيم «داعش»، حين أعدم أطفال من «أشبال الخلافة» كما يطلق عليهم 25 جنديا سوريا رميا بالرصاص.
وليس بعيدا عن المسرح الروماني، تتكدس حجارة معبد بعل شمين، الذي دمره الجهاديون كما معبد بل في آب/اغسطس الماضي. ولم يبق من الموضع المخصص لإله المعبد سوى 4 أعمدة فقط.
وبعل شمين هو إله السماء لدى الفينيقيين. وقد بدأ تشييده العام 17 ميلادية، ثم جرى توسيعه في عهد الامبراطور الروماني آدريان العام 130 ميلادية.
أما قوس النصر الشهير، الذي يعود إلى 2000 عام ويقع في مدخل شارع الأعمدة في هذه المدينة التاريخية، فهو اليوم عبارة عن عمودين فقط.
ويوضح عبد الكريم أن «تشييد قوس النصر ليس معقدا، لأن أجزاءه لا تزال موجودة».
ودعا عبد الكريم «علماء الآثار والخبراء في العالم للمجيء والعمل معنا، لأن هذا المكان هو جزء من التراث العالمي الإنساني».
وفي متحف تدمر الذي حوله الجهاديون إلى قاعة محاكمات شرعية بعد نهبه، سقطت على الأرض تماثيل نصفية لنساء جميلات، ودمرت بشكل وحشي وجوه التماثيل كافة.

من جهته، يقول محافظ حمص طلال البرازي لفرانس برس «لمسنا آثار الجهل والحقد والظلامية من خلال تدمير المتحف الوطني»، مضيفا أن «ما تم تدميره سيكون شاهدا على الدواعش المجرمين».
وأضاف البرازي: «بحسب تقديرات الاختصاصيين هناك أضرار تصل إلى حدود 30% من آثار المدينة، إلا أننا مطمئنون لأن آثار المتحف الثمينة والكبيرة والمهمة جدا قد تم حفظها قبل دخول عصابات داعش إلى هذه المنطقة»، في إشارة إلى حوالى 400 قطعة أثرية نجحت إدارة الآثار في إخراجها من تدمر قبل دخول الجهاديين.
لم يبقِ جهاديو تنظيم «داعش» شيئا على حاله، حتى أنهم حولوا إحدى الكنائس إلى مركز للتجنيد، والمحكمة إلى سجن.
وفي الطابق السفلي لهذا السجن، كتب على أحد الأبواب «غرفة الاستجواب». وتوزعت الأسّرة في قاعة ضخمة كتب المساجين على جدرانها رسائل إلى أحبتهم، ورسم أحدهم قلبا كبيرا وكتب داخله «فرح».
ويقول أبو محمود، أحد السجناء السابقين ويقاتل اليوم إلى جانب الجيش السوري، «كنت موظفا في البلدية، وقد أمضيت 14 يوما في هذه الزنزانة». ويروي «حقق معي سعوديون وعراقيون وتونسيون وهم يضعون السيف على رقبتي».
ويضيف «حالفني الحظ وخرجت ولكن لدي أصدقاء من الموظفين تم إعدامهم، ورُميت جثثهم في الصحراء لتنهشها الكلاب».
وفي شوارع تدمر، حطمت الأرصفة نتيجة الألغام التي زرعها جهاديو التنظيم المتطرف، قبل خروجهم من المدينة. وبحسب أبو محمود «زرع تنظيم داعش 4500 لغم في غالبية أحياء المدينة».
يدوي صوت انفجار كل نصف ساعة في المدينة، ويقول البرازي «هذه وحدة الهندسة التابعة للجيش السوري، بانتظار وصول وحدة الألغام الروسية خلال الأيام المقبلة».