أسرار التاريخ المصري في انتظار “سيدة الغموض”
لعل الهالة الساحرة التي تحيط علم الآثار، تكمن في غموضه الذي يتكشف لنا كلما حاولنا البحث عن أدلة جديدة، وإذا كان الغموض قرين الحقب التاريخية الغابرة، فإن الأسرة المصرية الفرعونية الـ18، تمتعت بالقدر الأكبر من الأسرار، وما تكشفه لنا آثارها، لا يقارن بما شهدته من أحداث صاخبة وعنيفة.
قبل أيام، أعلنت وزارة الآثار المصرية، تبنيها لآراء البريطاني نيكولاس ريفز، الذي يؤكد وجود غرفة سرية بمقبرة الملك توت عنخ آمون، ويعتقد أنها مقبرة الملكة نفرتيتي، والدة “عنخ-اس-إن-با-آتون”، أخته من والده وزوجته أيضًا.
وحول الاكتشافات المنتظرة، التي من الممكن أن تفصح لنا عن هذه الحقبة من تاريخ مصر، التقى “الغد العربي نت” بالدكتور طارق سيد توفيق، أستاذ التاريخ، ومدير المتحف المصري الجديد.
قال توفيق، إن الملكة نفرتيتي، شخصية يحيطها الغموض، خاصة فيما يتعلق باختفائها من الساحة التاريخية، حيث اكتشفنا في السنوات الماضية نصًا بأحد المحاجر، يؤكد وجودها إلى جانب زوجها الملك آمون حوتب الرابع (إخناتون)، فترة أطول مما كنا نتصور سابقًا، مما يشكك في فكرة اختفاءها بشكل غير طبيعي أو عن طريق مؤامرة.
ويرى أستاذ التاريخ، أنه إذا صدقت الآراء الجديدة، فإنها تفتح المجال لاحتمال عودتها إلى وادي الملوك، بعد هجرتها مع إخناتون وتأسيس مدينة تل العمارنة، عقب صراعه مع كهنة آمون في طيبة، حيث أسس الديانة الآتونية التوحيدية. وأضاف، ربما نكتشف أنها كانت على قيد الحياة عند وفاة إخناتون، أو أنها عاشت لفترة أطول.
دفع الغموض المحيط بالملكة، إلى ادعاء البعض أنها ليست مصرية، وهو ما نفاه “توفيق”، قائلًا، “لا يوجد أدلة”، موضحًا، أن هناك إشارات تفيد بأن الملكة “تي” والدة “إخناتون” كانت من أصول غير مصرية.
ومن المعروف عن المصرين القدماء، تقديسهم لملوكهم وحفظ سيرهم، ومن الغريب ألا يحتفون بملكة كنفرتيتي، ولكن “توفيق” يوضح أنه من الضروري أن نضع في الحسبان، أن فترة اخناتون تم محوها من حوليات ملوك مصر القديمة، فلم يكن لها ذكر في متون الحضارة المصرية.
على الرغم من ذلك يسرد لنا “توفيق” ما يوضح فاعلية الدور الذي لعبته “نفرتيتي”، حتى أنها الملكة الوحيدة التي اعتمرت التاج الأزرق المميز، وقال، “إنها ساندت زوجها ودعمت أيديولوجيته الجديدة، التي قوبلت بالرفض من كهنة آمون، وظلت كذلك حتى تعرضت الأسرة الملكية، إلى حادث صعب، وهو وفاة إحدى بناتهم”.
يستطرد: يبدو أنها كانت وفاة طبيعية، ولكنها أثرت على الحياة الأسرية، ويظهر ذلك في أحد مقابر تل العمارنة، حيث نرى مظهرًا غير موجود في أي من مقابر الفراعنة، حيث الملك والملكة في حالة جزع وحزن على فراق الأبنة، ولم يحدث فيما وصل إلينا من الحضارة المصرية، أن ظهر الملوك في تلك الحالة، ونعرف أن رمسيس الثاني شهد وفاة عدد من أبناءه، ومع ذلك ليست هناك “مناظر” تشير إلى الجزع والحزن.
يعود أستاذ التاريخ، ليؤكد أنه فيما قبل ذلك، نجد نفرتيتي دائمًا إلى جانب زوجها، كما نجد الأميرات في أحد المناظر، بنفس مظهر الملكة، يكملن الشكل الجديد للديانة الآتونية، حيث الأسرة كاملة تحت شمس أتون.
وتأتي نهاية إخناتون ومن بعده نجله توت عنخ آمون، لتضيف مزيدًا من الغموض حول تلك الأسرة، حيث أشيع أن الملك وخليفته قد قتلا على يد القائد العسكري حور محب، الذي استرد ما فقدته الإمبراطورية خلال تلك الفترة، بسبب الصراعات الداخلية، وانشغال إخناتون بترسيخ ديانته وتعميمها على أقاليم مصر.
ويعلق “توفيق” على ذلك: نعرف أن تل العمارنة تم تدميرها بتعمد، وكذلك مقبرة الملك، مما يؤكد حدوث أعمال عنف، في نهاية فترة العمارنة، ولكننا لا نملك دلائل تشير إلى موته قتيلا أو بشكل طبيعي، حتى أننا لم نجد جثمان الملك.
أما نجله والذي كان اسمه قبل عودته إلى وادي الملوك “توت عنخ آتون”، تعرض جثمانه لأشعة “إكس راي” في السبعينيات والتسعينيات، وكان في حالة سيئة، وذلك لم يسمح بتأكيد طريقة موته، وتضاربت المصادر حول ذلك، بينما لم يكن “توت” الشخصية السياسية التي تستدعي قتلها وإبعادها عن الحكم، لأنه كان صغيرًا (مات في سن 19)، بالتالي كان يسهل أن يوجهه الملك “آي” كبير الوزراء الذي تولى الحكم من بعده، وهو الذي قام بالطقوس الجنائزية له، حيث دفن على عجلة ولم تكن مقبرته جاهزة بعد.
وعما إذا كانت هناك حالات مشابهة، دفن فيها الفرعون مع أحد أقرباءه، كما يتوقع العالم البريطاني، قال “توفيق”، إن أبناء رمسيس الثاني دفنوا بالقرب منه في وادي الملوك وهذه هي الحالة الوحيدة المعروفة حتى الآن.