أزمة اللاجئين.. الكراهية تتفوق على المنطق
أعادت الصحفية ناتالي نوغايريد تصويب الحملات الدعائية التي يروّج لها اليمين الأوروبي المتطرف تجاه موجات اللاجئين والأزمة الكبيرة التي يُتهمون بها في أوروبا.
وردّت نوغايريد على هذه المقولة في صحيفة الجارديان البريطانية ملقية الضوء أولاً على بقاء الهجرة، مستقبلاً، الموضوع الرئيسي الأبرز في السياسات الأوروبية، ولفترة طويلة أيضا، فهي كانت في صلب الاستفتاء البريطاني على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (البركزيت)، كما ستهيمن على الحملات الاِنتخابية المقبلة في فرنسا وألمانيا.
وذكرت نوغايريد ما سبق للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن أشارت إليه سنة 2015 والمتعلق بانشغال أوروبا قريباً بقضايا الهجرة واللجوء “أكثر بكثير، بكثير” ممّا فعلته قضايا المال والاقتصاد، ثمّ انتقلت الصحفية لتكتب عن أكثر من 3800 مهاجر قضوا في البحر المتوسط منذ بداية السنة الحالية، وفقاً للأمم المتحدة.
من يسيطر على الوضع؟
مسألة الهجرة صاغت الخطاب السياسي “ويرجح لها أن تستمر في صياغته”، فهناك من جهة الليبيراليون العالميون الذين يتعاطفون مع اللاجئين لكونهم أساساً “يحلمون بعالم بلا حدود”، ومن جهة أخرى، “بناة الحواجز ورُهابيّو الأجانب الذين يرون الهجرة كنسخة معاصرة للاجتياحات البربرية المهددة للثقافة والحضارة”، وتبدي نوغايريد أسفها لكون الفريق الثاني “يميل إلى السيطرة على الوضع”.
حتى الماضي تُعاد كتابته
وتلفت الكاتبة النظر إلى أنّ “الأضرار الجانبية لسياسات (عصر) ما بعد الحقيقة ليست فقط في أنّه يتم تشويه الحاضر، بل إنّ الماضي تُعاد كتابته أيضا”، وتشير إلى مقاطع الفيديو “العنصرية” التي تصور أوروبا منقسمة بين مشهد ما قبل الهجرة، حيث تمتلئ الشوارع الأوروبية بالسكان البيض الذين يعيشون بهناء، ومشهد ما بعد الهجرة حيث يبدو رجال ذوو وجوه سوداء يهاجمون النساء ويشنون الهجمات ضد رجال الشرطة مع صيحات التكبير.
الكراهية تتفوق على المنطق
وتشير نوغايريد إلى نظرية “الاستبدال العظيم” التي يجري الحديث عنها في فرنسا والتي تبناها اليمين المتطرف، هذه النظرية تقول إن الهجرة ستساهم باستبدال سكان الدولة الأساسيين بسكان من خارج أوروبا مع تغيير هوية الدولة. وتضيف أن نقض “هذه الخرافات يمكن أن يكون عملاً شاقاً”، إذ إنّ الكراهية تتفوق على المقاربات المنطقية. وذكّرت بأنّ التاريخ الأوروبي هو عبارة عن حركة سكانية مستمرة واختلاط ثقافي طويل. وتستشهد بما قاله المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا عن أن التحدي الحقيقي للهجرة هو “تحدي معرفة الآخر” وتشير إلى أن هذه المعرفة يجب أن تذهب في كلا الاتجاهين.
الأوروبي يتساءل عن هويته
وبالنسبة إلى الصحفية، أجبرت أزمة اللاجئين الأوروبيين على أن يسألوا أنفسهم عن هوياتهم وكيف يعرّفون أنفسهم وأفعالهم. ورقم المليون وربع المليون من اللاجئين الذين وصلوا إلى القارة السنة الماضية، يشكل فقط 0.2% من سكان أوروبا، وكان على هذا العدد أن يكون قابلاً للإدارة بحسب الكاتبة. أمّا ألمانيا فهي وحدها استقبلت 800 ألف لاجئ أي ما يعادل 1% من تعداد سكانها، وهذا الرقم هو نفسه الذي استقبلته أوروبا خلال حرب البلقان مثلاً.
الواقع الجديد المتحول
وتؤكد نوغايريد أنّ أزمة اللاجئين تلك لم تكن على علاقة مباشرة بهم. “إنهم اللاجئون والمهاجرون الذين يواجهون أزمة في أوروبا”، و”الفضيحة” تكمن في كونهم خسروا أرواحهم في البحر المتوسط. وشهدت سنة 2014 تفوّقاً أوروبياً لأول مرة على أمريكا في نسبة استقطاب المهاجرين: 3.7 لاجئين شرعيين مقابل ألف مواطن أوروبي، يقابلهم 3.1 لكل 1000 أمريكي. “هذا هو الواقع الجديد المتحوّل الذي يجب أن يعترف به الأوروبيون”.
لماذا تحتاج أوروبا إلى الهجرة؟
وتذكّر بأن أوروبا تاريخياً “صدّرت سكانها” إلى المستعمرات البعيدة أو إلى العالم الجديد أكان للسيطرة أو للحرب أو بسبب الفقر.. الآن، هي أصبحت جاذباً وملجأً للذين يبحثون عن الأمان والحياة الفضلى. “نحن بكل ببساطة أغنى بكثير وأكثر استقراراً من أجزاء عديدة من العالم”. وأضافت: “تنوّعنا مقرّر له أن ينمو، لكن ليس على طريقة سيناريو ‘الاستبدال العظيم‘. تحتاج أوروبا للهجرة كضخ للشباب والدينامية في العقود القادمة، إذا أرادت أن تعالج مسألة قوتها العاملة ومشاكل التعاقد الخاصة بها”.
