أصرت كوريا الشمالية طيلة أزمتها المريرة مع الولايات المتحدة الأمريكية على استكمال برنامجها النووي واستعراض عضلاتها أمام المجتمع الدولي وذلك من خلال إنتاج أسلحة نووية وقنابل هيدروجينية تستخدم كرؤوس صواريخ.
ورغم احتمال انعقاد القمة المنتظرة بين زعيم كوريا الشمالية، كيم جونج أون، والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في موعدها المحدد يوم 12 يونيو/حزيران المقبل، إلا أن كيم جونج أعلن مؤخرًا أن بلاده تمتلك قوة ردع نووية، ذلك أنه ليس من المرجح أن تنصاع بيونج يانج لواشنطن وأن تقبل بنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية.

مجلة “فورين أفريز” الأمريكية نشرت، أمس الإثنين، تقريرًا مطولًا يستعرض المفاهيم الخاطئة للملف الكوري الشمالية بجملته، والفرضية القائلة إن الحرب بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة حتمية، رغم مساعي كوريا الجنوبية في عقد القمة بين ترامب وكيم جونج أون، وإصرار واشنطن على مطالبة بيونج يانج بنزع السلاح النووي، وتعهدات إدارة ترامب بأن النظام الكوري الشمالي لن يمتلك أسلحة نووية أبدًا، وهو ما أدخل العلاقات بين الجانبين إلى مرحلة حرجة وشديدة الخطورة، قد تسفر عن مواجهة نووية.
وقالت المجلة إنه في مارس/آذار الماضي، أشار مسئولون من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة إلى أن هناك قمة عالمية ستنعقد بين الرئيس الأمريكي والزعيم الكوري الشمالية، ولكن على الرغم من أن الدبلوماسية تعتبر سلاحًا مجديًا لحل النزاعات والخلافات، إلا أن واشنطن لا تتوانى عن فرض عقوبات على بيونج يانج بل حتى التلويح باستخدام القوة العسكرية إذا اقتضى الأمر.
وأضافت المجلة الأمريكية أنه بغض النظر عن سياسة الولايات المتحدة في التعامل مع الملف الكوري الشمالي، إلا أن التحدي لا يزال قائمًا وسوف تتقرر نتيجة هذه المواجهة في كيفية تأثير كل بلد على الآخر. وذلك بدوره يعتمد علي مفاهيم خاطئة في عقول جميع صناع السياسة الأمريكية الذين يتعاملون مع خصوم خارجيين. ولكن عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين واشنطن وبيونج يانج، تتزايد خطورة تلك المشاكل، وينجم عن حسابات خاطئة نتائج كارثية.
إن أي استراتيجية تتخذها الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية تتضمن نبرة من التهديدات لإقناع الأخيرة بالانصياع لإرادة الأولى، لكن في حالة حدوث ذلك فإن هذا الأمر لا يعتمد فحسب على الوسائل التي تتخذها واشنطن بل يعتمد على تقييم الجانب الكوري الشمالي لها، وكيف يتلفى الزعماء الكوريين الشماليين لإشارات الجانب الأمريكي، ومدى تصديقهم لتهديدات واشنطن.
وترى “فورين أفريز” أنه إذا كانت هناك أي بارقة أمل في نجاح السياسية الأمريكية مع كوريا الشمالية، أو حتى أي فرصة لتجنب وقوع كارثة، فيجب أن يكون لدى الجانب الأمريكي حدس صحيح حول آلية اتخاذ القرارت داخل كوريا الشمالية، وكيف يثمن نظام كيم جونج خياراته.
فيجب على الولايات المتحدة أن لا تفهم أهداف كوريا الشمالية فقط، بل أيضًا كيف يفهم مسئولو كوريا الشمالية الأهداف الأمريكية، وما إذا كانوا يصدقون التصريحات الأمريكية.
واعتبرت المجلة الأمريكية أن القضية الأكثر إلحاحًا في الوقت الراهن، ليست أهداف الولايات المتحدة بقدر ما تستطيع التعايش معه، ففي الوقت الذي تقترب فيه بيونج يانج من حصولها على سلاح نووي، لا يمكن لها أن تقدم تنازلات في سبيل تسوية أزمتها بشكل نهائي مع واشنطن.
وأوضحت المجلة أن الجانبين الأمريكي والكوري الشمالي يواجهان عقبات شديدة على رأسها إقناع بعضهما بصدق نواياهما. وبسبب عدم وجود علاقات ديبلوماسية عادية بينهما، يبني الجانبان وجهات نظرهما على مجموعة من التفاعلات والبيانات. ونتيجة له، لا يثق أي منهما بالآخر.

ومع ذلك، هناك تساؤلات حول دور كوريا الجنوبية في إنقاذ القمة المرتقبة، والتي تعرضت لخطر الإلغاء نهائيًا بعد قرار الرئيس الأمريكي، الأسبوع الجاري بإلغائها وإرسال خطابًا لكيم جونج يلقي فيه عليه مسئولية فشلها بسبب التصريحات العدائية للجانب الكوري الشمالية، ووصفه لنائب ترامب، مايك بنس بالـ”دمية السياسية“.
وقالت مجلة فورين أفيرز الأمريكية إنه في ضوء التطورات الأخيرة بين الجانبين، مثل إطلاق كوريا الشمالية الرهائن الأمريكيين وإعلان ترامب عن قمته مع كيم، واجتماع رؤساء الصين واليابان وكوريا الجنوبية في طوكيو للتحدث عن نزع السلاح النووي والمصالحة الكورية شبه الجزيرة الكورية، يبدو أن الملف الكوري الشمالي سيشهد تسوية نهائية قريبا.
وأضافت المجلة أن الرئيس الكوري الجنوبي، مون جيه إن، ساهم بشكل كبير في دفع هذه التطورات إلى الأمام، فكان له دورًا هامًا في الضغط لإجراء محادثات بين ترامب وكيم، وأنه يبدو أن استثماراته الدبلوماسية بدأت تؤتي ثمارها مع اقتراب موعد انعقاد القمة، وذلك بعد أيام من الإعلان المفاجئ عن إلغائها.
وأشارت إلى أن رئيس كوريا الجنوبية لا يزال هو الثابت في المعادلة الدبلوماسية، حيث يتحدث بثقة عن المضي في انعقاد القمة، على الرغم من الاتهامات المتبادلة بين واشنطن وبيونج يانج بشأن “الوعود المنهارة” وسعي مون إلى إنقاذ القمة، ووصول مسئولين أميركيين إلى كوريا الشمالية قبل أيام للشروع في الاستعدادات للقمة