أكرم عطا الله يكتب: حين تساقطت أوراق العرب في الربيع.. وماذا بعد؟؟
أخشى أننا لم نستفد من التجربة الأشد قسوة في العقد الأخير حين تحولت بلدان عربية الى مدن للموت والرحيل كانت تلك واحدة من أحداث التاريخ الصادمة بعد أن حكم العربي نفسه ليوغل في دمه بهذا الشكل في عصر الحريات واذ به يكشف عن ثقافة الموت المحزنة ما أن سمح لها بالخروج واذ بها تتسلح بالنار والبارود.
لقد خرج العرب أملاً بالربيع واذ بهم يجدون أنفسهم وسط خريف دامي ولأن الذين استعجلوا التحول في المنطقة لم يكونوا على دراية بأن الأمر يتطور بهدوء والمجتمعات تنضج على مهل وأن البيئة العربية لازالت تحمل عمق الثقافة الصحراوية القاسية الكفيلة بإجهاض تحول سريع بل تذهب لاتجاهات معاكسة كما حدث فكل شيء في غير أوانه يذهب لاتجاهات مضادة وهذا ما حصل.
أخشى أن تأخذنا التجربة الى استنتاجات معاكسة لحركة التاريخ كأن نستنتج أن الحكم العسكري أهون ألف مرة من محاولات تسريع دمقرطة المجتمعات العربية وهي نتيجة حقيقية وأحد خلاصات التجربة فلولا الجيش المصري أو الجيش السوري ربما لانهارت الدولتان أمام أعيننا وبين المقارنة تكون النتيجة لصالح الجيوش التي منعت الانهيار.
لكن التجربة ونقاشها الذي لم يبدأ بعد لدى المفكرين العرب الذين تآكلوا أو حتى انخفض صوتهم كثيراً نظراً لحالة الاستقطاب الحادة التي اجتاحت الاقليم ووضعتهم أمام ثنائيات لا ثالث لها إما هذا الطرف أو ذاك واختار الكثيرون أقل الخسارات فيما خيار الديمقراطية كان غائباً لأن النقاش أثناء سيل الدم هو ترف لا يمكن أن يكون.
الآن هدأت الموجة خرجت تونس سالمة ومصر كذلك إلا من سيناء وسوريا بقيت دولة لم تنقسم رغم الدمار الهائل الذي أحالها الى ركام وخسرنا ليبيا والى حد كبير اليمن ينبغي فتح النقاش بصوت مرتفع ما الذي حدث وكيف أنتج هذا العنف وأين كان كامناً ومن هم منظروا ثقافته ؟ فالخراب لم يكن خارجياً بل أن أبنائنا قتلوا أبنائنا، وأبنائنا دمروا بلداتنا ومدننا وأبنائنا تورطوا مع الخارج لخراب بلدانهم كيف؟ وكيف يقبل مواطن عربي أن يتواطأ مع دول أخرى لتخريب بلده؟ هل لغياب الانتماء والحديث عن الوطنية مجرد شعارات؟ أم أن الدولة الوطنية أوصلت المواطن الى هذا الشعور؟ أم لأن توربينات العنف يتم شحنها من قبل من أوجدوا لأنفسهم مكانة في المجتمعات العربية واستغلوا تلك المكانة لصالح تدمير الدول؟
الحقيقة أننا نحتاج الى نقاش الأمر باتجاهين الأول كيف يقبل المواطن العربي أن يخون بلده ويعمل ضدها وهنا نتحدث عن مجموعات وآلاف وتلك ظاهرة تستدعي النقاش والثاني حجم العنف الكامن لدينا بلا حساب ما هو مصدره الحقيقي وكيف تمكن من تجنيد مئات الآلاف لمهمة الخراب بل كان الأمر يدعو للدهشة حيث الفعل الناتج من هؤلاء كان مدعاة بالنسبة لهم للفخر والسعادة بلا خوف أو أي اهتزاز.
الخشية أن الزلزال الذي ضرب الاقليم وشارف على نهايته لم يحل أزمة الثقة بين التكتلات الاجتماعية العربية التي تناحرت ولم يجر نقاش أسباب التناحر وفكفكة عُقده الثقافية والتاريخية والنفسية ولا ثقافة التناحر وكيف تأصلت ولماذا فشلت الدولة في احتواء كتلها الاجتماعية ودمجهم ؟ وكيف تحالفت المعارضات العربية مع قوى خارجية بما يتجاوز الثقافة الوطنية وأين الخلل ؟ والأهم كيف يمكن الاستفادة من التجربة في احداث التحول الهادئ نحو ديمقراطية أصيلة تحافظ على مكونات الدولة ؟ وكيف يمكن اشراك المعارضات في النظم السياسية وأن تتحول الى ند للنظم وليس ندا للدولة وتسعى لتدميرها مع اول خلاف مع النظام ؟ وكيف نفرق بين النظام السياسي والدولة وذلك ما لا يعرفه المواطن العربي الذي يرى الدولة في النظام السياسي وللنظام السياسي.
تساؤلات كثيرة وكبيرة ينبغي البدء بالتفكير والبحث عن اجابات لها حتى لا تتكرر التجربة المأساوية وأيضاً حتى يقلع العرب نحو الدولة المدنية فإذا لم يفتح هذا النقاش الان بما يتطلبه من نبش للتاريخ ستكون ارتدادات ما حدث اسوأ من أحداثه الدامية لأن أسباب العنف هي أسباب أصيلة ستظل كامنة وستنفلت في أية لحظة ..!!!