على خلاف الاحتفالات بذكرى يوم عاشوراء في مختلف الدول العربية والإسلامية، التي عادة ما تتخللها مظاهر لطم للخدود وشق للجلود وإسالة الدماء من الأجساد، تشهد احتفالات عاشوراء في مصر أجواءً احتفالية مغايرة، حيث دأب المصريون على صناعة الطبق المعروف بـ«طبق عاشوراء» وتبادل إهدائه بين الجيران، ويتكون من الأرز واللبن المحلى بالعسل أو السكر، والمزين بالزبيب والمكسرات، بالإضافة إلى حرص قطاع كبير على صيام يومي التاسع والعاشر من المحرم.
وقد بدأت تلك العادة، منذ العصر الفاطمي، حيث ابتدع الفاطميون عادة الاحتفال برأس السنة الهجرية في مصر، مع حلول أول يوم من شهر محرم، من خلال إقامة السرادقات وتنصيب الخيام وتجميع الناس للاحتفال.
وفي تلك الاحتفالات كان المصريون يقدمون لبعضهم البعض أطعمة تتكون من اللحوم والأرز والسكر والعسل، كما انتشرت في أول 10 أيام من شهر محرم عادة شراء «الميعة المباركة»، و«الميعة» ليست إلاّ نوعًا من البخور استخدمه المصريون آنذاك، للوقاية من «شر العين الحاسدة»، وكان الباعة ينتشرون في الشوارع، حاملين «الميعة» فيشتريها العامة لرشها فوق الفحم المشتعل، مرددين «رقيتك من عين البنت الغارزة أكثر من المسمار، ورقيتك من عين الست الحادة أكثر من السكين، ورقيتك من عين الولد المؤلمة أكثر من السوط ومن عين الرجل القاطعة أكثر من سكين الفرح»، بحسب اعتقاد الناس في تلك الآونة.
وبينما تطوف مجموعات من النساء حاملات أطفالهن يرددن «زكاة الـ10 ياسيدي»، يتبارى الموسرون في بذل صدقاتهم، بقدر ما تسمح به إمكانياتهم المادية، ويحددون بمنتهى الحرية قيمة صدقاتهم وأصحاب النصيب الذين سينالونها.
ويتمتع يوم «عاشوراء» بمكانة خاصة لدى قطاع عريض من المصريين، إذ يعتقدون أنه يوم اللقاء الأول بين آدم وحواء بعد طردهما من الجنة، وهو اليوم الذي خرج فيه نوح من فلكه، بالإضافة إلى اعتقادهم أنه «يوم الأحداث الكبيرة»، فضلًا عن صوم قدامى العرب في ذلك اليوم قبل مبعث الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، علاوة على أنه اليوم الذي قتل فيه الإمام الحسين حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وفي مسجد الحسين المعروف بمنطقة الأزهر في وسط القاهرة، تقام احتفالات خاصة بهذه المناسبة حيث كان يحتشد الناس على طول الطرق المؤدية إلى المسجد، ويكتظ المسجد بالزائرين، ويبدأ «الدراويش» حلقة الذكر، مرددين: «الله.. الله».
أحد الدراويش يتوسط حلقة الذكر، ويدور حول نفسه، محركًا قدميه، وممددًا ذراعيه، ثم يزيد من اهتزازه وحركته، ويستمر في الدوران نحو 10 دقائق، ثم يجلسون جميعهم للراحة، وبعدها ينهضون ثانية، ويعيدون الكرة مجددًا، على خلاف ما تشهده تلك الاحتفالات في دول أخرى من لطم للخدود وإسالة الدماء من الأجساد.
