أكرم عطا الله يكتب: عفرين.. اعتداء على الدولة السورية وليس انتصار إرادة
لا أحد يعرف لماذا يستمر السيد خالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس بالتصريح بما يمكن أن ينعكس سلبا على الفلسطينيين بالخروج عن حالة الحياد التي يفترض أن يقف فيها الفلسطينيون في ظل الصراعات القائمة في الإقليم وبالرغم من أن الرجل غادر موقعه إلا أن ثقله لا زال حاضرا وبقوة في حركة حماس لذا فإن ما يقوله الرجل لا يؤخذ كرأي شخصي.
كان مشعل يتحدث في حفل ذكرى تأسيس حركة الإخوان المسلمين التي أعلن انفصال حركة حماس عنها قبيل مغادرته موقعه فقد قال الرجل في خطابه ربما ما يعيد استفزاز سوريا التي لا زالت حركة حماس تجتهد في تصويب علاقتها مع دمشق بعد أن أخطأت الأولى في عهد مشعل ووقفت ضد النظام بعد ان كان الرئيس الأسد الحاضن الابرز لحماس على امتداد السنوات والعقود الماضية.
في خطابه أشاد الرجل ب” انتصار الإرادة التركية في عفرين” وهي المدينة السورية التي يسكنها الأكراد والتي قامت تركيا بعملية عسكرية ضدها ، كانت صور الدمار في هذه المدينة مثيرة للحزن لكن ليس هذا هو الأهم ما فعلته القوات التركية وما حدث للمدينة ، بل الأكثر أهمية عن وقع تلك التصريحات على دولة مثل سوريا يتم اقتحام أحد مدنها بالقوة من قبل دولة أخرى .
كأن الفلسطينيين لم يتعلموا من دروس التاريخ بعد فموقف منظمة التحرير من اجتياح العراق للكويت شكل كارثة على الشعب الفلسطيني والذي احتفظت حركة حماس بحيادها آنذاك لكن المنظمة تعلمت الدرس وكان موقفها من الازمة السورية سياسيا بامتياز فيما وقعت حماس في كمين من الاصطفافات في اللحظة التي اعتقدت أن بعض العواصم قد تسقط لصالحها فقدت توازنها وتلك كانت سقطة حاولت التعلم منها لكن يبدو أن تصريح الرئيس السابق للمكتب السياسي للحركة يقول أن الأمر غير ذلك.
في بداية ستينات القرن الماضي تخرج أحد الشبان الفلسطينيين من الكلية العسكرية ببغداد ” أصبح الآن برتبة لواء ” وكعادة الفلسطينيين التحق بالجيش العراقي الذي كان يقاتل الأكراد في شمال العراق فوقع هو ومجموعته أسيرا بيد الأكراد كما يروى وقد حكم عليهم جميعا بالإعدام وحين عرفوا أنه فلسطيني كما قال تراجعوا عن إعدامه وعاتبوه بقسوة كيف لفلسطيني أن يأت ليقتل كردي وأخذوا منه كلمة شرف فلسطينية ألا يعود لقتال الاكراد ويذهب لقتال من يحتل أرضه.
ليس لنا مشكلة مع الأكراد حتى نعتبر أن الهجوم عليهم وتشريدهم وهدم مدينتهم هو انتصار بل كانوا خلال عقود أصدقاء للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة التي لم تستعدي أحدا ضد أحد بل كانت تقف مع الجميع وفقط تعلن الحرب على من يقترب سلبا من قضيتنا الوطنية بالتصريح أو بالتلميح سواء زعماء أو شعوب .. كان للثورة الفلسطينية عداءات ولكن ضد من أعلنوا العداء ضدها واصطفوا إلى جانب إسرائيل.
عفرين مدينة سورية ولا يحق لأي جيش في العالم إدخال أي جندي إليها دون رغبة الدولة السورية وإلا فإن ذلك اعتداء على سيادة الدول وإن كنا لا نستطيع إعلان موقف من دخول الجيش التركي لاعتبارات أهمها عدم خسارة الدعم التركي على الأقل فليحتفظ السياسيون بالصمت لأن الدول تبني مواقفها بناء على تصريحات مسئولين ويصل الأمر لمعاقبة شعوب بجرة أقوال قادتها لهذا يجب أن يحسب السياسي كلماته بميزان دقيق لا أن يطلق ما يشاء من المواقف عندما يتعلق الأمر بسياسات ومصالح شعوب.
لقد قامت تركيا بإسقاط الحكم السوري الكردي في مدينة عفرين وتم تهجير عدد هائل من سكانها الأكراد ويجري إسكان عناصر فيلق الرحمن الذين خرجوا من الغوطة الشرقية وقد بلغ الرقم 40 ألف عائلة في عملية استبدال شعب بشعب فيما سكانها الأصليون أصبحوا لاجئين لست هنا بصدد التشبيه مع تهجير الفلسطينيين من أرضهم عام 48 وإحلال اليهود مكانهم ولكن هذا المشهد هل هو انتصار حقا للإرادة التركية أم أن غلبة الأيدلوجيا والاصطفافات أهم من القيم والمثل ؟ بالتأكيد ما حدث في عفرين هزيمة للإنسانية وضميرها ولإرادة الشعوب ومن الخطأ أن نقول غير ذلك مهما بلغت المصالح ..!
