أغرق نفسه في العمل الشاق حتى النهاية.. أسباب توقف قلب (ناصر) قبل 52 عاما

كان رحيل زعيم الأمة العربية «الاستثنائي» جمال عبد الناصر، على موعد مع التساؤلات : كيف حدث هذا؟ لماذ توقف قلب عبد الناصر؟ هل الوفاة طبيعية؟ هل هناك شكوك؟ وعشرات التساؤلات انفجرت داخل الوطن العربي  مع رحيل زعيم كان فتيا شامخا لم يتجاوز 52 عاما.. وحتى وضع أطباء الزعيم الإجابة واضحة وقاطعة: توقف قلب الزعيم إثر نوبة قلبية حادة.

  • ويقول لكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل ـ وكان  من أقرب الناس إلى الرئيس جمال عبد الناصر: لم تكن تلك هي النوبة القلبية الأولى التي تصيب جمال عبد الناصر! حيث كان قد تعرض لنوبة قلبية في شهر سبتمبر/ أيلول  من العام السابق أيضًا؛ لكن يومها وحرصًا على الاستقرار في البلد، تم الاتفاق على الإعلان عنها بأنها نوبة أنفلونزا. وإثر تلك النوبة الأولى قضى جمال عبد الناصر ستة أسابيع في الفراش، ونصحه الأطباء بعدم إجهاد نفسه؛ لكن جمال عبد الناصر كان شخصية عنيدة ، فما إن نهض من فراشه، بعد انتهاء الأسابيع الستة، حتى أغرق نفسه في العمل الشاق. ولم يمكن لعبد الناصر أن يتغافل الظروف السياسية والعسكرية التي كانت مصر تعيشها وأيضًا العالم العربي.

 

شغلته هموم الأمة العربية عن تدهور صحته

وسافر جمال عبد الناصر إلى الاتحاد السوفيتي.. وهناك فحصه طبيب القلب الروسي الشهير «شازوف»، وقال له: سيدي الرئيس.. إنني أتابع من بعيد برامج عملك.. وأعرف أنك كنت أخيرًا في ليبيا وفي السودان.. وأعرف أنك تعمل أكثر من أربعة عشر ساعة في اليوم.. واسمح لي سيدي الرئيس أن أقول إن هذا خطر عليك.. وإنني أحذرك من استمرار هذا الوضع! لكن عبد الناصر لم يكن يهتم بصحته كثيرًا.. وكان في ذهنه أشياء تشغله عن الاهتمام بنفسه..وما إن عاد إلى القاهرة حتى انغمس في العمل الشاق المستمر.. واللقاءات والاجتماعات التي لا تنتهي!

تم منعه من السجائر «متعته الوحيدة»

وفي شهر يوليو/ تموز سنة 1968 كان على موعد للسفر إلى موسكو، واقترح عليه الأطباء بأن تكون تلك فرصة.. يدرس معهم الأطباء السوفيت فيها حالته..وذهب إلى مستشفى بربيني، وأجري له كشف كامل،  وعاد من المستشفى ليقول: لقد وجدوا أن هناك تصلبًا في شرايين الساق، من أثر مضاعفات السكر.ثم استطرد ضاحكًا: ليس هذا أسوأ شيء.. أسوأ شيء أنهم طلبوا مني الامتناع عن التدخين إلى الأبد، لقد أطفأت آخر سيجارة أمام الطبيب، ووعدته ألا أشعل غيرها بعد ذلك، واستطرد يقول باسمًا: وكأنني عندما أطفأت آخر سيجارة، ودعت صديقًا عزيزًا على.. كانت السجائر هي الترف الوحيد الذي أستمتع به.. والآن منعت هي الأخرى. وقال: طلبوا مني أن أعود في ظرف أسبوعين للعلاج بالمياه الطبيعية في بلد اسمه «تسخا لطوبو» في جورجيا.. ثم أدوية جديدة، وأخيرًا النصائح التقليدية عن ساعات العمل المحدودة والإجازات المتكررة.

  • وعاد ناصر إلى القاهرة.. وحضر المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي.. ورتب نتائج محادثاته في موسكو.. ثم ذهب إلى «تسخا لطوبو» لثلاثة أسابيع من العلاج الطبيعي.. ثم عاد إلى مصر لأسبوعين قضاهما في الإسكندرية. ولم تكن الآلام قد زالت، بل إن بعضها اشتد، وكان ذلك ما توقعه الأطباء السوفيت.. كرد فعل للعلاج بالمياه الطبيعية المشعة.. وكمقدمة لابد أن يجيء بعدها التحسن التدريجي.

أحداث ساخنة في العام 1969

وفي بداية سنة 1969، كانت الآلام قد خفت كثيرًا عن ذي قبل كما كان يتوقع الأطباء، وكان الرأي السائد بينهم. هو أن هذه الآلام سوف تختفي تمامًا. إذا عاد  إلى « «تسخا لطوبو» مرة ثانية في صيف 1969. وكان هو مقتنعًا تمامًا بالذهاب في الموعد المحدد في شهر أغسطس/آب 1969. وكان ربيع 1969 وصيفها من أكثر الفترات عملًا وانشغالًا في حياته.. كانت معارك المدفعية قد بدأت، وبدأت عمليات العبور الجسورة.. وكان يتابعها ليلة بليلة.. ويعرف اسم كل مجموعة ويسأل قبل أن ينام عن عودتهم وعن الخسائر فيهم.ثم أعلن بدء حرب الاستنزاف في يوليو/ تموز سنة 1969 واشتدت المعارك على الجبهة المصرية، ثم تأثر بطريقة لا يمكن أن يتصورها أحد لحريق المسجد الأقصى في 21 أغسطس/ آب من نفس العام.

  • وحين طرح أمامه في تلك الظروف موعد زيارته الثانية إلى «تسخا لطوبو»، لكي تنتهي الآلام، أشار بتأجيل الموعد إلى شهر سبتمبر/ أيلول، حتى تكون الظروف قد تكشفت، ومع أن الآلام بدأت تعود إليه حادة مرة أخرى، فإنه لم يتعجل الذهاب للمرة الثانية.. لأنه – كما قال للأطباء المرافقين له ، للدكتور منصور فايز، وللدكتور الصاوي حبيب:لا أستطيع أن أترك أولادنا هنا يموتون.. وأذهب أنا للعلاج في موسكو.

«الصوت الثالث» في قلب الرئيس

كان الألم يستحكم إذا مشى أكثر من عشر دقائق..وإذا جلس ثابتا في مكانه أكثر من ساعة..ولكنه كان يمشي بدون حساب للدقائق.. وكان يجلس ثابتًا في مكانه بدون حساب للساعات! ومع ذلك فإن أي عناء لم يستطع أن يحجب ابتسامته الدائمة للناس، أو أن يقيد روحه المرحة..وجاء يوم 11 سبتمبر/ أيلول 1969.. وكان يشعر بإرهاق شديد مصحوبًا بنوع من الدوار.. ولذلك فقد دعا الدكتور الصاوي ليكشف عليه.. وكانت المفاجأة كبيرة، فقد اكتشف الطبيب فجأة والتمائم موجودة على صدر عبد الناصر.. أنه يسمع ما يسمونه في «طب القلب».. «الصوت الثالث»،هناك إذن طارق جديد ألم بالقلب!

  • وتمالك الدكتور الصاوي نفسه.وقال: سيادة الرئيس.. أرى أن تقوم بعمل رسم للقلب.. يكون معنا ونحن في موسكو..وأجري رسم القلب..وخرج الدكتور الصاوي بالجهاز يقرأ نتيجة الرسم.. خارج غرفة نوم عبد الناصر.. وذهل لما رأى..كان مرسومًا أمامه.. صورة جلطة وانسداد في فرع الشريان الأمامي للقلب،.وبدأ يقول له الحقيقة تدريجيًا.
    ثم يطلب منه في النهاية أن يبقى في الفراش بغير حركة لمدة ثلاثة أسابيع. وبعدها يعاد بحث الأمر على ضوء التطورات الصحية!

ويقول «هيكل»، كان تساؤلنا: لماذا لا نجيء بأكبر أطباء القلب السوفيت؟ وطارت رسالة سرية عاجلة إلى موسكو..وجاء الدكتور شازون وزير الصحة في الاتحاد السوفيتي.. وهو نفسه أكبر خبراء القلب، ومعه مجموعة من صفوة الأطباء. وأجرى الكشف.
وكانت النتيجة نفس النتيجة! والعلاج نفس العلاج.. الذي اقترحه وطبقه الأطباء المصريون وقبل أن يعود شازوف إلى موسكو ذهب إلى زيارة عبد الناصر.. كان كل ما يطلبه منه هو الراحة..وقال الرئيس لشازوف: كان مقررًا أن أجيء إلى تسخا لطوبو لأستكمل الصراع لآلام التهاب الشرايين..قال شازوف: سيدي.. لم تعد تستطيع أن تجيء إلى تسخا لطوبو. لأن القلب لا يتحمل العلاج بالماء الطبيعي. إنما بعد مرور خمس سنوات على الأقل!

 

لا يملك رفاهية قضاء إجازة

وسكت عبد الناصر لحظة.. عرف وقتها أن عليه أن يتحمل القلب وأن يتحمل آلام التهاب الشرايين في نفس الوقت فالتطورات لم تتركه يستريح! فقد بدأت غارات العمق ولا يمكن لأحد أن يصف شعوره عندما كانت تصله الخسائر بين المدنيين خصوصًا بين الأطفال.. الذين كانوا أحب شيء في الوجود إلى قلبه.. وقرر أن يسافر إلى موسكو. وحينما عرف الدكتور الصاوي بقرار السفر.. دخل عليه والجد كله على وجهه. وقال له: سيادة الرئيس.. هل صحيح خبر السفر إلى موسكو! قال الرئيس عبد الناصر: نعم.
قال الدكتور الصاوي: إن هذا مستحيل.. لأن الأنفلونزا لم تتحسن.. ودرجة الحرارة في موسكو كما عرفت ست وثلاثون تحت الصفر! قال الرئيس وهو يضحك: إننا لسنا ذاهبين للتزحلق على الثلج.. ولكن للعمل.. وقاعات الاجتماعات مدفأة. وقال الدكتور الصاوي: إنني أرى أن الإجازة الآن ضرورية قبل أي شيء آخر..وسكت عبد الناصر فترة.. الدكتور الصاوي واقف أمامه صامتًا ينتظر الرد..وجاء الرد من عبد الناصر بقرار مفاجئ: يا دكتور.. من الذي يعطيني هذه الإجازة؟ واحتار الدكتور الصاوي: ووجد نفسه ينطلق قائلًا: الطب يا سيادة الرئيس! هز الرئيس رأسه..وقال: الطب لا يستطيع الوقوف أمام الموت !! وحزم الدكتور منصور فايز حقائبه..ووضع نفسه على طائرة الرئيس إلى موسكو.

 

انغمس في العمل الشاق المستمر

وعاد عبد الناصر من موسكو إلى القاهرة..ثم إلى أسوان لموعد مع الرئيس تيتو.. وحاول أن يقنع كل المحيطين به «فإنني بعد أن يسافر تيتو.. سأبقى بضعة أيام في أسوان».. وسافر تيتو.. وبدأ الرئيس يستعد لأسبوع إجازة، ولكن عم عبد الناصر توفي في اليوم الثاني في الإجازة المرتقبة! وركب عبد الناصر قطارًا من أسوان إلى الإسكندرية لتشييع الجنازة وعاد بعد ذلك إلى القاهرة..وكان تركيز إسرائيل قد بدأ على الجبهة المصرية بعنف حقود.

  • وما إن عاد إلى القاهرة حتى انغمس في العمل الشاق المستمر.. واللقاءات والاجتماعات التي لا تنتهي! ولم يرض كل من حول عبد الناصر ويعرفون حقيقة مرضه وصحته بذلك.. فألحوا عليه كثيرًا.. حتى وافق أخيرًا على أن يذهب في إجازة إلى مرسي مطروح. وسافر عبد الناصر بالفعل إلى مطروح.. لكن الإجازة انتهت في نفس يوم وصوله إليها! فقد انفجرت في نفس اليوم أزمة الأردن والمقاومة الفلسطينية.. وطار إليه من ليبيا في نفس اليوم معمر القذافي. وقطع عبد الناصر إجازته التي لم ينعم بها وعاد إلى القاهرة من أجل مؤتمر الملوك والرؤساء العرب.

سباق مع الموت

وكان عبد الناصر في حالة نفسية سيئة بسبب نزيف الدم العربي في الأردن، وبذل جهدًا كبيرًا في مؤتمر الملوك والرؤساء العرب لوضع حد لهذه الكارثة، وعندما طلب منه بعض الأصدقاء أن يراعي الجهد الخرافي الذي يبذله في المؤتمر. قال لهم: هناك رجال ونساء وأطفال يموتون.. نحن في سباق مع الموت! وطوال تسعة أيام ضغط عبد الناصر على جهده وأعصابه وفكره لوقف نزيف الدم في الأردن.. حتى تم توقيع اتفاق القاهرة

 

 

الليلة الأخيرة

وفي ليلة انتهاء المؤتمر.. غادر عبد الناصر فندق هيلتون – مقر المؤتمر – في نحو الساعة العاشرة مساءً بعد توقع الاتفاق. وكان لحظتها يشعر بإجهاد شديد.. لكن في الليلة نفسها قام بتوديع معمر القذافي وقضى حتى الفجر يتابع عمل لجنة الرقابة، التي كانت قد سافرت إلى الأردن برئاسة السيد الباهي الأدهم، وكان حريصًا على توفير كل الضمانات لتحقيق الهدف.. ووضع الاعتمادات المالية اللازمة تحت تصرف اللجنة.. وتوفير معدات اتصالات لاسلكية لها مع القاهرة.. وانتهت الليلة العصيبة.
وبزغ نهار اليوم الأخير في حياة جمال عبد الناصر!

كان على عبد الناصر أن يودع الملوك والرؤساء الذين سوف يغادرون القاهرة..  ولم يسترح بعدها طويلًا، فما لبث أنه غادر البيت في الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرًا إلى مطار القاهرة.وهناك شعر بالتعب عقب وداعه أمير الكويت. وطلب أن تحضر إليه سيارته حيث يقف على أرض المطار..وحينما وصل إلى البيت.. وهو في طريقه إلى حجرة نومه. سأل عن السيدة قرينته.وسألها: هل تغديتي؟ قالت له: كنت في انتظارك.. قال لها: أشعر أنني لا أستطيع أن أضع في فمي شيئًا. وظلت معه حتى خلع ملابسه واستلقى على الفراش..وشاهدته يدق الجرس ويطلب الدكتور الصاوي حبيب طبيبه المقيم. وغادرت قرينة الرئيس الغرفة فور حضور الدكتور الصاوي.

  • وروى الدكتور الصاوي، طبيب الرئيس الخاص، اللحظات الأخيرة لوفاة جمال عبد الناصر بأنه طلب حضوره فورا ، وذهب على الفور فوجده مريض للغاية وتناول كوب من العصير وملقى على السرير في حالة متأخرة وعليه مظاهر عرق والنبض سريع للغاية والأهم إصابته ببرودة الأطراف وهي علامة سيئة للغاية في حالته، قد تؤدى للوفاة ولكن مارس عمله خاصة وأن الغرفة مجهزة طبيا وبدأ يتحسن فطلب سماع نشرة الأخبار في الإذاعة ثم سقط فجأة متوفى.

وكانت النهاية.. نهاية حياة زعيم عربي عظيم.. لا يزال حيّا في قلوب الجماهير !!

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]