أكرم عطا الله يكتب: ماذا لو اكتشفنا أننا مجرد كومبارس..؟؟
قصص التاريخ ليست وليدة الصدف وغرف السياسة لا تتوقف عن الرسم والتخطيط والمتابعة، فأحياناً يدور الجدل بين الذين يعتقدون بسذاجة التاريخ وبراءة حركته وبين المؤمنين بنظرية المؤامرة والمسكونين بمعرفة تفاصيلها وخيوطها، الحقيقية التي أصبحت جزءًا من طبيعة الأشياء أن الحركة السياسية في العالم ومنذ قديم الزمان هي صناعة دوائر وأجهزة مخابرات تحرك كل شيء دون أن تترك بصمة، وتترك للمتفرجين أن يبحثوا بين المصادفات والفعل المنظم.
من يقرأ التاريخ يعرف أن كل حروبه تمت صناعتها في الغرف المغلقة وأن المؤامرة قائمة ما دامت السياسة تسير على أقدامها، ومن يقرأ التاريخ يعرف كيف لم يتوقف العالم عن التآمر على الزعيم المصري جمال عبد الناصر، ومن يقرأ التاريخ يعرف كيف طبخت المخابرات الأمريكية حرب أفغانستان، ومن يقرأ التاريخ الاسرائيلي يعرف تماماً كيف لا تتوقف اسرائيل عن التخطيط والتآمر، ويدرك أن الراهن الفلسطيني على الأغلب هو جزء مما طبخ هناك والوثائق التي يفرج عنها تباعاً تشي بذلك، لكن الذين لا يقرأون التاريخ لهم رأي أكثر براءة.
ما الذي حدث لغزة وما الذي حدث فيها؟ هناك ما يشبه الفيلم …غزة تخرج من جيب السلطة هكذا بكل بساطة، حرب تدور على أرضها بعيدة تماماً عن التكافؤ الذي يسمح حينها لمليشيا بهذا العدد بالسيطرة عليها أمام قواتها، قال صديقي ضاحكاً حتى في معركة بدر لم يكن التناسب بهذا القدر.
يبدو الأمر الآن بعد أكثر من عقد أشبه بمسرحية طويلة يشتم فيها رائحة ما وخاصة أن غزة كانت ولازالت جزءًا من مطابخ السياسة والأمن في اسرائيل، وتمر أكثر من عشر سنوات على فشل متواصل في اتمام مصالحة جابت كل عواصم الإقليم، وعجز في الوصول للحد الأدنى من التوافق وتصلب هائل لحركة حماس التي سيطرت على كل شيء ورفضت التنازل حتى عن مؤسسة مجتمع مدني صغيرة فجأة تظهر هذه المرونة بانسيابية هادئة ونذر عودة السلطة لغزة بلا مقدمات كبيرة واستعداد السلطة لاستيعاب كل شيء، سواء الموظفين الذين كانوا عقبة العقبات أو السلاح الذي اعتبر عقدة العقد.
فجأة قبل عشر سنوات بما يشبه اللعبة تسيطر حركة حماس على غزة وتتركها السلطة بكل سلاسة، والكثير من الرأي العام كان يعتبر أن ما حصل حينها تسليم وتسلّم باليد وهناك من الدلائل ما يسند هذا الرأي، وتلك الدلائل لم تكن خفية اذ اكتشف أن كل قيادة السلطة كانت خارج غزة وجرى ترحيل كل الملفات وكل الأرشيف وكل شيء، والآن بنفس السلاسة يجري الحديث عن اعادتها فيجتمع قائد حركة حماس بالقطاع باللجنة الادارية ويبلغهم بتعليمات صارمة بتسليم كل شيء دون عرقلة، ومن يفعل ذلك سيتعرض للعقاب.. هل كان ذلك صدفة يعتبر فيها الاسرائيلي مجرد متفرج ؟
لقد كانت أزمة السنوات العشر الماضية وعدم القدرة على انهاء هذا الوضع الشاذ مدعاة للغرابة فأعتى الخصوم قادرون على الوصول الى حلول وسط، فما بالنا بقوى تحرر وطني تحت الاحتلال؟ الا اذا كان هناك ما هو أبعد وما هو أكبر يستدعي أن يمر كل هذا الشريط الطويل بتفاصيل وصوله للصورة الأخيرة في الألبوم.
كثيرون كانوا يطالبون بانهاء الانقسام وقد بُحّت الأقلام وهي تطالب بعودة غزة لغلاف السلطة ومؤسسات وقوى وفصائل وعواصم وحروب ونشطاء وتظاهرات، كل هذا لم يكن يساوي جناح بعوضة في لعبة يبدو أنها كانت أكبر من الجميع رافقها اتهامات ومحاولات تتصل واِلقاء الكرة في ملعب الآخر واهدار هائل للوقت يجري خلاله اتمام صفقات واكمال مشاريع وتثبيت حقائق في الضفة، بينما الفلسطينيون تنحرف بوصلتهم لعقد كامل موجهة نحو غزة فقط.. هل كان ذلك مصادفة؟
كلنا لم نكن نساوي شيئاً لا في الانقسام ولا في إنهائه لأن الذي رسم هذا السيناريو وحده كان يتحكم بمسار الأحداث وأبطاله، حتى الآن تبدو الأمور كأنها جادة، حركة سريعة ومضللة يعجز الفرد عن رؤية مسارها كما لو كانت هادئة يمكن تأملها والتدقيق فيها وتحليلها بهدوء، ان تمت الأمور كما يجري لا يمكن الا تأكيد نظرية المؤامرة وأننا لم نكن أكثر من كومبارس أمام أبطالها حاولنا أن نأخذ جميعنا دوراً فيها لكن الأمر لم يكن على تلك السذاجة كما اعتقدنا، يا لهذا التاريخ كم هو ماكر..!!
Atallah.akram@hotmail.com