تحولت أخطاء التاريخ والجغرافيا، في الكتب المدرسية بالجزائر، إلى قضية رأي عام، مع تصاعد موجات الغضب والإستياء داخل الشارع الجزائري، وارتفاع حدة الأصوات المنادية بوقف “مهزلة” الأخطاء الواردة في الكتب المدرسية وشبه المدرسية، والتي تجاوزت حدود تشويه التاريخ العربي والجزائري، إلى اختراق ثوابت الهوية الجزائرية ، والتطاول على مقدسات إسلامية، وهي الأخطاء التي وصفها وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، بـأنها “تسيىء للشعب الجزائري”. أما المختصون فحذروا من تداعيات مثل هذه الأخطاء “القاتلة” على التلاميذ، بحسب وصفهم، بل وحتى على وحدة المجتمع الجزائري.
مسلسل اكتشاف الأخطاء الواردة في الكتب المدرسية لمراحل التعليم (ابتدائي، متوسط ، وثانوي)، بدأ قبل يومين، بكتاب الجغرافيا الذي يعترف بالكيان الصهيوني على أنه دولة، ووضع اسم “إسرائيل” على الخريطة بدلا من “فلسطين” ، كما تضمن كتاب التاريخ اعتبار فرنسا دولة حاكمة، وليست استعمارية، بإعطاء مثال للديمقراطية وعلاقة الحاكم بالمحكوم باستفتاء تقرير المصير الذي طرحه الاستعمار الفرنسي سنة 1962، مما فجر موجة من السخط، وشكك المواطنون في ورود هذه الأخطاء بشكل غير مقصود.
والخطأ الذي يعد “خطيئة” كبرى، في حق المجتمع الجزائري، كما يرى سياسيون ومفكرون، ما تم اكتشافه أمس، في مادة الجغرافيا، الذي يصنف المجموعة العرقية المشكلة لسكان الجزائر على أنهم 80 بالمائة عرب، والباقي خليط بين قبائل كبرى، “توارڤ، بني ميزاب”، وهي العبارة التي تفتقد إلى أي سند علمي أو تاريخي، سواء من ناحية التصنيف حسب العرق، وأيضا الأرقام الواردة فيه.
ويؤكد وزير الثقافة الجزائري، عز الدين ميهوبي، أن من وضع معلومات عن الجزائر، جغرافيا وتاريخ وتركيبة سكانية، يفتقر إلى الروح العلمية والمهنية، وعمد إلى تقديم أرقام وإحصاءات تفتقر إلى المصدر أو المرجع، وأغلبها ناتج عن ثقافة سطحية مستقاة من سوق الأنترنت المليء بالغث والمغشوش .وقال “ميهوبي” لصحيفة الخبر الجزائرية، أننا نرفض أي تجزئة للشعب الجزائري، فهو 100 بالمائة جزائري، ومن هذا الذي يستنطق الجماجم ودماء الجزائريين ليصنفهم إلى عرب وأمازيغ؟ هذا أسلوب مرفوض، ومن يتبناه يسيء الى هذا الشعب وتاريخه ونضاله ، وهناك ضرورة لإخضاع الكتب المدرسية وشبه المدرسية إلى تدقيق علمي من مختصين لا يرتدون عباءات فكرية أو إيديولوجية أو يتاجرون بوحدة الشعب الجزائري، وألا يحولوا المدرسة الجزائرية إلى منبر لمطارحات سياسية وحزبية أو مزايدات شعبوية”.
وأشار الوزير إلى أن قانون تنظيم أنشطة سوق الكتاب سيضع ضوابط صارمة في هذا المجال بالتنسيق بين وزارتي الثقافة والتربية الوطنية، منعا لأي انزلاق يضر بصورة الكتاب والمدرسة والمعرفة عمدا أو بغير قصد.
ويرى الخبير التربوي الجزائري، محمد أرزقي، أن الخطاء الوارد في الكتب المدرسية بتصنيف المجموعة العرقية المشكلة للسكان في الجزائر، وإقصاء المكون الأمازيغي من الشخصية الجزائرية، هو خطأ “قاتل” يجعل هذه الشريحة تقابل التطرف بتطرف آخر، وأنه واحد من أسباب ظهور الحركة الانفصالية في الجزائر.
ومع اتساع موجة الغضب ضد أخطاء كتب التاريخ والجغرافية، تناقل المواطنون بعض الأخطاء الأخرى والتي لم يتم تصحيحها منذ إنجازها رغم فداحتها، على غرار اعتبار عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، “مثيرة للشغب”! حيث جاء النص كالآتي: “فاعتصم معاوية بالشام، وأخذ يجمع حوله أنصارا يمنّيهم الأماني إذا ظفر بالملك.. وكان خروج عائشة واشتراكها في هذا الشغب السياسي شيئا منكرا في رأي الناس”.. وهي العبارة التي أثارت حفيظة جميع من قرأها على اعتبار أنها تمس بأم المؤمنين، ودعوا إلى فتح تحقيق مواز لاكتشاف فاعلها.
