أكرم عطا الله يكتب.. الجزائر درس جديد..!!
قبل حوالي سبع سنوات كنت قد التقيت برئيس اتحاد الطلاب الجزائريين حينها كانت عواصم العرب تشتعل على أمل أن تصنع ربيعها، سألته هل سيصلكم الربيع العربي؟ أجاب ببرود أعصاب شديد بالتأكيد لا فقد شبعنا من الدم والشعب الجزائري قد تعلم درساً لن ينساه من العنف وقد رست الجزائر بعد أنهار من الدماء التي سالت من أجل السلطة على شاطئ السكينة ولن نعود لتلك الحقبة المظلمة يقصد العشرية السوداء في تاريخ هذا البلد العربي.
فاجأنا الشعب الجزائري حين خرج بمئات الآلاف في الشوارع لحظة إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رغبته بالترشح لولاية خامسة وهو الرئيس المريض على كرسي متحرك منذ الولاية الرابعة وشبه الغائب عن الحكم لكن الشعب هذه المرة تحرك بمسئولية وبشكل حضاري يبدو تحت تأثير سنوات الظلام والحقيقة أن الجيش الجزائري أيضاً كان يتصرف بذكاء هذه المرة محاولاً تجنب الاحتكاك بالشعب وقد نجح وهو يلتقط زمام المبادرة في اللحظة المناسبة ليعلن قائد الجيش قبل أن تنفلت الأمور ضرورة تنحي الرئيس أو إعلان عجزه عن ممارسة مهامه تحت إصرار الجزائريين على عدم تمرير الولاية الجديدة للرئيس.
رئيس الأركان أحمد قايد صالح وهو أحد أبرز الموالين للرئيس بوتفليقة والذي كافأه الرئيس بمنصب نائب وزير الدفاع حيث أن هذا المنصب ظل بيد الرئيس وفي ظل حالة الفقر التي تشهدها الجزائر ارتفعت موازنة الجيش كمكافأة لصالح واتسعت صلاحياته وهو ما جعل الشارع لا يثق كثيراً برئيس الأركان باعتباره واحداً من أهم أركان الحكم الذي يجب أن يرحل وهو شعار رفعه الجزائريون عندما اكتشفوا قوتهم في الشارع ارتفع السقف لما هو أبعد من الرئيس نحو النظام كله وهو ما التقطه رئيس الأركان مضحياً بالرئيس ومساعديه ومنهم شقيق بوتفليقة السعيد الذي تم اكتشاف دوره الكبير في قيادة الجزائر من خلف الستار أو من خلف منصب أخيه عبد العزيز.
الرئيس بوتفليقة واحداً من أهم رجالات الثورة الجزائرية التي حاربت الفرنسيين وهو أحد أبطال جبهة التحرير الجزائرية وقد عين وزيراً للخارجية بعد الاستقلال ولم يكن يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره وهو رجل قومي عروبي لن ينسى الفلسطينيون كلمته وهو يؤبن صديقه الرئيس هواري بو مدين عندما كان يخاطب الجثمان قائلاً “بومدين ستبكيك كل نساء فلسطين”.
هنا كلمة السر بين فلسطين والجزائر فقد ظل الجزائريون شعباً وقيادة مسكونون بالهم الفلسطيني ولم يتغير موقفهم برغم تغير الزمن والانهيار العربي ظلت الجزائر وقيادتها بمنأى عن التطبيع الذي تزحف إليه بعض الدول على خجل أوالتقرب لإسرائيل والولايات المتحدة وظلت من بين الدول القليلة الأكثر دعماً للقضية الفلسطينية سواء بالدعم المالي الذي لم تتأخر فيه الجزائر عن دفع حصتها رغم أكثر من قرار للولايات المتحدة بمعاقبة الفلسطينيين أو حتى بالدعم الشعبي الذي عبر عن نفسه أكثر من مرة آخرها رفع علم فلسطين في التظاهرات الأخيرة.
لكن هذا الرئيس الذي يكن له الفلسطينيون كل الاحترام وأغلب الظن أن الجزائريون في ولاياته الأولى وضعوه في حدقات عيونهم فهو المجاهد الثوري والخطيب المفوه والأهم بالنسبة لهم رجل الوفاق الوطني الذي تمكن من إنهاء الكابوس الذي استمر عقدا كاملا، شهد ما يكفي من المذابح فقد تمكن بوتفليقة من إعادة جمع الجزائريين بعد أن بدا هذا الأمر مستحيلاً لكن الرئيس أعياه المرض ويغيب منذ سبع سنوات لم يسمع منه شعبه أي شيء فكان يجب أن يتنحى لوحده قبل أن يرى مشهد الاحتجاج ضده في الشوارع، إنها لحظة مهينة لا أحد ممن يحبون بوتفليقة كان يتمنى أن يرى تلك النهاية للرئيس الذي كان محبوباً يوماً ما يتحول إلى الرئيس المطرود أو المخلوع الرئيس الذي خرج شعبه لينتخبه بالإجماع يخرج شعبه رافضاً وجوده ليطرده بالإجماع.
هل يتعلم زعماء عرب تأبدوا في مقاعدهم أن هناك لحظة ينتهي فيها البريق الذي صاحب مجيئه ويتحول إلى عبء على الشعوب وحاضرها ومستقبلها عندما تشعر بالفقر والألم وانسداد الأفق؟ الشعوب بحاجة لإنجازات على الأرض وليس لخطابات معلقة في السماء ولا أحد يعيش على ماضيه وهو الدرس الذي لم يفهمه الكثيرون وأفاقوا على مشهد طردهم ورفضهم فلم يعرف مبارك اللحظة التي انطفأ فيها بريق أكتوبر والضربة الجوية أو القذافي الشاب الذي قاد ثورة على الملكية مهديا ثورته لعبد الناصر وكان محبوب الشعب الليبي قبل أن ينطفئ.
هل سيكتفي الجزائريون الذين تراقصوا في الشوارع أمس لحظة استقالة الرئيس بتلك الاستقالة؟ فقد كانت هي مطلبهم الأول ولكن أغلب الظن أن القوة النفسية التي اكتشفوها لحظة النزول للشارع ستغريهم للذهاب أبعد من ذلك والخوف على الجزائر لا زال قائماً، الأمل أن تعبر الجزائر بسلام وتنتخب رئيساً جديداً رغم التاريخ المجيد للرئيس الا أنها كانت تغرق في الفقر أكثر وهي من الدول الغنية بالغاز والنفط يمكن للجزائر أن تكون أفضل، الفلسطينيون يأملون ذلك…!!