أحمد المصري يكتب: اليمين واليسار والسعودية.. اتجاهات مفترق الطرق لا أكثر

 

أعادت “الهيجلية” تعريف التاريخ بشكل أكثر دقة حين أفادت بأن التاريخ ليس تتابع اعتباطي للأحداث، بل هو تعاقب الأفكار والأيدولوجيات، فالفكرة تحمل نقيضها للخروج بتوليفة جديدة هي فكرة بذاتها تحمل أيضا نقيضها، وهكذا تستمر مسيرة التاريخ البشري.

من هنا، فإن الفكر اليميني أو اليساري اليوم، هو بالضرورة غير ذاته بالماضي ومن هنا لا بد من تفكيك مفردات ووقائع الواقع الراهن ضمن قناعة تغير المفاهيم المستمر كصيرورة تاريخية بدلا من التمترس خلف ذات المفاهيم التي تشكلها انطباعات “لا أكثر” تفضي بنا إلى رؤية مضللة بعيدة تماما عن الواقع الذي نرغب بتحليله فنصطدم دوما بسوء الفهم.

في أوروبا، مثلا، اليمين الذي يبرز الآن هو غير اليمين الذي ظهر في بدايات القرن العشرين، يمين تلك البدايات كان فاشيا انعزاليا يحمل عقدة تفوق وطنية ما تسعى للسيطرة على الآخرين، يمين يرى في الحل العسكري البحت حلا حاسما لمشكلاته، بينما كان اليسار حينها حالما ظاهرة أممية واحدة يسعى لـ”يوتوبيا” “اشتراكية” ويؤمن كذلك بالحل العسكري الحازم عبر الانقلابات مثلا ثم القبضة الأمنية ثانيا.

اليمين اليوم في أوروبا ليس كذلك، وبعيدا عن حملات الدعاية الاستقطابية للجماهير التي تستخدم مفردات خطاب عنصري، فإن اليمين الأوروبي اليوم على الأقل يؤمن بالتغيير القسري عبر القوانين والتشريعات، فهن لا يطالب بإغلاق الحدود بالجيوش، بل بالقوانين الصارمة كإجراء حماية امام تمدد راديكالي مرعب وإرهابي لا يمكن تصنيفه لا بيمين ولا بيسار ولا يؤمن هو ذاته بأي تصنيفات موجودة.

طبعا هذا لا يقلل من خطورة ذلك اليمين المتطرف أحيانا، والذي يحرض على “الكراهية” في المجتمع المتعدد، لكن هي كراهية -برأيي- محسوبة التمدد ضمن منظومة قيم أوروبية ترسخت منذ ما بعد الحرب الكونية الثانية أساسها دولة القانون والمؤسسات التي تحكم كل آليات السلوك السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في القارة البيضاء.

 هل قلت قارة بيضاء؟ يبدو إنني لا أزال تحت تأثير المفاهيم القديمة إذن!

هذا اليمين الذي يتصاعد صوته، وبدأ يخطف أيضا أصوات الناخبين من اليسار والوسط، رد فعل طبيعي لتحولات اليسار والوسط كذلك، فاليسار الأوروبي ليس هو ذلك الذي انطبعت صورته من كتب التاريخ في الخمسينات والستينات، لقد تحول اليسار إلى حليف رأسمالي مهم للشركات الجديدة في عصر تكنولوجيا المعلومات، والتضامنية الاشتراكية التي حلم بها اليساريون في أوروبا تقلصت إلى تضامنيات مثل الأحزاب الخضراء مثلا، التي تنادي بحماية البيئة من أجل كوكب واحد، وهذا بكل الأحوال لا يهدد رأسمالية شركات الكمبيوتر والبرمجيات التي لا تحتاج إلى حرق وقود او فحم لتسيير أعمالها، لكن تلك الحركات اليسارية تغض الطرف عن استغلال الأطفال في آسيا لإنتاج تلك المنتجات “النظيفة”.

في العالم العربي القصة تفاصيل محتواها مختلفة، لكنها على ذات الخط الموازي “بتعاقب الأفكار” حسب هيغل.

دأب اليساريون العرب وقد أغلقوا مظلاتهم منذ توقف المطر القادم من موسكو على نعت الأنطمة الخليجية مثل السعودية بالرجعية، وتحالفها مع الإرهاب السلفي المتطرف.

ما يضحك اليوم أن السعودية، لو فككنا مفردات المشهد بدون عصبية، تحارب التطرف الراديكالي وهي الأكثر حضورا على الجبهة الأمامية في ذلك، والسعودية التي كان اليسار يعيب عليها اتكالها على اقتصاديات النفط، هي اليوم التي تضع رؤية جريئة جدا وخرافية الحجم للتخلي عن فكرة الدولة النفطية الريعية والتوغل في الاستثمار العالمي ضمن مفردات عصرية جدا، بقيادة شابة بدأت تؤسس للمملكة السعودية الرابعة وتعيد المملكة لروح ما قبل 1979 ولكن بشكل عصري.

المثير للوجع في هذا المنولوج اليساري الساخر، أن كثيرا من اليساريين ألقوا أنفسهم في حضن قطر، التي لا تعرف غير اقتصاد الغاز (الشقيق الشرعي لاقتصاد النفط) رغم دعم سياسات الدوحة للتيارات السلفية والراديكالية اليمينية القديمة التي لم يعد لها محل إلا متاحف التاريخ المحنط، وفيما تتقدم السعودية بخطوات واثقة وراسخة نحو التغيير أبقت الدوحة نفسها أسيرة في التاريخ ولم تتعلم من أخطائها وأخطاء الآخرين. نعم، وببساطة إذا كان التاريخ نهرا، فأنت لا يمكن أن تشرب من ذات النهر مرتين. 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]