نقد فني| «تراب الماس».. وكأن يوم القيامة قد وقع

مع هبوط المساء يقبع خلف نظارة معظمة في الظلام، لحظات تفصل عودة السهارى وخروج الموظفين إلى مكاتبهم، لا يناسبه سطوع شمس، محجوزا في كرسيه أو يكاد، ومن أمامه شباك موارب، باب وحيد تركته له الطبيعة مفتوحا على عالم تكثر فيه الممنوعات، قوامه الجريمة والفساد ليخوض رحلة مع مجموعة من الفسدة المثيرين للاهتمام، بنظرات شاردة تكشف لنا فسادا أمام نظارته مثل مرض إيبولا انتشر، نراه بعيونه.

اسم الفاسدين على كل لسان وجميعنا شهود على ما يجري في فيلمنا هذا، نراقب ولكن دون أن ننطق به شفة واحدة. لكن حسين الزهار (والد البطل وتدور الأحداث حوله) ليس كمثلنا..

لا فساد يمر أبدا دون عقاب، صمم على عدم التزام الصمت، فـ«السكوت جريمة ولازم الناس اللي تحت تراقب الناس اللي فوق». فيتتبع آثار الفساد من حوله بالعدالة العمياء بنظرة نقدية وجودية باعتباره شيئا باطلا، ويُخرج إلى العلن ما يجري طمسه في السر، ضاعت حياته بحثا عن حق عادل، يحاسب المذنبين، وكأن يوم القيامة قد وقع، إنها المحاكمة الأخلاقية، رسالة الاعتدال في مقابل الموت، كملاك الموت، يقتل دون أن يخلف وراءه شاهدة قبر، فهو الضحية والجلاد، وعلى يقين بأنه بلا تضحية لا نصر، وهي أفضلية تجعل الحياة لا تطاق لكنها مفيدة في كشف الجرائم.

هنا تبدو مسائل القتل أبسط، والقانون للضعفاء، لقد التقط «الزهار» السلاح، فقط جرعة من تراب الماس، كل فاسد استحق أن يسف حفنة منه ليلقى حتفه. لكل شخصية اختزالات تطاول نماذج بشرية وفئات تشبهها من عمق الاجتماع المصري، فثمة رجل أمن فاسد وسطوة السلطة في الشرطي وليد سلطان (ماجد الكدواني)، والبرلماني محروس برجاس (عزت العلايلي) ترزي قوانين تسحق الغلابة، والسرفيس (محمد ممدوح) بلطجي مأجور يجاور رجال الأعمال الفسدة ليقضي لهم مصالحهم المشبوهة إذا طل ابتلع الجمهور ريقه، كما نرى بينهم شقراء مومس ساقطة تبيع الهوى في أحد الفنادق تعمل دوما على إظهار مدى الحزم في شخصيتها عبر العجرفة إنها امرأة الجميع (شيرين رضا).

تقع جريمة قتل «الزهار»؛ بعبارة أخرى يبدأ الفيلم، جريمة غامضة تولد أصابع اتهام موجهة إلى كثيرين، ليتبين أنها ليست سوى باب لسلسلة جرائم أخرى، ففي الأحداث الكبيرة ذيولا ليست في الحسبان ليلتقط ابنه طه (آسر ياسين) السلاح. طه صيدلي يعيش حياة رتيبة ويوميات متشابهة؛ بلوفر وكرافتة مع قميص يتغوط في سرواله نسقهم مع حقيبة جلدية ليبدوا مثل مراهق يرتدي ثياب بالغين، قبل أن تبدل عالمه الجريمة الغامضة؛ فلم يعد يسير بموازاة الحائط، تحفز على استعادة ما فات. ماض موجع، الانتصار عليه بطولة، يقتل ويسير ببرودة في جنائز ضحاياه كمعزي.

فيلم أظهر لمسات إنسانية لقاتل يرتكب أفعالا مروعة بالطبع لا يفكر فيها إلا اضطراريا حينما يخلو إلى عالمه الخاص، والفيلم يوفر فرصة لكي يلتقط السينمائيون قصصا يقولون إنهم لم يودوا قط أن يسردوها، حيث تضمنت موضوعات لا يجري التطرق إليها كثيراً مثل التطرف السياسي، والفساد، والمثلية الجنسية، حتى مروان حامد وهو مخرج الفيلم تعامل بأسلوبه الخاص مع هذه الرواية التي أبدعها أحمد مراد، حولها من نصّ مشبع بالخضات إلى فيلم ناجح ومفعم بالحيوية، بعيدا عن القوالب المكررة عند التعامل مع مثل هذه الأوضاع.

تضفي المعالجة التي يقدمها المخرج للرواية طابعاً حيوياً على القصة، وساهم ذلك في وصول العمل إلى مقصده بنجاح. تراب الماس فيلم آخر عن رواية تحمل نفس الاسم من مراد تثير حماس مروان حامد بعد رواية الفيل الأرزق وأسفرت عن تحقيق نجاحات في مجال الأفلام السينمائية.

تمثيليا، آسر ياسين وماجد الكدواني أديا مشاهد مقنعة وأخرى كوميدية تجعل الفيلم أصدق وتتخلله لحظات مضحكة تحول بشاعة شريط عن فاجعة إنسانية مشبع بالتفاصيل القاسية إلى لحظات سينمائية جميلة، لنضحك ونعرف أن ما يضحكنا هنا يغضبنا في شرائط أخرى.

آسر ياسين ومحمد ممدوح (بيبو وبشير)، منة شلبي وإياد نصار (حارة اليهود)، مروان حامد وأحمد مراد (الفيل الأزرق)، ثنائيات عائدة بعد تجارب موفقة، في عودة أخرى تجر ثمار التجربة السابقة.

عزت العلايلي كاريزماتي الحضور، شخصية أكثر من كونه ممثل، يمثل بانسياب من دون تكلف، ورغم أن دوره جاء محدوداً ولم يتسن له أن يتفوه بأكثر من بضع جمل حوارية إلا أن أداؤه متمكن بسيط وغير مفتعل في أول فيلم سينمائي له منذ عام 2001, لكنه يستحق دوراً أكبر، قدم في شخصية برجاس أعمق صورة عن التحول من الجبروت إلى الهشاشة، كاختزال لحقيقة أن الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك.

شيرين رضا لم تخذلها السيدة القوادة، أحمد كمال الأجمل في اختيار الدور وأدائه، بيومي فؤاد يمسك شخصية (اليهودي لييتو) من تفاصيلها وكان أعمق مما يستعجل في أدائه، فيجيد الدور، ولا بأس بإياد نصار مقدما، أتقن إخفاء الوجه الإعلامي الفاسد، ويبدو من المؤسف أن الباقين أقل حضورا مثل تارا عماد، محمد الشرنوبي، صابرين، وبسنت شوقي، في ظل وجود عدد كبير من الشخصيات المثيرة للاهتمام.

ثمة عناصر كثيرة في المشاهد الأولى للعمل تجعل المرء يقع في غرامها، على غرار الحركة المستمرة التي نراها سواء للكاميرا والتوتر الممسوك يستند إلى جدارة فنية في المشاهد الافتتاحية للعمل، يجول بالكاميرا ببراعة يبحث بلا توقف عن الصورة الاستثنائية ليتباهى بالشوارع الصاخبة لمدينة القاهرة، ومهندس الديكور محمد عطية صنع بالإضاءة وتفاصيل الحجرات فيلما يرغب الجمهور في متابعته بمتعة بصرية مسلية، وسحرا وجوا أدخل المشاهد فى هذا العالم الخاص، فيلم يقدم لغة بصرية مكثفة تجعل النسخة السينمائية من تراب الماس ممتعة على نحو دافق ومتجدد في تتابع مثير.

ثقل الفيلم في أن كاتبه متوغل في الخفايا، لكن الإفراط في «الصدفة» تجعل سرد ما يحدث في المنطقة عصي على التصديق من الناحية اللوجستية، والشعور بالعجب والاندهاش حيال الاستدلالات التي يخلص إليها البطل بمرور الأحداث، لكنها مجرد وسائل لإكساب الفيلم مزيداً من الإثارة، دون أن يكون لها أي صلة بالقصة، لكن يدور السؤال الأهم فيها حول «من فعلها؟»- أي الجريمة- وهي تحظى بالإعجاب والحب من الجماهير، نظرا لما تنطوي عليه من حبكات محكمة ومبتكرة وبارعة.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]