«إخوان الجزائر».. عين على السلطة والأخرى على الجيش
لم تخف تحركات «إخوان الجزائر» حلم السلطة، وعلى مسار تجربة جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس. بينما يرصد الجيش الجزائري تحركات «الإخوان»، ويتأهب للتيار الإسلامي، بحسب تعبير الخبير الأمني الفرنسي، الجنرال لافيت رولان، مؤكدا أن «الإخوان» يحملون الحلم و«عين على السلطة والأخرى على الجيش»، وبعد أن كشفت جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر، عن التوجه لتحفيز الشارع الجزائري بالاستمرار في احتجاجات الغضب والحراك الشعبي المتواصل لكتابة نهاية سريعة لـ «النظام العسكري » الحاكم ـ بحسب وصفها ـ وبادرت مبكرا بطرح رؤيتها وتوقعاتها بأن الشارع الجزائري لن يوافق على قرارات الرئيس بوتفليقثة بتأجيل الانتحابات حتى نهاية العام الحالي، وعدم ترشحه في الانتخابات المقبلة، وأن إخوان الجزائر سوف يقفون وراء الشعب في الرفض لتلك القرارات، وفقا لتصريح القيادي الإخواني، عبد المجيد المناصرة ، نائب رئيس حركة مجتمع السلم «إخوان الجزائر».
- وحذرت الدوائر السياسية في الجزائر من تكرار «التجربة المصرية»، حين تحركت جماعة الإخوان من وراء الستار، وبدعم من فصائل التيار الإسلامي «يديرون المسرح ترقبا للقفز على الثورة الشعبية المصرية واستلام الحكم».
تجربتان أمام «إخوان الجزائر»
وأمام «إخوان الجزائر» تجربتين: الأولى مع الجماعة الأم في مصر، وانتهت التجربة بنهاية التنظيم الإخواني وملاحقة عناصره، واستقرت القيادات الإخوانية ما بين السجون المصرية أو في المنفى الاختياري في دولتي قطر وتركيا.. والتجربة الثانية مع «إخوان تونس» وسبق لهم الاستفادة من التجربة المصرية ولذلك نجحوا في التخلى عن الصفوف الأمامية، والمشاركة فى الحكم من وراء الستار، وأصبحت حركة النهضة التونسية «إخوان تونس» نموذجا تحتذى به حركة مجتمع السلم في الجزائر« حركة حمس الإخوانية».
تكرار السيناريو الإخواني «المصري»
ويرى خبراء أمن جزائريون أن «إخوان الجزائر» ينفذون خطوات السيناريو المصري بأدق التفاصيل، سواء من حيث تسخين الحراك الشعبي كلما هدأ وخاصة عقب كلمة الرئيس بوتفليقة التي أعلن من خلالها عدم الترشح والبدء في ترتيبات سياسية جديدة لجمهورية جديدة، وإعداد دستور جديد، وأن تجرى انتخابات الرئاسة نهاية العام الجاري، وما بدا من قبول شعبي، إلا أن جماعة الإخوان والتيار الإسلامي بادروا بالتحرك لاستمرار التظاهرات وتحفيز المواطنين على رفع سقف مطالبهم، وهو ما حدث في مصر عقب خطاب الرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك، وما بدا من تجاوب شعبي مصري من قطاعات عريضة لولا تحرك الإخوان من وراء الستار لتحفيز الشعب على الرفض، وبدأت مظاهر العنف وسالت دماء لقطع الطريق على النظام المصري الحاكم، حتى فوجىء الشعب المصري بأن الحركة بيد الجماعة التي قفزت على الحكم بعد ذلك بمساعدة الرديف من التيار الإسلامي.
وخلال هذه الفترة بدأت اتصالات الإخوان المسلمين في مصر مع قوى المعارضة.. وهو ما حدث في الجزائر، السبت الماضي، حين استقبل حزب جبهة العدالة والتنمية (ذو توجه إسلامي ويدعو إلى أسلمة المجتمع)، اجتماع لقوى المعارضة الجزائرية لوضع خارطة طريق تنفي خارطة الطريق التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة، والإقرار بمرحلة انتقالية قصيرة لا تتجاوز ستة أشهر بعد انتهاء العهدة الرئاسية الحالية، يتم فيها نقل صلاحيات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى هيئة رئاسية، ودعوة الجيش للمساعدة في تحقيق هذه المطالب في إطار احترام الشرعية الشعبية.
دور أمريكي «مشبوه» لدعم الإسلاميين !
سيناريو قريب من السيناريو المصري، بحسب تقدير الباحث والأكاديمي الجزائري، د. عبد الرحمن مراد، ولكن الجيش الجزائري يدرك تماما مخطط التيار الإسلامي، ووجه تعليمات للأجهزة الأمنية بضبط النفس أمام المتظاهرين، وعدم الاحتكاك بأي صورة، رغم محاولة عناصر إسلامية استفزاز رجال الأمن حتى تسيل دماء يتاجرون بها ويشعلون الشارع الجزائري كما حدث تماما في مصر.. وقال الخبير الأمني المصري، اللواء محمد زهير، إن الجيش الجزائري له تجربة عشر سنوات مريرة، طوال عقد التسعينيات مع تلك الفصائل مهما اختلفت مسنمياتها، لكن الفكر والتوجه ومطامع السلطة لا تختلف ، فضلا عن أن الجيش الجزائري من أقوى الجيوش العربية وفي المرتبة الثانية عربيا بعد الجيش المصري، وهو أيضا من أقوى الجيوش عالميا ويحتل المرتبة الـ 23 ..بينما الإخوان المسلمين يتصورون أنهم يستندون إلى ركيزتين من الجيران الاخوان (حركة النهضة وهي في موقع السلطة والحكم في تونس ، و الحزب الإسلامي بمرجعية إخوانية في المغرب «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في المغرب) أي ما بين الحدود الشرقية والغربية للجزائر ، بحسب تحليل استاذ علم الاجتماع السياسي د. منصور خليل، مؤكدا أن هناك قوى إقليمية ودولية تدعم جماعة الإخوان في الجزائر وهو ما رصدته المخابرات الفرنسية التي يعنيها أمر الجزائر ، وأبلغت السلطات الجزائرية بدور أمريكي ـ تركي وتشكيل خلايا متابعة في دولة عربية مجاورة للجزائر وتشهد توتر في العلاقات مع الجزائر منذ سنوات.
الخطوط الحمراء
والجيش الجزائري، بحسب تقارير وسائل الإعلام الفرنسية، نصب نفسه حكما، وبمعنى تحديد الخطوط الحمراء التي لا يمكن لجماعة الرئيس بوتفليقة تجاوزها باسم الأمن القومي.. والخطوط الحمراء التي لايمكن تجاوزها من قوى التيار الإسلامي، وفي كلتا الحالتين، يحمي مصالح الشعب والوطن.. والمفارقة كما تقول صحيفتا «لوفيغارو» و«لوموند» الفرنسيتين، أن الرئيس الجزائري، بوتفليقة، هو الوحيد الذي نجح في الحد من هيمنة العسكر، ولكنه في نفس الوقت ساهم بجعل الجنرال قايد صالح أكثر العسكريين نفوذا في تاريخ الجمهورية الجزائرية، والرجل له خبرة طويلة في مواجدهة تيار الإسلاميين ومطامعهم في السلطة، ولن يتردد في دعم المطالب الشعبية بانتقال سلس وهادىء للسلطة يجنب الجزائر تجارب دول عربية سقطت في الفوضى السياسية والأمنية، وهو مستوعب تماما لتجربة الجيش المصري، سواء خلال تولي مسؤولية المرحلة الانتقالية في مصر والتي استمرت نحو 18 شهرا، ثم تصحيح الأخطاء في 30 يونيو/ حزيران 2013 وعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي.
الرؤية الأمريكية: الإخوان البديل السياسي للأنظمة
وتشير الدوائر السياسية في الجزائر، إلى أن حركة مجتمع السلم، الذراع السياسي الأبرز للإخوان في الجزائر ترتبط مع الولايات المتحدة بعلاقات وطيدة، ولذلك تتميز مواقفها دائما ببراجماتية، ووفقا لمصالحها، وحرصا على علاقة الروابط التي يملكها رجل الإخوان زعيم حركة «حمس» القوي، عبدالرزاق مقري، بمنظمة فريدم هاوس الأمريكية في الجزائر، وتشكل هذه العلاقة لأحد أهم رجال أكبر حركة إسلامية سياسية في البلاد، بمنظمة من حجم فريدم هاوس، تأكيدا واضحا على أن فكرة الإخوان كبديل سياسي للأنظمة لا زالت موجودة لدى الولايات المتحدة، وتعمل على ترسيخها.
علاقة «الإخوان» بالأنظمة الحاكمة
والتشابه الغريب، اللافت للنظر، هو علاقة «الإخوان» بالأنظمة الحاكمة: علاقة إخوان مصر بالرئيس الأسبق حسني مبارك، وبالحزب الوطني الحاكم، قبل الثورة الشعبية المصرية، وهي نفس علاقة إخوان الجزائر مع من كان يعتبرونه «المجاهد الرئيس بوتفليقة»، وأنهم لن يخوضوا انتخابات الرئاسة لمنافسة الرئيس!! وبالطبع كان الفشل الكبير للجماعة الأم في مصر هو الدافع لإخوان الجزائر لايجاد صيغ للتقارب والتنسيق، مع دائرة النظام على حساب الشعب والمجتمع، وهو ما تحقق بالفعل من خلال مبادرة حركة السلم «حمس»، التي أطلقوها في وثيقة في شهر يوليو/ تموز الماضي 2018، تحت اسم «مبادرة التوافق»، رغم أن أغلب الأحزاب الجزائرية أعلنت رفضها لها، ويتمثل مضمون المبادرة في انتخاب رئيس توافقي في 2019، يقود اصلاحات مدعومة حزبيا وشعبيا.
نموذج «الغنوشى ـ السبسى» فى الجزائر
إخوان الجزائر وجدوا أنفسهم أمام فرصة لا ينبغي أن تفلت من بين أيديهم، وهناك مستشارون لهم من جماعة الإخوان يشاركونهم وضع تصورات المستقبل، خاصة وأن إخوان الجزائر استفادوا من تجربة حركة النهضة التونسية، والتي شجعتهم للتخطيط مبكرا لإعادة هيكلة موضعهم على الخارطة السياسية قبل عام من انتخابات الرئاسة ، حيث طرحت حركة «حمس» الإخوانية مشروع «للتوافق الوطنى» على الأحزاب السياسية لترتيب المرحلة المقبلة، عبر سلسلة اتصالات مع الفاعلين السياسيين، والذهاب إلى الاستحقاق الرئاسي بمرشح تتفق عليه أحزاب السلطة والمعارضة معا، وبدات حركة حمس، الذراع السياسى لتنظيم الإخوان بالجزائر، تخطط لتطبيق النموذج التونسى الذى شهد توافقا بين الإخوان والمدنيين قام بناء عليه أساس الحكم خلال السنوات الماضية.وقد بدأ إخوان الجزائر يلوحون إلى إمكانية تطبيق نموذج «راشد الغنوشى – والباجى قايد السبسى» فى الجزائر، فى وقت تستعد فيه البلاد لمرحلة انتقالية.
بداية الاخوان في الجزائر
هناك علاقة وثيقة بين دور جماعة الإخوان الأم في مصر ووجود تنظيم لجماعة الإخوان في الجزائر،، فقد تشكلت جماعة الإخوان في الجزائر على يد الوافدين إلى البلاد من مصر وسوريا؛ لكن الثابت أن تنظيم الإخوان المسلمين في الجزائر لم يتحرك بصفة فعلية، إلا بعد إطلاق سراح الشيخين محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني في 1980 بعفو شامل من الرئيس الشاذلي بن جديد، بعد رحيل الزعيم الجزائري القوي هواري بومدين ( وهو نفس الدور الذي قام به الرئيس المصري أنور السادات، في منتصف السبعينيات بعد رحيل الزعيم العربي جمال عبد الناصر، حين فتح أبواب العودة أمام جماعة الإخوان !! ) وبذلك يمكن القول أن التشكيل الفعلي لجماعة الإخوان المسلمين في الجزائر تأخر إلى مطلع الثمانينيات، وتحدد بعض المصادر الانطلاقة الرسمية لعمل محفوظ نحناح ومحمد بوسليماني، تحت مظلة جماعة الإخوان المسلمين ـ جناح التنظيم الدولي بالتحديد ـ بعد عودة الشيخ بوسليماني من تونس التي شارك فيها في مؤتمر حركة الاتجاه الإسلامي مطلع الثمانينيات بقيادة الشيخ راشد الغنوشي، وقد انتهز هذا الأخير فرصة وجود ضيوف جزائريين لحضور المؤتمر فعرض عليهم الارتباط الرسمي بتنظيم الإخوان الدولي، ولقي الاستجابة من بعض الحاضرين، من بينهم الشيخ محمد بوسليماني.