رأى الكاتب ديفيد غاردنر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يواجه تهديداً بسبب الخلافات مع روسيا والولايات المتحدة على صفقة الأسلحة الروسية، الأمر الذي قد يقود إلى فرض عقوبات أمريكية ضد تركيا فضلاً عن التشكيك في عضويتها بحلف الناتو.
ويُشير الكاتب، في مقال بصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، إلى أنه عقب إجراء تركيا للانتخابات البلدية في الحادي والثلاثين من شهر مارس (آذار) الماضي، ساد ارتياح بين العديد من صناع السياسة والمستثمرين والمحللين، إذ اعتقدوا أن الدورة الانتخابية التركية، التي بدت بلا نهاية، ستتوقف في غياب مواعيد للتصويت قبل 2030.
ويذكر الكاتب أن نجاح أردوغان في 16 عاماً من السلطة اعتمد على تنمية الاقتصاد، وتوزيع فوائده أكثر من اعتماده على الإيديولوجية الإسلامية لحزبه الحاكم العدالة والتنمية، ومن ثم رأى البعض أن بإمكان أردوغان الآن إعادة التركيز على الإصلاح الاقتصادي.
ولكن للأسف كان ذلك تفكيراً قائماً على التمني، وقراءة خاطئة لسياسي متقلب المزاج أي أردوغان، يجيد إشعال النزاعات والحروب.
ويوضح الكاتب أنه في غضون أسابيع من الانتخابات البلدية وبعد خسارة حزبه الحاكم للانتخابات في أنقرة وإسطنبول أمام حزب الشعب الجمهوري المعارض، استخدم أردوغان نفوذه المطلق، بعد أن حول تركيا إلى رئاسة تنفيذية على الطراز الروسي في 2018، لفرض إعادة الانتخابات بإسطنبول في يونيو(حزيران) المقبل.
ويرى أردوغان أنه لا يمكن حكم البلاد دون السيطرة على إسطنبول، عاصمة الخلافة القديمة، التي انطلقت منها مسيرته في 1994. وسبق له أن قال في 2017: “إذا خسرنا إسطنبول فإننا سنخسر مكانتنا في تركيا“.
ويلفت الكاتب إلى أن ثمة تهديداً أكثر إلحاحاً لأردوغان يلوح في الأفق، ويتمثل في الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة على شراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتقدمة إس 400، المقرر تسليمها في الأشهر القليلة المقبلة، وربما يقود هذا الخلاف المستمر منذ فترة طويلة إلى فرض عقوبات أمريكية ضد تركيا، فضلاً عن التشكيك في عضويتها في حلف الناتو.
وفي الوقت نفسه تتوقع تركيا استلام مقاتلات اف35، أحدث مقاتلة تنتجها الولايات المتحدة وحلفاؤها، التي تُعد تركيا جزءاً من الاتحاد المشترك لإنتاج هذه المقاتلات مع شركة لوكهيد مارتن. ولكن رداً على الصفقة الروسية، علقت الولايات المتحدة تسليم أول أربع مقاتلات من أصل 100 مقاتلة كان من المتوقع أن تشتريها أنقرة.
وتعتبر واشنطن أن في وجود الصواريخ الروسية اس 400 في أراضي دول حلف الناتو تهديد لأمن الحلفاء، وإذا نُشرت الصواريخ الروسية في تركيا فسيكون بإمكانموسكو الحصول على معلومات عن المقاتلات الأمريكية من طراز اف35 التي من المقرر أن تصبح المقاتلة الحربية الرئيسية للناتو.
ويرى كاتب المقال أن إبرام صفقة الصواريخ الروسية اس 400 يحقق انتصاراً دبلوماسياً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي سيخرق وحدة حلف الناتو وتماسكه، وربما يقوض أمنه أيضاً.
وأكد قادة من الحزبين العسكريين للجان المسلحة والعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، في صحيفة “نيويورك تايمز” خلال الشهر الماضي، أن تركيا وبحلول نهاية العام ستختار إما مقاتلة أمريكية من طراز أف35 على أراضيها، أو نظام دفاع صاروخي أرض جو روسي من طراز “اس 400″، لكن يستحيل أن تجمعهما على أرضها.
وينوه الكاتب إلى أن بعض التقارير تكشف أن إدارة ترامب أمهلت أردوغان حتى الشهر المقبل للاختيار ما بين الصفقة الروسية والمقاتلات الأمريكية.
ويقول المسؤولون الأتراك أنه لا تراجع عن الصفقة الروسية ولكنهم يعترفون في الوقت نفسه بأنهم يستعدون لفرض عقوبات أمريكية ضد تركيا بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات.
ويحذر الكاتب من أن أردوغان يواجه أزمة حقيقية. ورغم أن نهج أردوغان يعتمد على الاستقطاب، إلا أنه من الصعب التعامل على هذا النحو مع القوى العظمى، خاصةً إذا كانت تحت قيادة أقوياء لا يرحمون مثل بوتين، أوغريبي الأطوار مثل ترامب.
وفي السنوات القليلة الماضية، بات أردوغان مديناً لبوتين بسبب سياسة تركيا الممزقة في سوريا. دعمت موسكو نظام الرئيس السوري بشار الأسد وأنقذته من الانهيار، بينما دعمت تركيا مجموعة متنوعة من الجماعات الإسلامية في محاولة للإطاحة بالأسد.
ولكن منذ 2016، بات هدف تركيا الرئيسي، إحباط خلق كيان سوري يتمتع بحكم ذاتي على حدودها، تديره القوات الكردية التي دعمتها الولايات المتحدة في الحرب ضد داعش، وكان ذلك سبب الخلاف الرئيسي بين أنقرة وواشنطن.
ويقول الكاتب: “ومع ذلك، تشكل تركيا الآن جزءاً من التحالف الثلاثي الهش للنفوذ في سوريا مع روسيا، وإيران، وإذا تراجع أردوغان عن الصفقة الروسية، فمن المحتمل أن يكثف بوتين الغارات الجوية ضد آخر معقل للمعارضة في إدلب بشمال غرب سوريا، أين تملك تركيا عشرات المواقع العسكرية. وتلقي موسكو باللوم على أنقرة لفشلها في السيطرة على المقاتلين الجهاديين المرتبطين بالقاعدة الموجودين هناك، والواقع أن بعض الصحافيين الأتراك يقولون إن على تركيا الاختيار ما بين الصفقة الروسية أو إدلب“.
ويضيف الكاتب أن احتلال تركيا لجيبين سوريين حول إدلب، في جزء من حملتها ضد وحدات حماية الشعب الكردية، لا يمكن تحقيقه إلا بموافقة روسيا.
وفي الوقت نفسه تسعى تركيا للضغط على الأراضي الضخمة التي يسيطر عليها الأكراد السوريون في شمال شرق سوريا تحت الغطاء الجوي الأمريكي.
وإذا كان أردوغان مصراً على معاداة الولايات المتحدة بالفعل، فإن العواقب لن تقتصر فقط على عضوية تركيا في حلف الناتو، أو الشراكة في مقاتلات اف 35.
ويختتم الكاتب بأنه رغم قدرة أردوغان على البراغماتية، ونجاحه في إصلاح العلاقات مع بوتين في 2016 بعد إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية عبر حدودها مع سوريا، وكذلك مع ترامب في العام الماضي بعد إطلاق سراح القس الأمريكي المتهم بالتواطؤ في محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، إلا أنه بات عالقاً بين نارين مثلما تعثر النمو الائتماني لتركيا الذي أسفر عن التضخم، وارتفاع البطالة، وانهيار العملة التركية، والانخفاض الخطير في العملات الأجنبية، وإذا تصاعدت هذه الأمور وتصادمت، فإنها ستقود إلى فوضى شديدة للرئيس التركي.
