علي شندب يكتب: «رحلة سفر» سيد قذاف الدم ورحيله

علي شندب

سيد قذاف الدم، من الشخصيات الليبية التي راكمت بصمتها بدءا بالأدوار التي لعبها والده محمد قذاف الدم قائد القوة المتحركة في إقليم فزان حتى أواخر فترة الاستعمار الإيطالي الذي أجلي عن ليبيا في 11 يونيو 1970 بعد سيطرة ثورة الفاتح على السلطة بقيادة العقيد معمر القذافي، الذي شاءت مقاديره أن يتلقى تعليمه في مدرسة سبها بعناية محمد قذاف الدم وفي بيته وبين أبنائه سيد وأحمد وعلي وأبو بكر الذين كانوا أشقاء الصبا، ومن ثم رفاق درب معمر القذافي طالبا ثم شد بهم عضده، فقد كانوا عصب القبيلة خصوصا بعد عودتها من تشاد ومصر إثر ملاحقة الطليان وقبلهم الأتراك لها ولقبائل أخرى، ليعيدوا تجميع صفوفهم في مدن: غريان، سبها وسرت.
ما نحن بصدده ليس تسليط الضوء على القذاذفة. إنما هذه المقدمة ضرورية لمحاولة كشف بعض جوانب شخصية سيد قذاف الدم الذي تبوأ طيلة عهد ثورة الفاتح عديد المناصب العسكرية والمواقع الدبلوماسية وتوجها بالمنصب الدستوري الأول “منسق عام القيادة الشعبية الاجتماعية” الذي يتقدم على أمين مؤتمر الشعب العام (رئيس البرلمان)، وأمين اللجنة الشعبية العامة (رئيس الحكومة). وهو المنصب الذي أحدث بعد ما تبوأه قذاف الدم نوعا من التوازن بين مختلف مناطق صنع القرار التي لم تزل مجهولة لعديد المتابعين، فضلا عن سوء التسويق لتجربة “سلطة الشعب” وهياكلها المختلفة.

 

سيَّد قذَّاف الدَّم بصحبة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي

 

ما سنحاوله بمناسبة رحيل قذاف الدم تسليط الضوء على جانب من تجربتنا مع الرجل أثناء عملي كمراسل لفضائية “الحياة إل بي سي” في ليبيا لغاية 2010.
ذات يوم من عام 2005، تلقينا دعوة لتغطية مؤتمر حول التنمية تنظمه القيادة الشعبية، بحضور اللجنة الشعبية العامة في “قاعة الشعب” بمدينة طرابلس التي دخلناها رفقة مندوبي الإعلام الخارجي، وكان يتصدر منصتها منسق القيادة الشعبية الاجتماعية اللواء سيد قذاف الدم وأمين اللجنة الشعبية الدكتور شكري غانم. وبعد انتهاء الكلمات الرئيسية، تقدمنا لاستصلاح المسؤولين، وعندما كان قذاف الدم يتحدث لأحد الإعلاميين، تقدمت من الدكتور غانم المعروف بغزارة علمه وإسهاباته التفصيلية، وما إن انتهيت من استصلاحه، حتى هجم على شخص خشن البنية واللهجة، والشرر يتطاير من عينه، وبلغة هستيرية غاضبة أمر بسجني فورا.
ولأن “قاعة الشعب” مقرا للمؤتمرات، وليست مركزا للسجناء، فقد سجنني في غرفة خفير حراسة مدخل القاعة، وهي غرفة بطول متر وعرض متر ونصف تقريبا، وكي لا يبدو في الأمر استهدافا لي، سجن معي صحفي سوداني، وصادر هاتفي والكاميرا، فاعترضت ونبهته أنه يتعاطى بأسلوب فظ مع مراسل قناة أجنبية. وبعدما علمت أن “سجاني” هو أحد الضباط الأحرار اللواء المهدي العربي، أخذتني الظنون والحسابات لأبعاد غير محمودة.
وقد ازدادت شكيمتي وثقتي بنفسي بعدما أدركت أن جريمة سجني تكمن بإعطائي الأولوية في الاستصراح للدكتور شكري غانم وليس لسيده قذاف الدم. فانتابتني مشاعر مختلطة من الحزن والألم على دولة يُكاد لها من عواصم كبرى وصغرى، لأكتشف أن بعض الكيد لها، إنما بسبب جهل وسوء فعل بعض مسؤوليها.
ثم حضر مدير الإعلام الخارجي جمعة بالخير بعدما أتيح لي مهاتفته عبر أحد مندوبيه، وسردت له وقائع ما حصل، وأخبره أن “الحياة إل بي سي” بصدد إصدار بيان يتحدث عن اختطافي في ليبيا. فاستمهلني ليعود بعد نحو نصف ساعة ويخرجني من سجني لمقابلة سيد قذاف الدم في ردهة درج الدور الأول من قاعة الشعب وليس في مكتبه، ما جعلني أشعر بالانتقاص من قيمتي كصحفي وإنسان.
ودون مقدمات، استفسرت من قذاف الدم عن جريمتي التي أمر بسجني لأجلها، ثم أردفت “أن الناس توسموا بمسؤوليتك في القيادة الشعبية الاجتماعية خيرا، ليس لأنك جنرال ومسؤول سياسي وأمني كبير، أو لأنك من سادة القذاذفة… بل لأنك مثقف، وشاعر، وأديب ونصير للكلمة ولأصحابها، وللحرية وأحرارها. وإذ بك سجان للكلمة دونما وجه حق”. وتابعت “اعلم حضرة الجنرال أني حزين، ليس على توقيفك لي، إنما على ليبيا التي لا يبشر مثل هذا السلوك الفظ والأرعن الذي مورس ضدي بأمركم، أو باسمكم، لا يليق بمسؤول خصوصا إذا كان يحسب نفسه على الأدب والثقافة والصحافة قبل السياسة”.
بهدوء ورباطة جأش كانت كلماتي تخترق عقل الرجل الذي كان مطرقا رأسه على عصاه ولا ينظر إلى وجهي إلا بعدما شعر أني أفرغت كل شحنة كبوتاتي، فرفع رأسه وفاجئني بصوت متهدج: “إني أعتذر منك، وأرجو أن تقبل اعتذاري”، ثم كررها ثلاثا. وأجبته مندهشا: “اعتذارك مقبول، ومدعاة فخري واعتزازي… ولقد انتصر المثقف سيد، على عباءة الجنرال التي ترتديه”.

 

سيَّد قذَّاف الدَّم
سيَّد قذَّاف الدَّم

 

وجاهة هذه الرواية التي لم أضمنها كتابي “القذافي يتكلم” أن الرجل زمن إصدار الكتاب كان سجينا في مصراتة التي اعتقلته إحدى كتائبها عام 2011، ثم أفرج عنه لأسباب صحية عام 2015، وأن مرؤوسه المهدي العربي كان بدوره سجينا، وبعد خروجهما من السجن تواصلنا وتواددنا.
اليوم، وبعد وفاة الفريق الشاعر سيد قذاف الدم ومواراته الثرى بمدينة القاهرة التي شيعته بحشود ليبية ومصرية وعربية وليس في ليبيا، وإلى “رفاق في رحلة سفر” الذين لم يبخلوا في تأبينه ونعيه خصوصا من أسرة العقيد معمر القذافي التي للمفارقة خون بعضها شقيقه، دون إدراكهم حقيقة أن اللواء سيد لم يفعلها مع شقيقه ورفيقه “أحمد قذاف الدم”، وفعلها مع (ابنه محمد) وتبرأ منه علنا بعدما أعلن “انشقاقه” عبر فضائيات 2011.
الرحمة لسيد قذاف الدم الذي بقي حتى لحظاته الأخيرة يذكر بالهوية العربية والإسلامية لليبيا، ويؤكد على الحل الليبي الليبي لمحنتها، والعزاء لأسرته وقبيلته ومحبيه.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]