البث المباشر
-
الآن | أخبار المساء
منذ 20 دقيقة -
التالي | موجز الأخبار
00:00 القاهرة22:00 جرينتش -
اللاحق | وراء الحدث
00:05 القاهرة22:05 جرينتش -
موجز الأخبار
01:00 القاهرة23:00 جرينتش -
قالت لي
01:05 القاهرة23:05 جرينتش -
موجز الأخبار
02:00 القاهرة00:00 جرينتش -
القدس
02:05 القاهرة00:05 جرينتش -
الأخبار
03:00 القاهرة01:00 جرينتش -
حبر ع الرصيف
03:30 القاهرة01:30 جرينتش -
موجز الأخبار
04:00 القاهرة02:00 جرينتش -
قالت لي
04:05 القاهرة02:05 جرينتش -
موجز الأخبار
05:00 القاهرة03:00 جرينتش
ماجد كيالي يكتب:عن تنقلات السياسة التركية قبل الربيع العربي وبعده
خسرت تركيا جزءًا كبيرًا من مكانتها، واستثماراتها السياسية، في مقارنة مكانتها قبل “الربيع العربي” ومكانتها بعده، سيما في العالم العربي، بحكم طبيعة تدخّلاتها الخارجية، سيما في سوريا، ثم في ليبيا، تمامًا مثلما حصل ذلك للدولة الإقليمية الأخرى ـ إيران.
لا يتعلق الحديث هنا، فقط، بتأثيرات “الربيع العربي”، من المدخل السوري، على تركيا، سواء المتعلق بتدفق ملايين اللاجئين إلى أراضيها، واحتضانها المعارضة السياسية والعسكرية، فذلك يشمل، أيضا، أحوالها الداخلية، المتمثلة بانفتاح الجرح الكردي فيها مجددا، والتوتر الحاصل داخلها بين الإسلاميين والعلمانيين، والقوميين والليبراليين، والشروخ الحاصلة بين القوى التي تعمل من أجل ترسيخ النظام الديمقراطي البرلماني، من داخل الحزب الحاكم وخارجه، والقوى التي تؤيد النظام الرئاسي، وجمود أو نكوص الاقتصاد التركي في العشرين الثانية لحكم اردوغان (2012 حتى الآن)، مقارنة بالنهوض الكبير الذي كان حصل في العشرية الأولى لصعوده للحكم، كرئيس للحكومة (2002 ـ 2012). كما يشمل ذلك التوترات بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، وحلف ناتو، وبينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية؛ وضمن ذلك مع اليونان ومصر والسعودية.
وكانت تركيا بدت، منذ بداية حكم حزب العدالة والتنمية (2002)، بمثابة نموذج ملهم للمجتمعات العربية، باستقرار مجتمعها، وصعودها السياسي والاقتصادي، وبقوّتها الناعمة. فهي دولة ديموقراطية، برلمانية، وهي كانت تتمتع باقتصاد قوي وناهض، إذ ارتفع من 240 مليار دولار في العام 2002 إلى 880 مليار دولار في العام 2012، لكنه أصيب بالجمود، بحيث أنه تراجع في العام 2022 إلى 819 مليار دولار (بحسب إحصائيات البنك الدولي)، ويعد ذلك انحسارًا كبيرًا، مع تزايد عدد السكان، وهو ما يلاحظ من هبوط كبير في قيمة العملة التركية بما يوازي عشرة أضعاف بين العامين المذكورين.
النموذج الذي قدمته تركيا، أيضاً، تمثل في أن فيها حزبًا إسلاميًا يحكم في نظام علماني، وديمقراطي، بما يفيد بمصالحة الحركات الإسلامية مع العلمانية والديمقراطية، وهذا تطور مهم، إلا أن السياسات المتبعة مؤخرًا باتت تثير كثيرًا من الشبهات حول التخفف من الديمقراطية والعلمانية.
وفوق هذين، أي الاقتصاد والسياسة، فإن تركيا، في ظل حزبها الحاكم، كانت انتهجت سياسة تخفيف التوترات مع محيطها، وعدم التورط في المشكلات الداخلية للبلدان الأخرى، وتوطيد مكانتها لدى جيرانها عبر العلاقات التجارية والأنشطة الاستثمارية، ما عزّز جاذبيتها، بفضل قوتها الناعمة، على خلاف الدولة الإقليمية الأخرى، أي إيران، التي انتهج نظامها السياسي، منذ قيامه أواخر السبعينيات، طابعًا أيدلوجيًا، وسياسة “تصدير الثورة”، والتدخل في شؤون الدول الأخرى، وإنشاء ميلشيات مسلحة موالية لها.
هكذا، فإن مشكلة تركيا تكمن في أنها لم تحافظ على سياستها تلك، فهي مع ثورات “الربيع العربي” تصرّفت كدولة ذات أجندة حزبية – دينية، مثلها مثل إيران، وبدا ذلك حتى في طبيعة علاقاتها مع إسرائيل (بين المقاطعة والانفتاح) ما بدّد مكاسبها وزعزع مكانتها بين المرحلتين.
وعليه فإن تركيا، بعد “الربيع العربي” أرادت الحفاظ على المكانة التي تحققت لها بفضل نموذجها الاقتصادي والسياسي والسلمي، إذ بات طابعها الأيدلوجي يظهر في تعاملاتها الخارجية، سواء في تعاطيها مع بعض الأنظمة العربية، أو في ممالأتها لبعض التيارات الإسلامية في العالم العربي، ولاسيما في دعمها لفصائل عسكرية سورية من طابع معين، الأمر الذي أضعف، أيضًا، الثورة السورية في معناها ومبناها.
وفي الحقيقة فقد أخطأت تركيا بتدعيمها لتيار سياسي معيّن، في هذه الثورات، على حساب التيارات الأخرى، وبتعاملها بطريقة غير ديبلوماسية مع هذا النظام أو ذاك، وبتحالفاتها مع دول معينة على حساب أخرى.
بيد أن الخطأ الأكبر تمثل ربما بتشجيعها تحول الثورة السورية إلى ثورة مسلحة، بطريقة متسرّعة وغير مدروسة، وتسهيلها دخول مقاتلين أجانب إلى سوريا، وتدعيمها للجماعات العسكرية المحسوبة على الإسلام السياسي المتطرف، فهذا كله أضر بثورة السوريين وبمجتمعهم، وأطال عمر النظام، وزعزع الاستقرار السياسي في تركيا ذاتها.
بغض النظر عن علاقات التأثّر والتأثير، سلباً أو إيجابًا، فإن تركيا مطالبة بدراسة واستيعاب أو تجاوز ما حصل من أزمات أو توترات، وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي، في آن معًا، لكن ذلك سيبقى أفضل في حال تخفّف نظامها من الانحيازات الأيدلوجية والسياسية واشتغل على تعزيز علاقات المواطنة والديمقراطية، في الداخل، والاعتماد على القوة الناعمة في الخارج، وضمن ذلك السعي لإعادة ترميم علاقاته مع الأطراف العرب المعنيين، سيما في مجالات الاقتصاد والبني التحتية، وفي مجال إرسال دعائم الاستقرار في المنطقة؛ وبديهي أن ذلك يشمل ترميم علاقاته الدولية، في عالم يزداد اضطرابا.
ماجد كيالي يكتب: كيف تحولت الصراعات السياسية إلى صراعات هوياتية كارثية؟
تحولت ثورات “الربيع العربي” إلى نوع من انفجارات هوياتية، ومأساوية، إذ انتقلت من كونها ثورات تتوخّى التغيير السياسي، نحو المواطنة والديمقراطية، إلى صراعات تتوخى تحقيق أو تغليب الهوية، الأثنية أو الدينية (الطائفية والمذهبية). بيد أن الانتقال من حيّز الصراعات السياسية إلى حيّز الصراعات الهوياتية لم يحدث عفواً، بمعنى أنه تحول سياسي، او تقف وراءه قوى سياسية، ولاسيما قوى دولتية.
بديهي ان ثمة عوامل سهلت أو دفعت إلى ذلك، ضمنها الحرمان التاريخي من السياسة، وتهميش المجتمعات، وغياب الأحزاب، والافتقاد للتجربة السياسية، لكن العامل الأساسي في التحول الحاصل، نشأ أساسا بفعل تشبث الأنظمة السائدة بالسلطة، ومقاومتها التغيير. وكما شهدنا فإن تلك الأنظمة اشتغلت منذ البدايات على تحويل الثورات، او الحراكات الشعبية، إلى عبء أو كارثة، من الناحيتين المادية والمعنوية، الأمر الذي وجد ترجماته في ليبيا واليمن والعراق وسوريا، بشكل خاص، إذ اشتغلت ايضا بحرف الثورات عن مساراتها، أو بتخليق حالة من التوترات في المجتمع، مستغلة انقساماته.
واضح أن الأنظمة تمتلك خبرة في السياسة والإدارة والحكم والسيطرة، والتلاعب بالرأي العام، بالقياس لحالات انطلقت من نقطة الصفر تقريبا في تصدرها للثورات، لاسيما ان الانظمة تمتلك الجهاز الأكثر تنظيما، أي الدولة، واجهزة الإعلام، فضلا عن القوى العسكرية والامنية ناهيك عن الموارد.
هذا حصل، مثلا، وبشكل خاص في العراق وسوريا، أيضا، فمن المعلوم ان نظام المالكي سابقا اشتغل على بناء ميلشيات مذهبية متعصبة عوض الجيش، وعلى بناء سلطة ذات لون معين، في حين انه أسبغ على أي حراك ضده صفات طائفية او مذهبية، ما شكل تربة خصبة لظهور “داعش” على أنقاض الحراكات الشعبية التي شهدها العراق في العام 2014. أما في سوريا فمنذ اليوم الاول أنكر النظام على السوريين حقهم المشروع، وتوقهم للحرية والكرامة والمساواة، بل واعتبر ان ما يجري مجرد تحركات تقف وراءها جماعات دينية أو طائفية متطرفة، مع غض نظره عن جماعات او ميلشيات طائفية مسلحة، محسوبة على الإسلام السياسي (“الشيعي”) تتبع لإيران، مثل فاطميون وزينبيون وعصائب الحق وحزب الله.
والحال، فإننا عندما نتحدث عن صراعات الهوية نقصد بها كل الصراعات التي تنجم عن تقسيم المجتمعات بشكل عمودي، وبطريقة تنميطية شمولية وقسرية، وينضوي في اطار ذلك الهويات الطائفية والمذهبية والقومية والعشائرية، ويمكن ان نضيف إليها الهويات الايدلوجية ايضا، علما ان تلك تنتمي إلى عصر الحداثة او الهويات الحداثية، لكنها تحولت إلى أديان أرضية. إذ أن مشكلتنا مع أصحاب الأيدلوجيات، أو الجماعات الأيدلوجية، لاتكمن فقط في العقليات المغلقة وادعاء احتكار الحقيقة، واعتبارها مطلقة ونهائية، وإنما تكمن ايضا في تحويل هذه الايدلوجيات الى هويات بل وإلى “أديان” أخرى مع “رسل” و”مفتين” و”طوائف” مغلقة ازاء بعضها.
ومشكلة هذا النوع من الصراعات ان كل جماعة هوياتية تعتقد أن هويتها ذات طابع مطلق وأبدي وصاف، وبمثابة دين او مقدس لا يمكن المساس به، كأنها منزّلة من السماء، في حين أن كل هوية هي ذات معطى تاريخي، وتخضع لتغيرات، تبعا للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فمفهوم المسلم (أو المسيحي)، أو وعيه لذاته، يختلف من مرحلة إلى أخرى، بحسب الحالة السياسية، كما أن هذا المفهوم يفتح على تحديد التعريف، ومرجعياته المذهبية، أو الفقهية، ثم على درجة تدينه، أو لا تدينه، أو إيمانه بأولويات أخرى مع التدين أو من دونه، تماما مثلما أن مفهوم الفلسطيني أو السوري أو العراقي أو الفرنسي أو الروسي أو الأمريكي يختلف من مرحلة إلى أخرى. ولا ننسى أن الهويات الوطنية في بلاد الشام، السورية والفلسطينية والأردنية واللبنانية، هي هويات حديثة، ونتاج المرحلة الاستعمارية، وحقبة الدولة الوطنية.
وغنى عن القول هنا إنه لا يمكن اختزال إنسان ما بهوية بعينها، إذ أنه محمّل بهويات متعددة، عائلية وعشائرية ولغوية ودينية ووطنية وحضارية ومهنية وثقافية وسياسية، وأن التعصب لهوية معينة ينشأ وفقا لصراعات السياسة، إذ تبرز هوية على حساب غيرها. أيضا لنلاحظ أننا في الصراع الهوياتي نبحث عن الاختلاف والتنميط والتميّز والتقوقع وتالياً الهيمنة والكراهية والتهميش أو النفي، بدل البحث عن التشابه والتقاطع والتكامل والتنوع وتاليا االتفاعل والاعتراف والمساواة والتشارك، أي العناصر التي تؤكد الهويّة الأصلية للإنسان.
هكذا تستغل القوى المهيمنة صراعات الهوية وتتلاعب بالانتماءات الأولية في تحويل الصراع على السياسية والحكم والحقوق إلى صراع هوياتي من طابع طائفي أو حتى قومي، وهو ما حصل مرات في أوروبا، وهو ما يحصل عندنا في هذه الظروف لإجهاض الثورات الشعبية وأخذها لمسارات أخرى تختلف عن مقاصدها الأساسية.
وعليه، فربما لا شيء أكثر خداعاً ومواربةً وزيفاً من الصراع الهوياتي فهو لا يتأسس على الصراع من أجل المصالح الحقيقية للبشر، وهو أكثر الصراعات دموية، لأنه يتأسس على الصراع الوجودي، ولأنه الصراع الوحيد الذي ليس لأي منا اي صلة به، فليس لأحد أي فضل في انتماءاته الأولية فالمرء يأتي الى الدنيا دون أن يختار أو يقرر هوية عائلته أو دينه أو قوميته أو بلده أو لغته. المشكلة أننا غالباً لانشتغل ولانتصرف على أساس هذه الحقيقة في غمرة عصبياتنا وذهابنا الى الحروب الهوياتية المدمّرة، التي هي مجرد حرب ضحايا ضد ضحايا، لا تستفيد منها سوى قوى الهيمنة والاستبداد، أو قوى الظلم والرجعية.
علي شندب يكتب: ليبيا وراية أبو خمادة البيضاء
في اليوم التالي لمشاركتي بندوة نظمتها وزارة الخارجية الليبية بتاريخ 15/5/2019 في مدينة بنغازي حول “مواجهة الإرهاب ودور الاعلام”، وردني من صديق مشترك مع اللواء ونيس أبو خمادة ، تنويه وتقدير اللواء أبو خمادة عمّا ورد في مداخلتي الذي سمع ملخصا عنها من أحد الضباط الحضور. وقد أبلغني الصديق أن أبو خمادة توقف بانتباه خصوصا عند نقطة الوحدة الوطنية الليبية، ودعوتي الليبيين الى “المصالحة لبناء ليبيا الجديدة، بدون أعلام مسبقة، وبدون رايات مسبقة وأيضا بدون أناشيد مسبقة”.
كما أبلغني الصديق المشترك، إعجاب أبو خمادة بأهمية المقاربة والمقارنة التي أوردتها حيال العلاقات الليبية المصرية وفيها “ليبيا على خطى مصر التي تتأثر جوهريا بليبيا وتؤثر فيها. فعندما كانت مصر ملكية، كانت ليبيا ملكية، وعندما حصلت ثورة 23 يوليو بقيادة عبد الناصر، تفجرت ثورة الفاتح بقيادة معمر القذافي. وعندما هبّت رياح الربيع المسموم ووصل الإخوان الى حكم مصر، هبّت ذات الرياح على ليبيا عام 2011 ووصل الإخوان الى السلطة لكنهم فشلوا فشلا ذريعا، وتحولت “17 فبراير” بفعل نهر الدم الى “برناير” تحت سيطرة ميليشيات عاثت في البلاد قتلا وخرابا وتشريدا. وعندما نهض الجيش المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي لوضع حد لعبث الإخوان، نهضت بقايا الجيش العربي الليبي بقيادة خليفة حفتر وتصدت لذات العبث ونفس الإرهاب”.
يومها، توقفت مليا أمام تنويه أبو خمادة بمداخلتي وتقديره لها، وحاولت معرفة وفهم المقاصد العميقة للرجل فلم أوفق. لكن رأيي استقرّ على وضع هذه المقاصد في سياق قبول الطرح الذي عرضته في تلك الندوة في ظل التطورات الميدانية المتسارعة التي شهدتها ليبيا طوال سنة وبضعة أشهر، تخلّلها تمركز الجيش الليبي على مداخل طرابلس وتطويقه لها تطويق السوار للمعصم بهدف تحريرها من ميليشيات فبراير الإخوانية.
لكن تدخل تركيا بترسانتها البحرية والجوية وميليشيات مرتزقتها من سوريين وغيرهم (حيث أثبتت تطورات ليبيا وأذربيجان وأرمينيا أنهم مجرد بندقية للإيجار) قضى بانسحاب الجيش الليبي من قاعدة الوطية وطرابلس وترهونة باتجاه مدينتي سرت والجفرة اللتين باتتا خط التماس المحلي والإقليمي والدولي، الذي حوّله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الى خط أحمر بوجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أُوقف عند حده، وتوقف زحفه المزدوج باتجاه مدن الهلال النفطي ومناجم صحراء ليبيا وبوابة شمال افريقيا.
وبعدها فتح المشهد الليبي على عدة مسارات حوار عسكرية وسياسية ودستورية تمتد بين القاهرة والغردقة وبوزنيقة وجنيف وأخيرا غدامس وقريبا تونس. مسارات قد تفضي لإنتاج تسوية سياسية تضع حدا لتقويض الدولة الليبية ولهدر دماء الليبيين وثرواتهم، الأمر الذي أغضب اردوغان تركيا.
مرت الأيام، وطوى أوراق الندوة النسيان بفعل التطورات التي أعقبتها، لكن تلك الوفاة الحيّة منذ أيام لآمر قوات الصاعقة اللواء ونيس أبو خمادة خلال افتتاحه “المدرسة النموذجية” كمدرسة للمستقبل قرب وادي القطارة بمنطقة بنينا مسحة حزن لفّت مدينة بنغازي وغالبية المدن الليبية على الرجل الذي ترك بصماته الدامغة خصوصا في سياق الحرب على الإرهاب وتطهير بنغازي وبعدها مدينة درنة وغيرهما من ميليشيات فبراير الإخوانية إياها، أعاد بعث مقاصد امتداح أبو خمادة لمداخلتي المذكورة. وشكلت الراية البيضاء التي سُجي بها جثمان الراحل أثناء مراسم الصلاة عليه لتشييعه، رأس خيط تلك المقاصد.
إنها الراية البيضاء التي تعكس الوئام والمحبة والسلام، والمتوافقة مع ما قصدته عن ليبيا الجديدة بدون رايات وأعلام وأناشيد مسبقة. وهي “الراية البيضاء” التي علمت أن أبو خمادة أوصى أهله ورفاق السلاح أن يسجّى ويدفن بها وليس بعلم الاستقلال الذي استعادته فبراير مع أساطيل الناتو عام 2011 والذي يعتبر علم ليبيا الرسمي المختلف حوله.
وهي الراية البيضاء متوسطة صورة “عمر المختار” التي سبق وطلب أبو زيد دوردة آخر رئيس مخابرات في “الجماهيرية الليبية” من المشير خليفة حفتر والمستشار عقيلة صالح اعتمادها رسميا، لكونها الراية الوحيدة التي يتوحّد الليبيون في كنفها. لكن ما الذي دفع ونيس أبو خمادة الى التوصية بدفنه ملفوفا بالراية البيضاء؟.
تفيد العودة الى سياق الحرب الناتوية على نظام الراحل معمر القذافي، أن الضربة العسكرية الاعتبارية الأقسى التي تلقاها القذافي كانت من آمر قوات الصاعقة ووزير الداخلية اللواء عبدالفتاح يونس، الذي كانت أهميته على مدى 42 عاما لا تكمن في المناصب الحسّاسة التي تبوأها الرجل، إنما تكمن بكون عبدالفتاح يونس أحد أوتاد خيمة القذافي. وبالتالي فقد شكل انشقاق قوات الصاعقة بقيادة عبدالفتاح يونس ضربة مؤلمة للقذافي قبل نظامه. وهنا علينا التوقف مليا أمام كلام أبو خمادة أو “أسد الصاعقة” الذي كان أحد تلامذة يونس النجباء بأنه “لو لم تخرج الصاعقة على القذافي لبقي حتى اليوم”.
لكن الاغتيال المعلوم المجهول لعبدالفتاح يونس ممن كان يظنهم أبو خمادة وغيره ثوارا، فعل فعله في نفسية وشخصية الرجل كما وفي نفسية وشخصية غالبية الضباط الذين شاركوا أبو خمادة في الانشقاق على نظام القذافي. وهو ما سبق لأبو خمادة أن عبّر عنه بالقول لولا الناتو لما سقطت طرابلس ولما سقطت سرت.. ولا يستطيع هؤلاء الثوار فعل أي شيء. انها حقائق مرة أطلقها أبو خمادة في خطابات متلفزة موثقة ومحفوظة في سحابيات “يوتيوب”.
كما إن أبو خمادة وغيره من الضباط الذين خرجوا على القذافي، والذين طالت الاغتيالات والتصفيات عددا كبيرا منهم، حتى وجدوا أنفسهم أمام حرب وجود مع ذات الجماعات والمجموعات المتطرفة التي لطالما كافحها القذّافي، وكان أبو خمادة نفسه أحد أدوات القذافي لمكافحة مجموعات المتطرفين والإرهابيين أو “الزنادقة” كما كان يسميهم نظام القذافي. ولهذا يحفظ أهالي بنغازي ودرنه وسبها جنوبي ليبيا، لأبو خمادة وجنود الصاعقة تحريرهم من هيمنة المتطرفين وحمايتهم من إرعاب الإرهابيين.
سيرة الرجل العسكرية بدون شك حافلة بالمناقبية والأوسمة التي سبق وتقلدها من قائده الأعلى معمر القذافي قبل أن يخرج عليه ذات 17 فبراير. لكن بحر الدم الذي سبحت وتسبح فيه ليبيا منذ اندلاع لهيب الربيع المسموم، فعلت فعلها في أبو خمادة وغيره من ضباط الجيش الليبي. حتى أن خليفة حفتر عندما أدى القسم أمام البرلمان الليبي لمناسبة ترفيعه وتعيينه قائدا عاما للجيش الليبي نحى جانبا قسم 17 فبراير المعتمد، وأخرج نص القسم العسكري المعتمد زمن ثورة الفاتح من سبتمبر مؤديا اليمين بموجبه.
عام 2014 خلال قيادته المنطقة الجنوبية، وضبطه الوضع الأمني فيها وإيقاف الاشتباكات الدامية بين “التبو” وقبيلة أولاد سليمان، اكتشف اللواء أبو خمادة من خلال تكليف “المؤتمر الوطني” حاكم عسكري لمدن غدامس، غات، الكفرة جنوبي ليبيا وصولا الى مساعد حيث الحدود مع مصر، أن هناك برنامجا خطيرا يسعى لتخريب ليبيا منذ ذلك الوقت.
إنه البرنامج الخطير الذي تعرض بسببه أبو خمادة في سياق مواجهته وإجهاضه لعدة عمليات اغتيال معروفة من قبل الجماعات الإرهابية التي استهدفت أيضا والدته وشقيقته بمحاولة الاغتيال، وأيضا اختطاف ابنه علي بهدف الضغط عليه، لكن أبو خمادة رفض الخضوع لمطالب الخاطفين وقال “إن خطف إبني لن يجعلني أستسلم، وأنا مؤمن بالقضاء والقدر، وما إبني إلا واحد في سلسلة من المخطوفين”. لكن فدية دفعتها إحدى الجهات للخاطفين حرّرت إبنه.
جلجلة ليبيا الكبيرة، ونهر الدم المتدفق بلا سقوف، وتحول ليبيا الى ساحة مستباحة من الإرهاب المدعوم من قطر وتركيا، إضافة لشراهة القوى الإقليمية والدولية في ابتلاع ونهب ثروات ليبيا، واتضاح خطوط المؤامرة السوداء أمام أبو خمادة كلها عوامل دفعته للقول مرارا أمام بعض الضباط والأصدقاء بأنه “لو كان يعلم أنها مؤامرة، وليست ثورة، لما خرج فيها”.
ورغم أن أبو خمادة سبق وعبّر عن “عدم ندمه من المشاركة في 17 فبراير” لكنه بعد ذلك قال: “لا، نحن نريد ليبيا”، إلا أن رموزا وشرائح قذّافية نعوا أبو خمادة وحزنوا عليه. سيما وأن هناك من يحفظ له مقولته التي كثر تردادها بعد وفاته “يكفيني شرفا أنه يوم 19/ 3/2011 لم أقاتل تحت الناتو، وعدت إلى المنزل وتعرضت للحبس بتهمة الخيانة”.
ممّا تقدم يتضح أن أبو خمادة استمر حتى اللحظة الأخيرة في محاولة التوفيق بين انشقاقه على النظام السابق وبين عدم الانخراط في القتال لجانب الناتو. فعلم الثورات يقول إن “شرط الثورة وطنيتها”، وهذا ما لم يتوفر بثورة مرشدها الأعلى برنار ليفي.
ولعل آخر ما ذخرت به أيام أبو خمادة المعروف ببساطته، تماما كأهل الصحراء بواحاتها المتربعة على كثبان الرمل وقد لفحت بشرتهم حرارة الشمس اللاهبة، توقه الى تمضية بقية العمر مع مسبحة وسجادة صلاة في رحاب مكة حتى يلاقي وجه ربه. فابن قبيلة “المغاربة” التي تعتبر مدينة اجدابيا معقلها التاريخي، وينتشر بعضها بمدينة سبها جنوبي ليبيا، فيما أهل أبو خمادة قصدوا منذ أربعينات القرن الماضي مدينة “مرزق” في أعالي الصحراء، وكان عبدالكريم والد أبو خمادة شخصية لها مكانتها الاعتبارية في مرزق ليس لأنه مسؤولا في الشرطة، وإنما لأنه كان أيضا مؤذن وإمام المسجد في مرزق التي كانت تضم بعض الزوايا الصوفية والنقشبندية منها خاصة، وهي الزوايا التي تربى ونما فيها اللواء أبو خمادة ، حيث طبعت الصوفية زهده وبعده عن زخارف الحياة ومباهجها، وتميزه بالبساطة التي جعلته منصرفا الى العسكرية بمعناها الاحترافي بعيدا عن ألاعيب السياسة ودهاليزها.
إنها الصوفية نفسها التي كان يلوذ بها معمر القذافي كطريقة للتفكر والتأمل والتعبد والصفاء الروحي. وقد انصرف القذافي في سنواته الأخيرة الى احياء أعياد المولد النبوي الشريف في عدة مدن عربية وافريقية مثل تمبكتو، أغاديز، تشاد، كامبالا ونواكشوط وسط حشود كبيرة من مشايخ الصوفية وعلمائها حول العالم.
وربما الصوفية مع الراية البيضاء بعض من القاسم المشترك بين القذافي وأبو خمادة ، مع فارق جوهري كبير أن أهل القذافي وأنصاره ما زالوا مصرين على الكشف عن مكان قبره المجهول بهدف دفنه وتشييعه تضميدا لجراح ليبيا الغائرة.
[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]
[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]
[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]
[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]