أكرم عطا الله يكتب: من نحن وماذا نحن؟
ارتج الإقليم بشدة خلال السنوات الماضية، ما حدث كان يكفي للإفاقة، ولكن الرجة العنيفة بعد مشاهدة نتائجها بات واضحاً أنها عمقت الغيبوبة أكثر، وبتنا أمام مشهد أصبح الماضي الذي كنا نلعنه واحداً من أبرز أحلامنا التي نبكي على أطلالها التي هدمتها سواعدنا وعقولنا وأموالنا التي كانت سخية في الخراب بلا حساب.
تضاءل كل شيء وعاد الى بداياته القبلية، فلم يعد هناك مؤتمرات تنمية ولا حديث عن بحوث علمية ولا تقدم أو تفوق لدول تفتتت وأخرى تتحسس رأسها أو رأس نظامها الذي كشف عري الدولة العربية بأنها بلا مؤسسة، وليست سوى قبيلة وشيخ، ما أن يسقط الشيخ حتى ينهار كل شيء، وتوقف الاستثمار بالبشر وباتت الأموال تنقل لغيرنا بلا حساب وبتنا أكثر ضعفاً في مواجهة أضعف الرياح.
تآكلت المناعة العربية وانهارت مصداتنا، وكأن تاريخنا الحديث ليس أكثر من وهم، وأن الدولة الحديثة كانت حالة من القشور التي تكسرت مع أول هزة، لنكتشف أن أبناءنا أكثر حقداً من الأعداء حين تجندوا ضدنا، فالأرقام صادمة، وفي كتاب للكاتب المصري رفعت السيد أحمد بعنوان “سوريا في مواجهة الحرب الكونية حقائق وأرقام” نشر بالتفصيل مستندا على وثيقة معتمدة من الأمم المتحدة عدد الارهابيين الذين دخلوا لقتال الدولة السورية، والذين بلغ عددهم 171 ألفا كان عدد العرب منهم 98,750 من 11 دولة عربية.
كان الثابت في هؤلاء أن جميعهم متدينون، وتلك تطرح سؤالاً كبيراً حول هويتنا؟ ولماذا هؤلاء بالذات الأكثر تدينا وهم الذين أسقطوا الدولة الليبية وهم الذين يقاتلون الدولة المصرية؟ هذا السؤال الحاضر همساً ولكنه لم يخضع للدراسة الجادة لاستخلاص العبر، والثابت الآخر أن هؤلاء تم دعمهم وتحويلهم وشحنهم ونقلهم واسنادهم بالمال العربي وعلى بواخر النفط والغاز، وتلك أيضاً تطرح سؤالاً لا يقل أهمية عن السؤال الأول.
ومن تلك الأسئلة تنبثق أسئلة أكثر، لكن الاجابات التي يحاول أن يقدمها البعض تغيب وسط الزحام وسيطرة المال على وسائل الاعلام التي لم تترك مساحة يمكن النقاش فيها، لتختفي النقاشات الجادة لصالح حملات الدفاع عن نظم ومهاجمة نظم أخرى، فقد هبط الإعلام العربي وكف أن يكون للمواطن بقدر ما أصبح أداة فقدت واجبها وتجندت في معارك التآكل العربي.
لقد أطاحت أحداث الإقليم بكل شيء، وتحول النقاش بين الإعلاميين الى ساحة معارك بين الدفاع والهجوم الذي أسقط معه كل أخلاقيات المهنة، وجر معه كتابا ومثقفين تجندوا لصالح صغرى المعارك، ولم يبق متسع للعقل وسط الأزمة التي لم تنته وتتجدد، لأن حالة الاستقطاب التي تشكلت في الإقليم والتي تستنسخ نفسها في معارك طويلة كأنها أصبحت جزءًا من واقع سيدوم وسيستنزف ما تبقى من المال العربي، هذا اذا تبقى فائض لم يأخذه الأميركي الذي بات يستكثر علناً أن لدينا أموال.
كان هناك اعتقاد بأن الصراع الذي اندلع سيفتح على آفاق ورؤى جدية، وأنه سيهزنا لنصحو من جديد، أو سنرتطم وبعدها نعاود الوقوف، ولكن المفاجأة أنه أخذنا الى مساحات مبتذلة في حواراتنا التي تعود بنا الى عصور قديمة في الصراعات، بل وأسوأ لأنها مجردة من الأخلاق، لأن التكنولوجيا تمكنت من توفير ما يلزم من وسائل الدعاية والتزييف والدبلجة والانتشار على مساحات أوسع.
تلك مهنة الإعلام الجديدة.. ولكن السؤال: أين المفكرون العرب؟.. هل أزاحهم إعلام الصراعات؟.. أم داسهم السيل الجارف مع عصر السرعة؟.. أم أن المناخات التي أنتجها صراع العرب الجديد أفقدهم ما كان من بقايا أمل اعتقدوه يوما ما، وهم يقدمون قراءاتهم نحو مستقبل العرب فإذا بهم يكتشفون خطأ كل ما بنوه من نظريات فكرية فآثروا الصمت وسط هذا المستوى.
هو السؤال الهام: من نحن؟.. وماذا نحن؟.. وماذا نريد؟.. وكيف سنكون بعد كل ما حدث؟.. وتلك الأسئلة ستظل غائبة لتستمر الغيبوبة لأنها تحتاج الى دول رصينة تحتضن مفكرين للإجابة عليها، علّنا نقلع اذا كان هناك متسع للبدء من جديد، وهنا فلا دول المال مستعدة لأن الحساب سيطالها ولا الدول الفقيرة التي اهتزت وتحطمت وانتشر فيها المرض والفقر باتت تلك أولوياتها.
وفي بلاد يغيب فيها العقل لصالح حروب القبائل يبدو أن عليها الانتظار طويلاً حتى ينتهي الخراب..!!!!