أوروبا تقرأ مرجع السادية والعنف «120 يوما في سادوم».. في طبعة جديدة

لا يعرف الكثير من أبناء المنطقة العربية عن الماركيز دي ساد، باستثناء بعض المثقفين المتعمقين في القراءة، حيث أن لهذا الرجل مؤلفات لم ينشر معظمها، ومنع غالبيتها من النشر، حتى في مسقط رأسه، بسبب «بشاعتها» حد وصف الكثيرين ممن قرأوا أعماله، من جمهور منصات ومنتديات التواصل الاجتماعي، والنقاد أيضا.

وعندما تستمع إلى قصص «العنف» أو تلتقي بشخص فظ ومجرم أو سفاح، فيقال إنه شخص «سادي» أي يعشق ويتلذذ بتعذيب الآخرين، ويرجع اشتقاق لفظ السادية، وهي المتعة جراء تعذيب وإذلال آخرين خاصة فيما يتعلق بالجنس، إلى اسم الماركيز دي ساد، الذي وصلت شهرته في الخيال المشحون بالعذاب والعنف، إلى حد نعت تلك الأمراض النفسية باسم هذا دوناتيان الفونس فرانسوا، ماركيز دي ساد.

وعلى استحياء، عرف قليلا في المنطقة العربية عن الماركيز دي ساد، في عام 2001، عندما قامت بطلة فيلم تايتانيك الشهيرة كيت وينسلت بدورها الثاني حين أدت خادمة في فيلم «كويلز» والذي تناول قصة هذا الماركيز إبان فترة الثورة الفرنسية، ليفتح الطريق أمام الكثيرين لاكتشاف الفيلم الفرنسي الإيطالي «سالو»، المأخوذ عن أشهر رواياته «120 يوم في سادوم»، والذي تم إنتاجه في عام 1975، ليصبح آخر أفلام المخرج العالمي باولو بازوليني، الذي يوصف بالمخرج الاستثنائي، وقد دفع حياته ثمناً لهذا الفيلم الذي كسر به كل التابوهات بجرأة وحدة لا تعرفان المواربة، ومايزال الفيلم يعتبر مرجعا ومصدر إلهام لكثير من الدراسات في حقل النقد الفني وعلم النفس الأدبي.

لقطة من أيقونة بازوليني «سالو»
لقطة من أيقونة بازوليني «سالو»

قبل يومين احتفت مجلة «ذي أكونوميست» بصدور أول طبعة من رواية « 120 يوما في سدوم»، والتي ظلت ممنوعة من النشر لقرون، حيث توصف روايات الماركيز بالشبقية الفجة والإباحية والشذوذ، لكنها حسب وصف أكونوميست، «وحشية وبشعة ومرعبة».

معروف عن دوناتا ألفونس فرانسوا دى ساد، «الماركيز دى ساد» أنه كان أرستقراطيا ثوريا فرنسيا وروائي، كانت رواياته فلسفية وسادية متحررة من كافة قوانين النحو الأخلاقي، تستكشف مواضيع وتخيلات بشرية دفينة مثيرة للجدل وأحيانا للاستهجان في أعماق النفس البشرية من قبيل البهيمية، مثل الاغتصاب وغيره، وكان من دعاة أن يكون المبدأ الأساسي هو السعي للمتعة الشخصية المطلقة، دون أي قيود، سواء أخلاقية أو دينية أو قانونية.

arton3121

ولذلك حجبت روايات الماركيز، حيث أنها خلاصة حكايات من القتل والتعذيب والجرائم الجنسية التي تتخطى حدود الخيال البشري، فكتاب «100 يوما في سدوم» ليس كتاب سهل القراءة لأنه مليء بالشراسة، وتضطر أحيانا للتوقف عن القراءة لالتقاط الأنفاس.

أجواء الرواية يسودها الخوف من الأماكن المغلقة، وهذا ليس من المستغرب، الكتاب دوّن في زنزانة سجن الماركيز، قبل زمن الثورة الفرنسية في عام 1789، حيث قبع في السجن لمدة 11 عاما، المرة الأولى تم سجنه في فينسين ثم سجن الباستيل الذي سقط بعد الثورة، وكان الماركيز قد اعتقل في الأصل في مرسيليا، حيث اتهم وخادمه بالتسبب في تسميم 4 عاهرات بمثير للشهوة الجنسية، محضر من مادة الكانثاريدين «الذبابة الإسبانية» وممارسة الجنس الجماعي بصور مختلفة، تضمنت اللواط مع خادمه، واتهامه بالكفر، وهي أخطر التهم التي من الممكن أن توجه لشخص أوروبي آنذاك.

ظل الماركيز محتجزا في زنزانته حتى عام 1790، دون محاكمة، وقيل أنه قضى معظم أوقاته في الاستمناء، وفعل كل ما هو غريب، إلى جانب العمل كل ليلة على كتابة «100 عام في سدوم»، دون أن يراه أحد، حيث كان ممنوعا من الكتابة، فكان يدون ما يكتبه على أوراق صغيرة ويخفيها بين شقوق جدران زنزانته.

الرواية

الشخصيات الرئيسية الأربعة في الكتاب هي دوق، وأسقف، وقاض والممول، وهم يمثلون الجماعات التي شكلت معا النظام الأخلاقي والسياسي في فرنسا «وهي بالتالي الجماعات المسؤولة عن حفظ ساد في السجن». وقد ارتقى هؤلاء في المكانة الاجتماعية والثراء أثناء عهد لويس الرابع عشر، ولكنهم تراخوا بسبب انغماسهم في الإثارة الجنسية، وتحقيقا لهذه الغاية، أغلقوا على أنفسهم لمدة أربعة أشهر في قلعة منيعة في سان مارتن دي بيلفيل، فرنسا، مع ست وأربعين ضحية، معظمهم من الذكور الشباب والإناث المراهقات، ويدخلون معهم أربعة مديرات لبيوت دعارة ليروين قصص ومغامرات حياتهن، شكل مغامرات المديرات مصدر إلهام لانتهاك وتعذيب الضحايا، والذي يتصاعد تدريجيا. حتى يصلوا إلى أقصى درجات الإشباع الجنسي في العربدة.dd

ظل العمل غير منشور حتى القرن العشرين، لكن تم ترجمته في الآونة الأخيرة إلى العديد من اللغات، منها الإنكليزية واليابانية والألمانية، وحظرته بعض الحكومات بسبب موضوعه حول العنف الجنسي والقسوة المفرطة.

وتدور أحداث الرواية حول سلسلة من الفسوق وصفها الماركيز بصوت الراوي، على الرغم من أن الراوي في بعض الأحيان يسمح للقارئ بمعرفة، أنه يسرد هذه القصة حتى يعلمه «كراهية المنكر».

سيمون دي بوفوار، الناقدة الفرنسية الشهيرة في حقبة السيتينيات، وصفت الماركيز بأنه moraliste «أخلاقي»، يشجع الناس على الفضيلة والأخلاق بإثارتهم نحو بشاعة الشر، حتى يقوموا بالتمرد عليه، لأنه يحاول إذلال القارئ باقتياده إلى أقاصي الفساد.

أما الروائي والفيلسوف جورج باتاي، يرى أنه ليس غريبا أن يكتب ماركيز هذا، ويجعل القراء متواطئين في ذلك من خلال التطرف الجنسي الحاد، فالسجين يشعر بالملل، ولديه هواجس المرض، وهو ينتقم من العالم من خلال الأدب الذي يدفع نحو التخريب والشر.

quills-m

أما الروائي والفيلسوف جورج باتاي، يرى أنه ليس غريبا أن يكتب ماركيز هذا، ويجعل القراء متواطئين في ذلك من خلال التطرف الجنسي الحاد، فالسجين يشعر بالملل، ولديه هواجس المرض، وهو ينتقم من العالم من خلال الأدب الذي يدفع نحو التخريب والشر.

إن رواية «120 يوما في سدوم» وثيقة تاريخية تكشف التوترات في فرنسا ما قبل الثورة، نوقشت روايات ساد بعد وفاته وكان النقاد حريصون على التأكيد حول السياق التاريخي للرواية، بما في ذلك ميرا هيندلي وإيان برادي، كما أنها توفر دليلا لكيفية دخول الكتاب إلى الفكر الفرنسي المعاصر، كما عرّف آني ليبرن، ساد باسم نبي عصر ما بعد التنوير.

من حسن الحظ فإن الطبعة الجديدة لرواية «120 يوما في سدوم» تتميز باترجمة ممتازة ودقيقة قام بها ماكموران ووين، وهي ترجمة تسمح لنا بعرض رؤية ساد للعالم أكثر من الترجمات السابقة، حيث أن كتابات ساد مازالت تستحق القراءة في القرن الـ21 يمكن من خلالها فهم حقيقة الإرهاب والفظائع الوحشية التي تدور في العالم.

quills_04

كتب ريمون كينو، الروائي الفرنسي، أن كتابات ساد كانت «مقدمة الهلوسة في العالم الذي يحكمه الجستابو والتعذيب في معسكراته» أما ألبير كامو، فأشار إلى أن قلعة ساد الرهيبة، هي فكرة معسكرات الاعتقال، فالرجل الأكثر حرية في العالم ينالها من بناء سجن جرائمه، فالفعل السادي والوحشية في كتابات ساد هي انعكاس للسلطة والسياسة أكثر من الشهية الجنسية.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]