كشفت أزمة التعديل الوزاري “المحدود” التي تخيم على المشهد السياسي في تونس، أن كثيرين حول السلطة، والقليل حول الحكومة، ومع استثمار الأحزاب للأزمة، بحسب تقرير صحيفة الصباح التونسية، وإذا كانت أحزاب المعارضة، تسعى إلى الاستثمار في هذه الأزمة وتسجيل نقاط سياسية، باضعاف الأحزاب الحاكمة أملا في أن تكون البديل، فان الأحزاب الحاكمة بدورها وإن كانت قوّة “الاتحاد العام للشغل” تزعجها سرّا، فانها مجبرة على “مهادنة” المنظمة العمالية الكبرى علنا.
والملفت والمثير للاهتمام هو تموقع الأحزاب المعارضة والأحزاب الحاكمة من خلال هذه الأزمة،فمنذ إعلان رئاسة الحكومة عن إقالة عبيد البريكي الذي أعلن قبلها أنه كان ينوي الاستقالة،وتعيين عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعة والتجارة خليل الغرياني خلفا له على رأس وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة – قبل أن يعتذر عن قبول المنصب – حتى تحوّل مقرّ اتحاد الشغل إلى وجهة لأغلب أحزاب المعارضة والأحزاب الحاكمة، سواء كانت النوايا البحث عن حلّ لأزمة أم استغلال لأزمة لتسجيل نقاط سياسية..
وترى الدوائر السياسية والإعلامية في تونس، ان الأحزاب الحاكة ( حركة نداء تونس، وحركة النهضة، والاتحاد الوطني الحر، حزب آفاق تونس ) تسعى من جانبها لتسجيل نقاط سياسية من خلالها كل حزب من أحزاب الائتلاف لإثبات أنه الأقوى وأنه المتحكم في زمام الأمور، ويبدو حزب حركة النهضة مسيطرا على الموقف والأقدر على اختيار موقعه من كل أزمة.
وشهدت الساحة السياسية في تونس، فتح قنوات الاتصال مع الاتحاد العام للشغل، من قبل أحزاب المعارضة، وفي تحرك يوحي باستثمار الأزمة، واتصل رئيس حزب حراك تونس والرئيس السابق للجمهورية، منصف المرزوقي، بالأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي وأبلغه حرص حراك تونس على التعاون مع الإتحاد من أجل مصلحة البلاد واقتناعه بأهمية إطلاق حوار وطني حقيقي من أجل الخروج بالبلاد من الأزمة الخطيرة الراهنة
وتوافد على مقرّ الاتحاد عدد هام من الوفود الحزبية التي يتقدّمها أمناء الأحزاب العامون، وهذه الاحزاب هي حركة مشروع تونس، وحزب الاتحاد الوطني الحرّ، والجبهة الشعبية،وحركة الشعب، وكذلك توافدت على مقرّ الاتحاد احزاب حاكمة كحزب نداء تونس وحزب آفاق وأحزاب مشاركة في الحكم مثل حزب المسار والحزب الجمهوري.
واللقاء المهم هو الذي جمع “الطبوبي” بزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، وبعد هذا اللقاء أصدرت الحركة أمس بلاغا ذكرت فيه أن اللقاء كان للتباحث في الوضع العام للبلاد وخاصة في علاقة بتداعيات التعديل الوزاري الأخير، وأشار البلاغ الى أن الطرفين عبّرا عن تطابق وجهات النظر وأكدا على تثمين الدور الوطني للاتحاد ورعايته للأوضاع العامة وتمسكه بالوحدة الوطنية وتأكيد حاجة البلاد إلى إصلاحات عديدة وكبيرة تستدعي تعاون كل الأطراف وتكاثف كل الجهود ضمن خطة واضحة متفق عليها
وتؤكد االباحثة التونسية، منية العرفاوي ، أن اعتذار عضو المكتب التنفيذي خليل الغرياني عن قبول منصب وزير الوظيفة العمومية والحوكمة خلفا للقيادي النقابي السابق عبيد البريكيفتيل، لن يعيد لعلاقة الاتحاد بالحكومة إلا بعض الهدوء، فالكثير من الملفات المشحونة بقدر من التوتّر والتشنّج ما تزال عالقة بين الطرفين،وعلى ٍرأسها ملف قطاع التربية وإصرار القيادة المركزية لاتحاد الشغل على إقالة وزير التربية ناجي جلول وانحيازها المعلن لمطالب نقابتي الأساسي والثانوي،بالإضافة إلى ملف خوصصة البنوك العمومية وأزمة الصناديق الاجتماعية،وتسريح الموظفين..وغيرها من الملفات الحارقة التي لم تعد تحتمل الانتظار.
يذكر أن “الاتحاد العام للشغل” لعب أدوارا تاريخيّة خلال سبعين سنة تقريبا منذ تأسيسه. إذ لم يكتف بالشأن النقابيّ، بل خاض معترك السياسة في كلّ مرحلة تاريخية، بدأ من الاستعمار، إلى المراوحة بين مهادنة ومعارضة الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال. تماما كما الأحزاب السياسيّة، وعرف الاتحاد العام التونسي للشغل تضييقا من نظام بن علي ومحاصرة لمقرّاته واعتقالات طالت مناضليه.