أطلق ريشته تطارد دولة الاحتلال.. ناجي العلي «نبيّ» الخطوط السوداء

كانت كلماته تحمل صدق النبوءة، تأسيسا على حقائق الواقع .. ذات يوم قال أبو خالد (ناجي العلي): «اللي بدو يكتب لفلسطين، واللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حاله: ميت»، لتتحقق كلماته، على صعيده الشخصي، وعلى صعيد صديقه ورفيق دربه، غسّان كنفاني، والفرق بينهما أنّ رصاصةً اخترقت رأس الأوّل، وقنبلة دمرت جسد الثاني.

 

كما لا يختلف كلاهما عن الأرق الذي سبباه لعدوهما الأوّل والأكبر، الاحتلال..وناجي «نبيّ» الخطوط السوداء، هو الذي أطلق ريشته تطارد دولة الاحتلال، وتسخر في نفس الوقت من المواقف العربية، ومن الترهل والانكسار والعجز العربي !!

عبقرية «ناجي العلي»، خلقت من ريشته «سلاحا» يطارد دولة الاحتلال..و«فكرا» يعرّي الكثيرين داخل ساحتنتا العربية.. و«رؤية فلسفية» تخاطب وجدان المواطن العربي.. حتى جاءت النهاية على يد شاب مجهول، أطلق عليه النار يوم 22 يوليو/ تموز عام 1987 فأصابه تحت عينه اليمنى، ومكث في غيبوبة حتى وفاته في 29 أغسطس/ آب 1987، ودفن في لندن، في مقبرة بروك وود الإسلامية، وقبره يحمل الرقم 230191، رغم طلبه أن يدفن في مخيم عين الحلوة بجانب والده وذلك لصعوبة تحقيق طلبه.

 

ولم تعرف الجهة التي كانت وراء الاغتيال على وجه القطع، ولكن «مارغريت تاتشر»، رئيسة وزراء بريطانيا ،حينذاك، قامت بإغلاق مكتب الموساد في لندن.

دخلت رسومات ناجي العلي  حقبة من الشفافية، فلامس كل الأطراف من الأعداء المعلنين إسرائيل وأمريكا، إلى جانب قائمة  الاستبداد العربية، وكل من يعادى فلسطين والعرب، فرسم عن الديمقراطية، والفقر، والمخيمات، والمعتقلين الفسطيينين، والخلافات العربية، والخلافات الفلسطينينة، وابتكرعدة رموز وشخصيات يحاكى بها واقع شعبه.. وكانت أبرزها «حنظلة» و«فاطمة»:

الرمز الكبير في شخصية «حنظلة»

ويقول ناجي العلى في تعريفه وعلى لسان حنظلة: «عزيزى القارئ اسمح لى أن أقدم لك نفسى.أنا وأعوذ بالله من كلمة، أنا اسمى: حنظلة.. اسم ابى مش ضرورى.. أمى اسمها نكبة.. واختى الصغيرة فاطمة..نمرة رجلى ما بعرف لانى دايما حافى، تاريخ الولادة: ولدت في 5 حزيران 1967 جنسيتى: انا مش فلسطينى، مش اردنى، مش كويتى، مش لبنانى، مش مصرى، مش حدا.. باختصار معيش هوية ولا ناوى اتجنس، محسوبك انسان عربى وبس».

 

ويعقد حنظلة يديه خلف ظهره فلا حول ولا قوة له فيما يحصل في البلاد، لكنه يسجل حضوره اليومى في أنه مايزال فيه نفس المقاومة والروح النضالية والتحريض على رفض هذا الواقع الاستسلامى.. وقد جاء اسمه من المرارة..وأصبح حنظلة رمزاً للصمود والاعتراض على ما يحدث.. وبقي بعد ناجي العلي ليذكّر الناس بناجي العلي.

«حنظلة»، طفل صغير في العاشرة من عمره، خلق في الكويت، ليحافظ عليه ناجي العلي، رمزًا لذاته، ليذكره أنه ابن المخيم الصغير، يحمل عمر خروجه من بلاده فلسطين، فالسنوات لا تمر قربه في بلاد اللجوء، وهو تعبير ذاتى عن ناجى العلى، فهو استثناء، كما فقد الوطن استثناء.. كان حاضرا دوما في رسومه.. شاهدا على الوقائع التي تدور حولنا.. وكان توقيعه الدائم وهو يدير ظهره دوما لنا رفضًا للحلول الخارجية.. يرمز للصبر والمعاناة في حياة كل فلسطينى.. كما أنه لم يعد يحمل هوية فلسطينية أو عربية، بل صارت هويته إنسانية، وهو يشكل ضمير واعى، ودائما موجود في الذاكرة الفلسطينية.

فلسفة حنظلة

ابتدع ناجي العلي  شخصية «حنظلة» في الكويت عام 1969 في جريدة السياسة الكويتية، وأدار ظهره في سنوات ما بعد 1973 وعقد يداه خلف ظهره، وأصبح حنظلة بمثابة توقيع ناجي العلي على رسوماته.

لقي هذا الرسم وصاحبه حب الجماهير العربية كلها وخاصة الفلسطينية لأن حنظلة هو رمز للفلسطيني المعذب والقوي رغم كل الصعاب التي تواجهه.. فهو دائر ظهره «للعدو».

 

وعن حنظلة يقول ناجي: ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائماً في العاشرة من عمره، ففي ذلك السن غادر فلسطين، وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة، ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه، لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء..حنظلة هو بمثابة الأيقونة التي تحفظ روحه من الانزلاق، وهو نقطة العرق التي تلسع جبينه إذا ما جبن أو تراجع.

وعندما سُئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب: عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته.

فاطمة.. لا تهادن ولا تساوم

والرمز الثاني الأبرز في رسومات ناجي العلي، هي «فاطمة»،  وهي المرأة الفلسطينية القوية التي لا تهادن، ولا تساوم ، وتقاوم  فلسفة المقايضة ( التاريخ والجغرافية مقابل السلام)..فاطمة  لها عنفوان، وتحمل رؤى شديدة الوضوح فيما يتعلق بالقضية، وهى ذات ردود قاطعة وغاضبة.. وهى المقاومة، والمرأة الشامخة ذات الوجه المدور والعينين الواسعتين، حافية القدمين، تتجول وهى ترضع ابنها حب الوطن، وتدفع زوجها وأولادها إلى تحرير الوطن والاستشهاد في سبيله، وهى رمز للمناضلات العربيات، فهى تلعن أمريكا وسط بيوت الصفيح في مخيم عين الحلوة بينما يصرخ بها زوجها «الرجل الطيب» يحذرها بأن تتوقف حتى لا يتهموها بالشيوعية.

 

وفى رسم آخر يقول الزوج: «سامحنى يا رب بدى أبيع حالى لأى نظام عشان أطعمي ولادي»، فترد عليه فاطمة: «الله لا يسامحك على هالعملة».

أو مثلاً الكاريكاتير الذي تحمل فيه فاطمة مقصاً وتقوم بتخييط ملابس لأولادها، في حين تقول لزوجها: (شفت يافطة مكتوب عليها «عاشت الطبقة العاملة» بأول الشارع, روح جيبها بدي أخيط كلاسين للولاد).

 

وحين ضاقت عليه مساحة «التعبير بديمقراطية»، في لبنان، والكويت، رحل إلى لندن حيث عمل في صحيفة «القبس» الكويتية، وفى اليوم الموعود، وهو في طريقه للصحيفة بحى نايتسبريدج اللندنى، اقترب منهُ رجل من الخلف وأطلق عليه رصاصة من مسدس كاتم للصوت،  ومات ناجى العلى برصاصةٍ صامتة، رغم أنه كان ينادى دومًا في رسوماته أن «لا.. لكاتم الصوت» !!

اغتيل ناجي سليم العلي بسبب خطوطٍ سوداء بسيطة، كان يخطّها على الورق، تجسد كلّ حالةٍ يمرّ بها الوضع العربي، ويمرّ بها الصراع  على أرض فلسطين التاريخية  المحتلة..ولا تزال رسومه «الكاريكاتورية»  حتى الآن ـ وربما لزمن طويل آت ـ تعبر عن الواقع الراهن، وتفتح جراح «المواجع» العربية..كأنّها تصف عالمًا حديثًا نعيشه الآن.

وفي حقيقة الأمر.. لا يختلف ناجي العلي (الذي خطّ أكثر من 40 ألف رسم)، عن معلّمه غسّان كنفاني.. فكلاهما من نفس طينة فلسطين التي أخرجت هؤلاء المقاتلين بالريشة والقلم، وكلاهما هاجرا إلى لبنان، والكويت ، وكلاهما كان من أبناء المخيم، إلى حين التقى (أبو فايز كنفاني) بناجي، في مخيم عين الحلوة، ليرى رسوماته، وليعلم أنّه اكتشف كنزًا جديدًا وإرثًا عظيمًا سيخلّد للثورة الفلسطينية.

ناجي سليم حسين العلي (1937 ـ 29 أغسطس 1987)، ولد في قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة، هاجر مع أهله عام 1948 ، وهو في العاشرة من عمره ، إلى جنوب لبنان وعاش في مخيم عين الحلوة، ومنذ ذلك الحين لم يعرف الاستقرار أبداً، فبعد أن مكث مع أسرته في مخيم عين الحلوة، اعتقلته القوات الإسرائيلية وهو صبي لنشاطه، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها.. ثم تم اعتقاله أكثر من مرة في ثكنات الجيش اللبناني، وكان هناك أيضاً يرسم على جدران السجن.

 

في سنة 1963 سافر إلى الكويت ليعمل محرراً ورساماً ومخرجاً صحفياً فعمل في الطليعة الكويتية، السياسة الكويتية، السفير اللبنانية، القبس الكويتية، والقبس الدولية.

في 30 أغسطس/ آب 2017، وبعد 30 عاماً على رصاصات الغدر التي اغتالت «الريشة البندقية»، أعلنت الشرطة البريطانيّة فتح التحقيق مُجدداً في قضية الاغتيال، ثم لف الصمت كل شيىء، رغم أن أيادي الموساد لم تكن خافية في العملية الإرهابية، خاصة وأن ناجي العلي كان ينتمي إلى حركة القوميين العرب التي قامت إسرائيل باغتيال بعض عناصرها..كما تشير بعض المصادر أنه عقب فشل محاولة الموساد لاغتيال خالد مشعل في العاصمة الأردنية، عمّان، في 25 سبتمبر / أيلول 1997  قامت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية بنشر قائمة بعمليات اغتيال ناجحة ارتكبها الموساد في الماضي وتم ذكر اسم ناجي العلي في القائمة.. ونقلت معلومات إلى رئيسة الحكومة البريطانية ـ وقتئذ ـ مارغريبت تاتشر، أن السلطات الإسرائيلية كانت على علم مسبق بعملية الاغتيال، مما أثار غضبها، وقامت بإغلاق مكتب الموساد في لندن !!

بقي أن أقول..إن المبدعين لا يرحلون..ستظل أرواحهم تحوم حولنا بما أعطوا وأبدعوا، وبمقدار ما كانت إبداعاتهم تحرّض على الكبرياء والنضال، وترفض الانحناء والانكسار، بل وتستشرف لنا المستقبل..وكان الفنان صاحب «الريشة البندقية» ناجي العلي واحدا من هؤلاء الذين لا يعرفون الموت..وبقيت رسوماته الكاريكاتورية توجعنا بالدموع والضحكات حتى اليوم، وبقيت كلماته القليلة أيضا، ترسم روح فيلسوف حارب روح الانهزامية العربية، وسخر من بطش عدوه (دولة الاحتلال)، وتحدى الصمت العربي «الرسمي»، وعرف زنزانات السجون، التي رسم على جدرانها شهادات إدانة للواقع العربي بلوحات فنية تميزت بالنقد اللاذع الذي يحرك الانتباه العربي.

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]