أزمة كتائب حزب الله تكشف تطلعات طهران وواشنطن وموسكو نحو العراق

صراع أمريكي إيراني جديد  في الأراضي العراقية تراقبه روسيا كوافد آخر يبحث عن نفوذ في بغداد، حيث  اعتقلت قوة من جهاز مكافحة الإرهاب العراقي فجر الجمعة عدة عناصر من كتائب حزب الله العراقي الموالي لإيران.

حملة الاعتقالات

ونفذت قوات خاصة عراقية تابعة لجهاز مكافحة الإرهاب عملية ضد هذا الفصيل الذي يتهمه مسؤولون أمريكيون بالمسئولية عن إطلاق صواريخ على قواعد تستضيف قوات أمريكية ومنشآت أخرى ذات طابع أمني في العراق .
المعتقلون الذين قدر الحشد الشعبي عددهم بـ19 شخصا، قالت مصادر حكومية إنهم 23 لا يزالون قيد الاستجواب من قبل الأجهزة الأمنية العراقية ونفى متحدث باسم قوات التحالف أن يكونوا في حوزة القوات الأمريكية.
ووصف مراقبون هذا التطور بأنه أول إشارة على اعتزام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تنفيذ وعوده بأنه سيكون صارما مع الفصائل المسلحة التي تستهدف منشآت أمريكية ، لاسيما وأن ذلك حدث بعد عدد من الهجمات الصاروخية بالقرب من السفارة الأمريكية في بغداد ومواقع عسكرية أخرى في البلاد في الأسابيع الأخيرة.

وقال مراسل الغد إن الأشخاص الذين تم اعتقالهم في منطقة الدورة في جنوب بغداد، ضبطوا وبحوزتهم صواريخ معدة للإطلاق.

وأشار إلى أن هؤلاء ينتمون إلى فصيل كتائب حزب الله الذي اتهمته واشنطن مراراً باستهداف جنودها ودبلوماسييها بهجمات صاروخية في العراق.

ومنذ أكتوبر 2019، استهدف أكثر من 33 صاروخا منشآت عراقية تستضيف دبلوماسيين أو جنودا أجانب، منها ستة هجمات خلال الأسبوعين الماضيين فقط.

أمريكا وجهاز مكافحة الإرهاب

يضم جهاز مكافحة الإرهاب قوات النخبة الأفضل عتاداً وتدريباً، وقد أنشأه الأمريكيون بعد الغزو في العام 2003، وعادة ما تناط به المهمات الأكثر صعوبة.

وقبل بداية الانتفاضة الشعبية التي شهدها العراق في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعفى رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، قائد قوات مكافحة الإرهاب عبد الوهاب الساعدي من منصبه، ليعود الكاظمي ويعينه رئيساً للجهاز مؤخراً. وينظر كثيرون إلى الكاظمي والساعدي على أنهما مقربان من الأميركيين.

كتائب حزب الله

تعد كتائب حزب الله جزءا من الحشد الشعبي الذي تشكل بفتوى دينية في العام 2014 لمواجهة تنظيم داعش وتم اعتباره في ما بعد جزءاً من القوات العراقية الرسمية.

ورحّب فصيل كتائب حزب الله بالهجوم الصاروخي الذي أودى بجنود أمريكيين وبريطانيين، من دون أن يتبناه، مندداً بـ “قوات الاحتلال”.

تهديدات للكاظمي

صاحبت  حملة الاعتقالات تهديدات شنها المتحدث الأمني باسم كتائب حزب الله العراق ضد رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي.

وهاجم حزب الله العراق الكاظمي واصفا إياه بعميل الأمريكيين و”المسخ الغادر”، مهددا إياه بالعقاب و”العذاب”، قائلاً: “نتربص لكم”.

واعترف المتحدث باسم كتائب حزب الله بأن أنصار وعناصر الكتائب  جابوا شوارع العاصمة في وقت سابق مستعرضين قوتهم وسلاحهم، وموجهين رسائل تهديد  مطالبين إطلاق سراح العناصر.

كما أقر بأن كتائب حزب الله، حاصرت بعض المناطق في العاصمة، أبرزها المنطقة الخضراء التي تضم مؤسسات عامة، وسفارات، ومراكز رسمية.

وأشار مراسلنا أن التهديدات اقتصرت على بعض النشطاء التابعين لحزب الله، دون أن يصدر ذلك عن قيادة حقيقية.

معركة نفوذ

حملة الاعتقالات تعكس حالة التجاذب بين رجال إيران في العراق وأنصار واشنطن من ناحية أخرى، حيث تسعى إيران لدفع العراق إلى معسكر موسكو وتكرار التجربة السورية وهو ما كشفته مجلة “نيوزويك” الأمريكية.

وتشعر إيران بالتوتر إثر تحسن العلاقات العراقية الأمريكية منذ تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية وذلك بعد حالة فتور في علاقة بغداد مع واشنطن شهدتها فترة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي.

وتستغل إيران حالة الغضب والمطالبة برحيل القوات الأمريكية من بغداد في جلب حليفها الروسي في المنطقة عن طريق إبرام صفقات السلاح والتعاون العسكري.

وذكرت المجلة واقعة لقاء الملحق العسكري في السفارة الإيرانية ببغداد، العميد مصطفى مراديان مع رئيس أركان الجيش العراقي المعين حديثا الفريق عبد الأمير رشيد يارالله  حيث تعهد مراديان بدعم القوات المسلحة العراقية، ودعا إلى تعزيز المركز الرباعي الأمني والاستخباري المشترك لتبادل المعلومات، المكون من إيران والعراق وروسيا وسوريا، وهو مركز أنشئ عام 2015 لتعزيز الجهود المشتركة لهزيمة تنظيم داعش.

وأضافت المجلة أن التقارير المتعلقة بعزم العراق شراء نظام صواريخ أرض جو “S-400” الروسي لا تزال تتوارد بين الفينة والأخرى.

وتتابع “في أبريل الماضي، كان البرلمانيون العراقيون يناقشون شراء هذه المنظومة لتحقيق توازن أفضل للعلاقات العسكرية بين الشرق والغرب، على الرغم من عدم إحراز أي تقدم ملموس حتى الآن”.

موسكو تحاول

قالت المستشارة بمعهد الدراسات الاستراتيجية بموسكو، إيلينا سوبونينا، إن روسيا تتعاون مع العراق وإيران، وتنظر إلى كثير من الدول كدول شريكة لها، مؤكدة أنه من المستحيل أن تؤثر إيران على السياسات الخارجية الروسية.

وأضافت سوبونينا، خلال لقاء لفضائية الغد، أن هناك رغبة لدى العراقيين في تطوير العلاقات مع روسيا، لافتة إلى أن هناك مشروعات كثيرة بين الجانبين، كما أن لدى روسيا استثمارات داخل العراق.

وأوضحت سوبونينا، أنه بالرغم من الوجود العسكري للولايات المتحدة في العراق، إلا أنه لا توجد استراتيجية أمريكية واضحة حول مستقبل هذا الوجود، وأن الأمريكيين غير ناشطين في تطوير علاقتهم الاقتصادية مع العراق.

ولفتت إلى أن الرهان لدى الولايات المتحدة كان على تقسيم العراق، لافتة إلى أن مجلة التايم في 2014 نشرت غلاف كتب عليه أن العراق قد انتهى، مؤكدة أن العراقيين يدركون هذا الأمر ولا يثقون بواشنطن، بل يرغبون في أن يكون لروسيا دور أكبر.

توازن العلاقات

قال المحلل الاستراتيجي  أمير الساعدي ، أن من حق العراق البحث عن التوازن في العلاقات بين روسيا وواشنطن.

وأضاف أن إيران لديها نفوذ قوي في الساحة العراقية وذلك  قد يدفع إلى تواجد روسي، لكن هذا لا يمنع من تواجد للنفوذ الأمريكي في بغداد.

وأكمل أن روسيا تستثمر بشكل موسع وملحوظ  في مجال الطاقة في العراق منذ عام 2009 وزادت قيمة الاستثمارات في عام 2017،  لذلك سنجد محاولات أمريكية لمواجهة النفوذ الإيراني والروسي في بغداد.