أحمد البديري يكتب: خط وارسو-موسكو.. الحافلة لا تتوقف في فلسطين

في غرفة صغيرة في بيروت الغربية جلس ثلاثة شبان فلسطينيين يلصقون صورا شخصية على جوازات سفر إيطالية مزورة. الغرفة معتمة كي لا تثير الشبهات والأخوة من منظمة أيلول الأسود التابعة لفتح التي نفذت العشرات من العمليات الخارجية في أوائل السبعينات. دخل عليهم ضابط الاتصال, أخذ الجوازات وانطلق لمحطة حافلات بيروت ليسلمها لشباب المنظمة الذين كانوا في طريقهم إلى دمشق ومنها لتفجير أو احتجاز أو اختطاف أو ما يلزم لوضع فلسطين على طاولة العالم.

المجتمع الدولي ومعه الدول العربية كانوا يعتبرون القضية الفلسطينية قضية لاجئين فقراء بحاجة للطعام والدواء وقليل من التعليم. إلا ان أولئك الشبان الذين زرعوا الرعب في العالم ومعهم رفاق الجبهة الشعبية وخاصة مجموعة وديع حداد هم كلهم أوصلوا ياسر عرفات مرتديا زيه العسكري ومعه مسدسه إلى الأمم المتحدة خلال سنوات قليلة.

وارسو موسكو وبالعكس

العالم تغير وبات الحديث عن مثل هذه العمليات التي تسمى العمل الثوري أو الإرهاب العالمي أو أي تسمية أخرى باتت مجرد ذكريات تكتب في مقال كالذي أكتبه لا أكثر, فحتى أكثر الفلسطينيين تطرفا مثل هكذا العمليات ليست على أجندتهم.

حتى الانتفاضة الشعبية كالتي انطلقت بيد طفل فلسطيني أضحت ذكريات وصور على مواقع التواصل وهي التي أجبرت إسرائيل العدو اللدود على الجلوس مع منظمة التحرير التي حسب النعت الإسرائيلي ملطخة يدها بدم اليهود. فتكلفة الانتفاضة ومن قبلها العمليات الخارجية أجبرت أشد الإسرائيليين على القبول بالأمر الواقع فالاحتلال مكلف ويضر بالاقتصاد اذا لم يكن مستقرا وهادئا.

الحقيقة هي أن القضية الفلسطينية عادت لتكون قضية فقراء ومساعدات إنسانية لا أكثر. مؤتمر وارسو لم يكترث بالفلسطينيين لان قضيتهم ليست على الأجندة ففي العالم مشاكل وأزمات مكلفة ومقلقة أما فلسطين فتعيش في اتزان أمني معلوم ومحسوب.

أما موسكو التي تحاول خلق محور جديد يواجه الناتو أي يواجه مؤتمر وارسو فجاءت بمؤتمر للفصائل ولم تسعى لضغط بقدر ما سعت لصور الفوتوغرافية ليتوجه من بعدها قادة المحور الجديد إلى سوتشي حيث اللاعبين الاساسين روسيا إيران وتركيا وهو المؤتمر الأهم والأخطر. فاجتماع الفلسطينيين تحت قبة موسكو هي رسالة لناتو ولمؤتمر وارسو لا أكثر والنتائج سواء الإيجابية أو السلبية لا تقدم ولا تؤخر.

التذكرة رخيصة والخط ضعيف

ما يجري في فلسطين أشبه بمحطة حافلات كانت في السابق محطة مهمة ونشطة ويأتيها الزوار من كل مكان. التذاكر باهظة فالجميع يريد الوصول وبسرعة والأفضل أن تكون الحافلات من أحدث طراز. الآن المحطة شبه مهملة وحتى بائع الكانتين ليس عنده إلا العصير الرخيص والشيكولاتة المحلية لأن الزبائن هجروا المحطة.

ولأن الطلب على التذاكر تقلص، فالسعر انخفض وباتت محطة فلسطين مهجورة فلا يوجد أي محفزات لزيارة المكان فهناك عواصم ووجهات مغرية أكثر فالمحطة تعاني من قلة المداخيل إلا إذا جاء عابر سبيل واستخدمها كترانزيت لمحطات أخرى قريبة.

الأسباب واضحة وليست بحاجة لتحليل ولا لذكاء فلا الاحتلال مكلف ولا الانتفاضة على الأبواب ولا أحد يفكر بالحرب الشعبية وحتى صواريخ غزة أصبحت أداة لفتح معبر رفح أو الرد على قصف إسرائيلي لجني ثمار انتخابية إسرائيلية. مرة أخرى المكان أصبح مملا ولا حاجة لمضيعة الوقت.

مشكلة فقر لا مشكلة وطن

الانقسام الفلسطيني أخرج لنا قطاع غزة، الذي مشكلته الآن الفقر المدقع وإهانة النفس البشرية بالعوز والاستجداء على طاولة اللئام. أما الضفة الغربية فتحتاج لأموال الدول المانحة وإلا ستنهار المنظومة الرأسمالية الاقتصادية التي تحتاج لأموال الموظف الحكومي ليشتري من شركاتهم ويرتهن بقروضهم.

القدس والداخل الفلسطيني طبعا خارج المعادلة، حيث مازالا خط المواجهة الأول، وهو أمر غير متوقع، ربما لأن أهالي القدس والداخل لا يعانون من الفقر بل من العنصرية والاحتلال لهذا بقوا على نفس النهج. طبعا كل ذلك نسبي وليس حتمي وفق التطورات السياسية.

بدلا من مؤتمر للسلام يريد الفلسطيني مؤتمرا لدعم الاقتصاد والاستثمار وهنا لا يجب أن يحملوا العالم العربي المسؤولية كما في الخمسينات والستينات حيث نسوا القضية جزئيا بل عليهم أن يلوموا أنفسهم بما جنت أيديهم. فالحافلات انطلقت من كل اتجاه ولكل وجهة إلا فلسطين فهي مملة وبطيئة وكل ما فيها ذكريات لرحلة من ميونخ وبانكوك وقبرص إلى أوسلو وواي ريفر أما وارسو وموسكو فعليهم أن يأخذوا خط ترانزيت.

 

*مراسل قناة الغد

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]