استيقظ الفلسطينيون في قطاع غزة صباح اليوم، الثلاثاء، على وقع غارات هي الأعنف منذ الحرب المدمرة، التي شنت عليهم في صيف عام 2014.
وسمع دوي الانفجارات في أكثر من مكان، وسط مخاوف راودت المواطنين بأن المواجهة العسكرية، التي تتطلع إليها دولة الاحتلال قد بدأت، نظرا لكثافة القصف وأصوات الانفجارات التي تلتها.
التصعيد ومسيرة العودة
ويدفع جيش الاحتلال الإسرائيلي صوب مواجهة عسكرية مع غزة، تمكنه من الالتفاف على مسيرة العودة السلمية، وهو ما يفهم من الغارتين القاتلتين اللتين شنتا على مدار يومين في شمال وجنوب قطاع غزة، وأسفرت عن استشهاد 4 مقاومين فلسطينيين وإصابة آخرين.
وأوقعت مسيرة العودة الممتدة منذ الثلاثين من مارس/آذار الماضي الاحتلال الإسرائيلي في حالة غير مسبوقة من الاستنزاف على امتداد حدود قطاع غزة منذ بدء المسيرة، التي حملت منذ اليوم الأول طابعا سلميا، وهو أمر لم تعهده قوات الاحتلال ولم تقو على التعاطي معها.
المقاومة وحق الرد
وأكد مسؤول المكتب الإعلامي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، داوود شهاب، “إن دماء أبناء شعبنا ليست رخيصة، حتى يستبيحها الإرهابيون دونما رادع”.
وأضاف شهاب، في تدوينة على صفحته في فيسبوك، أنّ رد المقاومة بإطلاق القذائف منذ ساعات الصباح تجاه المستوطنات في غلاف غزة “مبارك”.
وقال الناطق باسم حركة حماس، عبد اللطيف القانوع، جاهلٌ من يظن أن احتفاظ المقاومة بالرد وصمتها مراعاة لمصلحة شعبنا، ينبع من الضعف في موقفها، فهي مقاومة حكيمة قادرة على إيلام العدو وتدفيعه ثمنا باهظا بسبب جرائمه.
وأضاف القانوع، ستفشل أهداف الاحتلال بتغيير قواعد الاشتباك وتثبيت أي معادلة جديدة على الأرض، ومسيرات العودة التي أرهقته وكشف غطرسته وإرهابه، ستظل ماضية بكل اقتدار حتى تحقيق أهدافها، ولن تقف عند أي تهديد أو تصعيد، كما يعتقد الاحتلال.
إسرائيل تهدد
وهدد رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بالرد بقوة شديدة على صواريخ غزة، قائلا “كل من يحاول الاعتداء علينا سيدفع الثمن باهضا”، وذلك في أعقاب جلسة مشاورات سريعة عقب إطلاق عشرات الصواريخ من قطاع غزة.
وقال عضو المجلس الوزاري، زئيف إلكين، من كتلة “الليكود”، إنه يعتقد أن يتخذ وزير الجيش قرار جديا ردا شديدا جدا، مؤكدا أنه “يجب الرد بشكل مؤلم، والحفاظ على معادلة الردع”.
ويجمع مراقبون، أن ما يحدث على حدود غزة محاولة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لجر غزة نحو مواجهة محدودة وتغيير قواعد اللعبة المعمول بها منذ الحرب الأخيرة، خصوصا في ظل مسيرات العودة التي اربكت المشهد أمام دولة الاحتلال بسلميتها.
قواعد الاشتباك
ويقول الكاتب والمحلل السياسي، وجيه أبو ظريفة، “إن التصعيد في غزة هو إعادة لصياغة قواعد الاشتباك التي وضعتها تفاهمات وقف إطلاق النار بعد العدوان الإسرائيلي على غزة 2014، التى أخلت بها إسرائيل على مدار السنوات الماضية، بتكرار استهداف لمواقع المقاومة العسكرية ومقدراتها اللوجيستية، ما أوقع خسائر بشرية ومادية كبيرة لم تعد المقاومة في غزة تستطيع تجاهلها، وبالتالي أصبحت مطالبة بالرد وجوبا لإعادة المعادلة إلى ما كانت علية وعدم قبول فرض الاحتلال لقواعد اشتباك تقوم على قصف غزة دون تلقي أي رد حماية لغزة من عدوان إسرائيلي كبير.
وتابع: جيد أن تفرض فصائل المقاومة رؤيتها لقواعد الاشتباك، لكن دون دحرجة الأمور إلى مواجهة شاملة ستكون كلفتها العامة عالية، وأيضا دون حرف البوصلة عن المقاومة الشعبية خاصة مسيرات العودة، التي تقلق الاحتلال أكثر من أي وقت مضى وحتى لا نخسر تعاطف عالمي كبير وحراك دولي متعاظم وتعيد إسرائيل تسويق نفسها كدولة تحارب التطرّف والعنف والإرهاب.
استدراج المقاومة
وقال الكاتب أكرم عطا الله، في حديث لـ”الغد”، إن الأمور تزداد سخونة على جبهة غزة، وإن حكومة الاحتلال تدفع الأمور باتجاه التصعيد، من خلال مسلسل غاراته الأخيرة التي شنتها على غزة، وأسفرت عن استشهاد 4 مواطنين يتبعون للمقاومة.
واعتبر عطا الله، الاستهداف محاولة متكررة لاستدراج المقاومة الفلسطينية نحو الرد، وهو ما حدث الليلة بالفعل من خلال القصف الذي تعرضت له مستوطنات غلاف غزة، لكن عطا الله استدرك بالقول، إن رد المقاومة جاء مدروسا وموضوعيا وحدوديا في محاولة لإيصال رسالة للمحتل أن المقاومة لن تبقى صامتة.
وأضاف عطا الله، أن إسرائيل غير معنية بحرب مفتوحة، فهي إن كانت قادرة على اتخاذ قرار الحرب فهي لا تقوى على إنهائها، مشددا في الوقت ذاته أن لا أحد بمقدوره توقع ما سيحدث وكيف ستكون عليه الأمور، وعلينا أن ننتظر ما ستخرج به اجتماعات قادة الاحتلال.
التصعيد والمقترحات
وأشار عطا الله إلى أنه لا يمكن فصل ما يحدث من تصعيد عن المبادرات والمقترحات التي توالت على غزة، مؤخرا وما زالت لاحتواء مسيرات العودة وتحسباً للانفجار، موضحا أنه ربما يأتي هذا التصعيد من قبل الاحتلال للضغط باتجاه تبني هذه المبادرات وإخراجها إلى النور، طمعا في استقرار مستوطناتها وتحقيق مخططات سياسية، فإسرائيل اللاهثة وراء الهدنة طويلة الأمد تتطلع لتكريس واقع سلخ قطاع غزة عن باقي مكونات الدولة الفلسطينية.
وأعرب عطا الله عن الخشية من أن تستدرج المقاومة لحرب جديدة يعاد في أعقابها تشكيل المشهد من جديد وبنفس المقترحات والمبادرات.
ويتفق الكاتب حسام الدجني مع سابقه، مؤكدا أن هناك علاقة بين التصعيد والمبادرات التي قدمت لغزة، فإسرائيل التي تنازلت عن شروط كبيرة لصالح قطاع غزة تسعى لإيقاع أكبر الخسائر بالفلسطينيين للتغطية على تنازلاتها أمام المجتمع الإسرائيلي.
رسائل سياسية
ويتابع الدجني، في حديث لـ”الغد”، أن هذا التصعيد المحدود، سواء من قبل الاحتلال أو المقاومة لا يتعدى كونه رسائل سياسية أكثر منها عسكرية، وأن الاحتلال يحاول جر المقاومة الفلسطينية لقواعد وعادلة جديدة، فيما تتطلع المقاومة لتغيير قواعد الاشتباك المعمول بها على الأرض منذ نهاية حرب 2014، مشددا على أن الطرفين، المقاومة والاحتلال، غير معنيين بأي مواجهة عسكرية.
وشدد الدجني، أن الساعات القادمة ستكون حاسمة، وأن التدخلات الدولية قد تنجح في احتواء الموقف، والتخفيف من حالة التوتر وفتح آفاق جديدة باتجاه انجاز اتفاق جديد، وأضاف أن التهدئة هو الخيار الأكثر ترجيحا في ظل تدخل مصري قد يكون بدا بالفعل.
ورأى الدجني، أن كل طرف يحاول فرض قواعده، سواء من قبل تل أبيب التي تتطلع للفت الأنظار عن مسيرات العودة، أو من قبل المقاومة التي لا يمكن أن تبقى صامتة في ظل استمرار العدوان.
وأوضح أن هذا التصعيد لن يؤثر على مسيرات العودة، ومن المفروض أن لا يؤثر عليها في ظل النجاحات التي حققتها، وهو ما أربك الاحتلال، وكشف عجزه في مواجهتها ما دفعه للبحث في سبل جديد ومن بينها التصعيد المحدود للخروج من امزق مسيرة العودة.