أكرم عطا الله يكتب: ذكرى أوسلو .. هل وقعنا في الكمين..؟؟

لم يسر قطار أوسلو نحو المحطة التي خطط لها.. هذا ما كان يستدعي المراجعة مبكرًا، ولكن عندما تغيب ثقافة المراجعات ويتم استدراج الشعوب الى مسارات خارج سياق مصالحها ففي هذا ما ينبيء بانحدار كبير، وهذا ما حصل للفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم محملين بإرث أوسلو الثقيل الذي لم تعد قاطرة نظامهم السياسي قادرة على حمله، وتسير على غير هدى كأنها مأخوذة إلى طرق رسمها غيرها بدهاء شديد.

هكذا كان يهندس الاسرائيلي أوسلو مدشناً محطة البداية التي لا نهاية لها، محملاً بسوء النوايا أمام براءة الفلسطيني الذي اعتقد لانعدام خبرته أنه آن الأوان للدخول في مفاوضات بعد أن عجز هو وخصمه التاريخي على شطب كل منهما الآخر، ولا بديل عن تقسيم الأرض بما يتناسب مع موازين القوى، ولم يحلم في أسوأ كوابيسه أن الاسرائيلي كان  يتلاعب به، أو كما قال الرئيس الاسرائيلي السابق مهندس أوسلو شمعون بيرس للرئيس الفرنسي بعيد الاتفاق عندما سأله عما ستقدمون لياسر عرفات؟ أجاب بيرس: “ستكون عملية تدويخ للفلسطينيين ومفاوضات طويلة”.

واضح أن الفلسطيني الذي جاب العالم  وعواصمه داخ إلى أبعد الحدود وانغلقت خياراته بعد أربع وعشرين عاماً من توقيع الاتفاق، وتكفي الاتصالات الأميركية الفلسطينية الراهنة للمقارنة عما وصل اليه الفلسطيني، فقبل حوالي ربع قرن كان الفلسطيني يستقبل في صدر حديقة البيت الأبيض مزهوًا بإعادة البعث، تنفتح له الأذرع الأميركية، والآن يشترط رئيس البيت الأبيض لقاء الرئيس أبو مازن بعد القاء خطابه في الأمم المتحدة، كناظر مدرسة يريد أن يستمع ثم يقرر بناء على العلامات التي يضعها، وكأن لقاء الرئيس ترامب أصبح امتيازًا بعد كل هذه السنوات …تلك أزمة.

مأزق أوسلو الأول أنه اتفاق على البدء بمفاوضات لمدة خمس سنوات، تقوم بذلك سلطة مؤقتة، أي أنه اتفاق مؤقت ينتهي بفترة زمنية محددة وسط ادراك الجميع أنه بعد سنوات الخمس يصبح بقاء السلطة أمرًا مستحيلاً، ومع ذلك تحول هذا المؤقت الى دائم دون أن يتوقف الفلسطينيون أمام هذا المأزق الكبير، والذي بدا أن الاتفاق آخذ بالغرق في سنواته الأولى. والكارثة الأكبر أن قوى فلسطينية معارضة كانت تراقب غرق مركب أوسلو، واذ بها تلتحق به ليغرق الوضع الفلسطيني كله، وما يحدث حالياً هو تعبير عن ذلك.

لقد تواطأنا جميعاً بالصمت على تحويل المؤقت الى مزمن، قوي وفصائل ومفكرون ومثقفون وكتاب ومؤسسات،  كل المجتمع الفلسطيني كان يراقب الانحدار دون أن يسأل أحد سؤال الضرورة التاريخية في لحظة الهبوط، وكان الدم المسال في الانتفاضة الثانية يحاول التغطية على التساؤلات، بعد أن أدرك ياسر عرفات أن رياح السياسة أتت بما لا تشتهيه سفينة أوسلو.

المأزق الثاني نشأ مع فكرة وجود سلطة تحت الاحتلال تتحمل عبء متطلبات الشعب الفلسطيني، دون تحكم هذه السلطة بامكانياتها الاقتصادية، بل استمرار سيطرة اسرائيل على الاقتصاد الفلسطيني، فأبقاها سلطة تعتمد على جهتين للتمويل، الأولى محلية ما يعني تحميل المواطن الذي يخضع للاحتلال قدرًا من الضرائب أكبر من طاقته، في الوقت الذي هو بحاجة الى تعزيز صموده على أرضه، لأن مشروع التحرير لم ينجز والتمويل الآخر يأتي كمساعدات أو هبات من الخارج، وهذا له استحقاقاته السياسية والمتعلقة المشروع الوطني وشروط استمراره “شرط لقاء ترامب بالرئيس الفلسطيني نموذجًا” ذلك أحدث هبوطًا في سقف الخطاب الوطني، وأثر على دعم  العالم لصالح القضية الفلسطينية، أي أن السلطة أخذت العمل الأسود من اسرائيل وتحولت اسرائيل الى احتلال نظيف أو احتلال “سوبر ديلوكس” متحرر من تكلفة بقائه، بل وجدها فرصة لاستكمال مشروعه بالسيطرة على الضفة.

المأزق الثالث بتحول هذه السلطة البسيطة الى مادة للصراع عليها، وخاصة أن الفلسطينيين ورثة الثقافة الشرقية الاستبدادية مثل كل الثقافة العربية، وعلاقتهم بالسلطة هي علاقة مشوهة، فقد كانت السلطة مدعاة لصراع مفتوح انتهى بانقسام ما تبقى لديهم من الوطن، ومع ضعف الامكانيات الاقتصادية أصبح الوصول للسلطة هدفًا بحد ذاته لتحقيق جودة حياة، ومع فشل المسار أصبحت البرامج متضاربة، فأوسلو لم يحقق شيئًا، والعمل المسلح أيضًا، وبات الفلسطيني يعيش أزمة الخيارات بشكل مركب مثقلاً بالحكم والتزاماته.

لقد أنتج أوسلو وما نتج عنه من صراع على السلطة نموذجي حكم، الأول في الضفة لازال يرى في المفاوضات وسيلة لحل الصراع، والآخر في غزة يرى في العمل المسلح وسيلة للتحرير، وإن كان الأول يوفر حياة مقبولة للمواطن بفعل التزامه بمتطلبات المفاوضات فإن الثاني انحدر بالمستوى الانساني الى أبعد الحدود، لنجد أننا أمام معادلة الوطني والانساني، وبدا الطلاق بينهما أمرًا يفرضه الواقع اذا أردنا حياة كريمة تشترط عدم الكفاح ضد اسرائيل، واذا أردنا الكفاح تنعدم الحياة الانسانية، وتلك معادلة ونماذج أنتجها  المسار المتعرج والمرتبك بعيدًا عن الحسابات.

تكمن صعوبة ايجاد حل لهذا المأزق في أن الخيارات أمام الفلسطينيين تبدو وكأنها انغلقت جميعًا، وإن كان سؤال جدوى بقاء السلطة تحت الاحتلال وإمكانية نجاحها وعدم تحولها الى عبء على طريق التحرير سؤالا ينبغي أن يكون حاضرا، لكن الاسرائيلي الذي هندس أوسلو ببراعة بات يعرف أنه حشرنا في أصعب الزوايا ففقدنا جميعًا توازننا، فلا نحن قادرون على الاستمرار بالسلطة نحو الدولة ولا نستطيع حل السلطة لأنه  جرى تركيب المجتمع في ربع القرن الأخير من خلالها، وتلك عملية جراحية لا يقدر عليها الفلسطينيون حالياً.

ما العمل إذن وسط كل الكمائن المنصوبة؟ ببساطة لا أحد لديه الحل السحري، ولكن فتح هذا الملف للمراجعة أصبح ضرورة وطنية، هي مسألة شاقة تتطلب استنفار الفكر السياسي الفلسطيني والمفكرين، لأنه عندما يصطدم السياسي عليه أن يعود للمفكر القادر على وضع تصورات، وإلا سنستمر بالغرق حتى القاع أو سنستمر جميعاً في التواطؤ ضد قضيتنا الوطنية.. وفي هذا ما يشبه الخذلان.

 

Atallah.akram@hotmail.com

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]