كشجرة زيتون فلسطينية متجذرة بالأرض كان الشهيد إبراهيم أبو ثريا، 29عاما، يواجهُ بصدره العاري جبروت الاحتلال وغطرسته على حدود غزة، متسلحاً بإرادةٍ قويةٍ وفولاذية وممسكاً بعلم فلسطين في يديه، كتعبيرٍ عن غضبة حيال قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن مدينة القدس التي عبر إبراهيم بطريقته عن حبه وتمسكه بها وبهويتها العربية؛ وليس أغلي من الدماء والتضحية بالروح من أجل القدس رغم قلة الحيلة التي كان بها.
الشهيد إبراهيم، كان يملك نصف جسد فقط، فقد بترت قدميه في عام 2008 جراء استهدافه بصاروخ إسرائيلي؛ لكن معنوياته كانت تطال عنان السماء، وحبه لأرضة وقدسه جعل كل المستحيلات ممكنة أمامه همته العالية، فكان يتوجه بشكل يومي إلى مناطق التماس والاشتباك مع قوات الاحتلال على الحدود الشرقية لغزة، لمشاركة الشباب في المواجهات وكأنه يوجه رسالة للجميع انه لا يحق لأحد التخاذل والتقاعس عن نصرة القدس والأقصى.
الكثير من مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت إبراهيم وهو يحرض الشباب على المواجهة والاشتباك، رغم خطورة المكان وتصيد جنود الاحتلال والقناصة لهم، فتجده في الصفوف الأولى تاركاً مقعدة المتحرك منطقة وزاوية من نقاط التماس يشارك ويتكأ بكلتا يديه للتقدم والاشتباك.
حرقوا قلوبنا
“حرقوا قلوينا الله يحرق قلوبهم”،
كلمات قليلة نطقت بها والدة الشهيد إبراهيم بحرقة وألم لخصت فيها تفاصيل الحزن والألم على فراقه ومدى الغصة التي تركت في قلوبهم ومشاعرهم لفقدانه، فهو؛ بالنسبة لهم بمثابة الأب والأخ الحنون والمعيل لعائلته التي تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة، فكان يوفر للعائلة قوت يومها من عملة المتواضع البسيط وكان يوفر( إيجار البيت) الذي تعيش فيه الأسرة.
تضيف أم الشهيد: إبراهيم كان دائم الحديث عن الشهادة، وأنه يريد أن يقدم حياته فداء للوطن وحريته ، واليوم نال الشهادة وقدم روحه لفلسطين والقدس، وتتساءل الأم المكلومة بحرقة ، أين العالم الحر والمتحضر؟ أين منظمات حقوق الإنسان؟ أين المجتمع الدولي؟ أين دعاة الحرية والديمقراطية من هذه الجريمة البشعة؟
رسالة للعالم
أكرم أبو ثريا، ابن عم الشهيد، يقول إن إبراهيم كان بشارك في كل المسيرات والفعاليات الوطنية من أجل فلسطين، وعندما سمع بقرار ترامب، أراد المشاركة وأن يرسل رسالة للعالم تفيد بأن القدس عاصمتنا وملك للشعب الفلسطيني، رغم قلة حيلته وضعف جسده جراء بتر قدميه، لكنه كان صاحب همة عالية وكان محبوبا من الجميع ويشارك الناس أفراحهم وأحزانهم .. كان يعيش حياة طبيعة كأي إنسان آخر يعمل بجد ونشاط لتوفير قوت عائلته.
يضيف: منذ اندلاع الانتفاضة، بعد قرار ترامب بخصوص القدس، قرر إبراهيم المشاركة بفعالية كبيرة في هذه التظاهرات وكان يذهب بمفرده إلى منطقة الحدود ليشارك الشباب في التظاهرات والاشتباك مع الاحتلال رغم إعاقتة .. وكان مميزا كان يتحرك حاملاً بيديه العلم الفلسطيني ويقف في الصفوف الأولى وكان يتسلق أعمدة الكهرباء ويضع العلم الفلسطيني عليها ، وعندما ذهب قرر وضع العلم الفلسطيني على الحدود أطلق قناص إسرائيلي الرصاص على رأسه فأدى إلى استشهاده على الفور.
نموذج فريد
يقول الصحفي مثنى النجار والذي قام بتصوير مقطع فيديو للشهيد إبراهيم وهو يشارك بالتظاهرات قبل يومين فقط من استشهاده ، انه كان أمام نموذج فلسطيني فريد في مواجهة الاحتلال والإصرار على المشاركة في المواجهات نصرة للقدس والمسجد الأقصى.
ويضيف النجار: لقد صدمت عندما علمت بنبأ استشهاده واستهدافه برصاص القناصة، وكيف يمكن لجيش منظم أن يستهدف بسلاح القناصة شابا من ذوى الاحتياجات الخاصة ولم يراع ظروفه الصحية الخاصة، إسرائيل وقادة الجيش يجب أن يقدموا لمحاكم دولية على هذه الجريمة البشعة والتي تظهر الوجه القبيح للاحتلال.
ويوضح مقطع الفيديو الذي نشر : إصرار إبراهيم المشاركة في المواجهات والتضحية بدمائه وبروحة من أجل القدس ، ورفضاً لقرار الرئيس الأمريكي ترامب، مؤكداً أن القدس عربية إسلامية وهى ملك للشعب الفلسطيني وليس لأحد آخر ، “هذه الأرض أرضنا، ومش رح نستسلم”،”لن نستسلم لقرار الرئيس الأمريكي وسنواصل الاحتجاج على الحدود”.
وصل صداه لكل العالم
إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، قال أثناء خلال تشييع جثمان الشهيد القعيد إبراهيم أبو ثريا: أن أبناء الشعب الفلسطيني يخرجون بكل ما يملكون وبكل قوتهم للدفاع عن القدس والأقصى ولا يرهبهم الاحتلال، وأشار إلى أن “شباب فلسطين يخرجون خفافاً وثقالاً لكي يدافعوا عن القدس والمسجد الأقصى”.
وأكد هنية أن الشهيد أبو ثريا وصل صداه إلى كل أرجاء العالم، وبات يشكل ضمير الأحرار في العالم، فالشهيد أبو ثريا حالة استثنائية وفريدة، ومعركتنا اليوم ليست ككل المعارك، فرغم أن الله رفع حرج الجهاد والمقاومة عن شهيدنا أبوثريا كونه قعيدا، ولكنة تقدم الصفوف ووصل إلى خط المواجهة ليكون حجة على الناس جميعا بأن شعبنا يرفض الخذلان والتنازل”، وتابع: “لا يوجد كائن على وجه الأرض يستيطع أن يغير حقيقة أن القدس لنا، ونحن واثقون بنصر الله لنا في هذه المعركة، لأن القدس هي مقبرة المؤامرات”.
جريمة بشعة
فيما صرح المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية الدكتور أشرف القدرة بأن تعمد قنص الشهيد إبراهيم أبوثريا رغم إدراك قوات الاحتلال الإسرائيلي أنه مبتور القدمين، و لا يشكل تهديدا مباشرا عليه، دليل جديد على عنصريته وشهيته للقتل الممنهج ونطالب الجهات الحقوقية والمنظمات التي تهتم بشئون ذوي الاحتياجات الخاصة وأحرار العالم برفع دعاوى قضائية في الجنايات الدولية ضد قادة الاحتلال وجنوده على جرائمه السافرة المنافية للقانون الدولي الانساني بحق شعبنا الأعزل.