أكرم عطاالله يكتب: عندما ترَيَّفت مدن العرب حدث الصدام

على نمط ربيع براغ، أطلق العرب على الأحداث التي هزت الإقليم منذ بداياتها بالربيع العربي، على أمل أن تزهر مدنا غمرها المحل لسنوات أو لعقود حكم فيها الهواة والعائلات هذه الأوطان فحولوها إلى ما يشبه الملكية الخاصة، وتحولت الناس إلى ما يشبه العبيد على حافة الفقر الاقتصادي والسياسي والإنساني وحافة فقر الحريات العامة، زعماء وصلوا السلطة بالصدفة أو بانقلابات سادت المنطقة في العقود الماضية عندما كانت القوة العسكرية وحدها تحدد الوصول للسلطة بعيدا عن الشعب.

لم تقاد العواصم العربية بعقل حداثي ولم يكن المفكرون والعلماء جزءا من طواقم القيادة ولا مراكز دراسات يستند إليها الزعماء، وفي عصر الصراعات على السلطة ساد نمط التعيينات وفقا لأولوية الولاء لا الكفاءة حتى لا تحدث انقلابات مضادة وللمصادفة ساد نمط من الحكام تعود أصولهم للأرياف مثل صدام حسين وجمال عبد الناصر وحافظ الأسد أي العواصم العربية الكبرى.

بقلم ـ أكرم عطاالله

أدى ذلك إلى استدعاء المقربين والموالين من أبناء الريف للحكم وجرى إبعاد أبناء المدن وفي هذا ينبغي القول أن ثقافة الأرياف هي ثقافة تنميطية أي نمط واحد وهي أقل قبولا للآخر أو بمعنى أن العقل الريفي أكثر إقصائي من العقل المديني، الذي تكون في أجواء أكثر تعددية توفرها ضرورات المدينة وتكامل الحياة فيها بدء من رجال الحكم وصولا للخدم والعمال أما الريف فكله نمط مزارع واحد.

والأهم من ذلك أن هذا النمط من الزعماء اهتموا بمركزة كل السلطات والصلاحيات في العاصمة تحت أيديهم وجرى تركيز التنمية في العواصم وتم إهمال القرى وقد أدى ذلك إلى هجرة هائلة على مدار العقود الماضية من الهوامش إلى المدن لتصبح المدينة بأغلبية ريفية، وهكذا جرى تشويهها وترييفها دون الاهتمام بتطوير الريف ومناطق الهامش، التي أصبح بينها وبين المدينة فارق هائل في الثقافة والوعي والخدمات وبفعل التحول الديمغرافي في المدن وهجرة الأرياف تدنى مستواها وأصبحت غير قادرة على تقديم الخدمات لكل هذه الكتلة البشرية وهذا جسده الروائي الكبير علاء الأسواني في رائعته “عمارة يعقوبيان” التي دارت أحداثها في بناية سكنية في قلب القاهرة كانت تسكنها الطبقة الراقية فأصبح سطح العمارة مع التحولات الى بيوت للدجاج بعدما اعتلاه أبناء الأرياف.

تعيينات الموالاة للأقارب وأبناء الريف كان هدفها الحفاظ على الحكم والخوف من المؤامرات وبهذا تحول استقرار النخبة الريفية الحاكمة إلى أولوية قصوى تراجعت خلالها باقي أولويات الدولة وبناءها ومؤسساتها وخدماتها، وقد أدى الازدحام الحاصل في المدينة بسبب الهجرة المضطردة وقلة الموارد إلى ازدياد الفارق بين سكان المدينة نفسها بين نخبة مستحدثة عطشى للسلطة والمال وبين كتلة بشرية هائلة تبحث عن عمل وسكن وتعيش على هامش المدينة.

بين هاتين الطبقتين الريفيتين واحدة حاكمة والأخرى محكومة كان الصراع يختمر تحت السطح طوال العقود الماضية تزامنا مع ازاحة النخبة المدينية عن الحكم والحياة العامة، تلك الطبقتان مسلحتان بثقافة الإقصاء كان لا بد وأن يحدث التصادم وكان على الحوار أن يتنحى جانباً لصالح صدام هو الأكثر قسوة لأنه دار بين أبناء الأرياف في مراكز المدن وهذا ما يفسر استمراره بالرغم من دمار المدن وخرابها وتدمير الأوطان.

في دول الغرب لا يجد المواطن فارقا في الخدمات حتى في المناطق النائية، سواء في العمل أو الكهرباء أوالتعليم أو الصحة حيث تقدم الخدمات الصحية تماما بنفس مستوى المدينة والبنية التحتية والمواصلات ولا يحتاج المواطن في القرى إلى رحلة سفر لاتمام معاملة حكومية، لأن الدوائر الحكومية البعيدة مخولة بصلاحيات العواصم ومستواها فيما أن مركزة الدوائر الحكومية في المدن جعلت المواطن العربي بمنأى عن تسهيل معاملاته.

في إسرائيل حيث تشكلت حكومة نتنياهو الأخيرة قبل عامين عينت نائب رئيس حزب البيت اليهودي “أوري أرئيل” وزيراً “للزراعة وتطوير الريف” لاهتمامها بالمناطق البعيدة ولعدم تشجيع الهجرة للمدن ولتقديم أفضل الخدمات في تلك المناطق، ففي إسرائيل يشارك علماء الاجتماع وغيرهم في صناعة السياسة، أما في العالم العربي فتلك حكر على زعيم عابر وأقاربه وأصدقائه من الموالين هكذا تحطم العالم العربي وتراجع طبعا، بالإضافة لأسباب أخرى لها علاقة بالموروث العنيف والتراث الثقافي الصحراوي أزمة المدينة العربية كانت واحدة من أسباب الانفجار في الإقليم، والتي يجب قراءتها بهدوء ليصبح السؤال كيف يمكن تطوير الريف بدلا من ترييف المدينة، الصين بدأت في السنوات الأخيرة بنقل كبرى المصانع بعيدا عن المدن بمئات الكيلومترات نحو القرى لتوفير فرص وكي تمنع الهجرة نحو المدينة حتى تحافظ على نموها واستقرارها، هكذا يفكرون في العالم فيما نحن العرب مشغولون فقط باستقرار الحكم وليس الدولة وعندما تهتز الدولة يتبخر الحكم..!!

للتواصل مع الكاتب

Atallah.akram@hotmail.com

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]