إسماعيل مصطفاي.. الانتحاري الذي عجزت فرنسا عن اكتشافه
يجسد إسماعيل عمر مصطفاي، أول من تحددت هويته من بين مرتكبي المذبحة الدامية في باريس، المعضلة التي تواجه السلطات الفرنسية في معاناتها لقتال عدو لا تجد له أثرا.
مصطفاي مواطن فرنسي طويل القامة، يبلغ من العمر (29 عاما)، بلحية قصيرة ومظهر معتاد ميزه ارتداء الجلباب، وكان يعيش في منزل متواضع بضاحية شارتر، وهي بلدة في جنوب غربي باريس، تشتهر بكاتدرائية رائعة أكثر من كونها حاضنة للتشدد الإسلامي.
وقال جاره كريستوف لـ”رويترز”، “كان رجلا عاديا، لا شيء يجعلك تعتقد أنه سيتحول للعنف”، وأضاف الجار حين سئل عن تقارير إعلامية بأن مصطفاي له زوجة وابنة صغيرة، أنه دائما ما كان يشاهده بمفرده.
وأضاف كريم بن عايد، وهو مسؤول بمسجد في المنطقة، إن مصطفاي لم يكن يتردد باستمرار على المسجد، مضيفا “ربما صادفته ولكن لم أعرفه، ربما مر علينا هنا، لكننا لا نميل للتشدد”.
وفي أعقاب الحدث الجلل، مساء الجمعة الماضي، حيث قتل 129 شخصا على الأقل، اكتشف المحققون الفرنسيون معلومات أكثر عن مصطفاي، الذي فجر نفسه بعدما ساعد في تنفيذ أسوأ مذبحة يوم الجمعة في قاعة باتاكلان الموسيقية.
واكتشفوا أيضا ثغرات تثير القلق في معلوماتهم المخابراتية.
نقاط غير متصلة
تبين أن ملفا في الشرطة أشار بالفعل إلى احتمال أن يصبح مصطفاي متشددا إسلاميا، وأدين الرجل 8 مرات في جرائم صغيرة، لكنه لم يدخل قط السجون، وهي أماكن تراقب فيها السلطات أي بوادر على التشدد.
وتقول تركيا، إنها أبلغت السلطات الفرنسية بشأنه مرتين، الأولى في ديسمبر/ كانون الأول 2014، والثانية في يونيو/ حزيران 2015، معتقدة أنه إما في طريقه لسوريا أو منها، ودخل مصطفاي تركيا في 2013، ولكن لا توجد أي بيانات عن مغادرته، وقال مسؤول تركي كبير، إن باريس لم تطلب المزيد من المعلومات عنه إلا بعد هجمات الجمعة.
وأوضح آلان بوير، المتخصص في علم الجريمة، في تصريح لمجلة “لو بوان” الفرنسية، “لم نصل النقاط ببعضها، كنا نعرف منذ عدة أسابيع أننا نواجه خطرا هائلا في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني أو أوائل ديسمبر/ كانون الأول”.
وكشف مارك ترفيديتش، الذي شغل حتى سبتمبر/ أيلول منصب كبير القضاة الفرنسيين في قضايا الإرهاب، أن السلطات كانت تعرف نوع الأهداف التي يسعى لها تنظيم “داعش”.
وقام ترفيديتش، الذي قضى في ذلك المنصب 10 سنوات بآخر عملية استجواب لمشتبه به في منتصف أغسطس/ آب، وقال لمحطة “فرنسا 2” التليفزيونية، “اعترف الشخص بأنه قد طلب منه استهداف حفل لموسيقي الروك”.
وتابع متحدثا بلهجة رجل محبط بسبب ضياع فرصة، “لم نكن نعرف إن كانت باتاكلان أو أي مكان آخر، لم يكن يعرف الموقع على وجه التحديد الذي سيطلب منه، لكن.. نعم.. كان هذا هو ما طلب منه”.
وقال دليل بوبكر، وهو إمام بمسجد باريس الكبير، إن السلفيين الذين يتبعون نفس المنهج المتشدد لـ”داعش”، كانوا يتسللون إلى المساجد في فرنسا ويرسلون الشبان إلى سوريا، خاصة الأوروبيين الذين يعتنقون الإسلام.
وأضاف بوبكر لـ”رويترز”، “لدينا هنا محرضون ينشرون خطابات الكراهية والعنف ضد الدولة، وضد من لا يتبعون دعوتهم للجهاد، طالبنا السلطات بأن تتصرف بحزم، وطلبنا من الشرطة المساعدة، دون أي نجاح”.
وردت فرنسا على الهجمات بإعلان حالة الطوارئ ومداهمة منازل لمن يشتبه أنهم إسلاميون متشددون في مختلف أنحاء البلاد، وقصفت المقاتلات الفرنسية معسكريا تدريبا وموقعا يشتبه أنه مخزن للسلاح في الرقة معقل “داعش” في سوريا وفي محيطها.
انتحاريون
وتوقع فرانسوا هيسبورج، محلل شؤون الدفاع مثل هذه الغارات، وقال “يمكننا أن ندك الرقة ونسويها بالأرض، لكن من غير الواضح إن كان هذا سيساعد في القضاء على مثل هذا النوع من الهجمات في أوروبا”.
وأضاف، “ليست لدينا مشكلة فحسب في سوريا.. لدينا مشكلة في فرنسا”.
ومن بين المفاجآت، التي فجرتها هجمات باريس هذا المستوى العالي للتنسيق واستخدام الانتحاريين، وهو أمر يتناقض مع وجهة النظر السائدة بأن “داعش” استخدم في الأغلب “أفرادا” يقاتلون حتى الموت، لكنهم لم يتحولوا إلى قنابل تسير على الأرض.
وقال آرنو دانجين، النائب بالبرلمان الأوروبي، وضابط المخابرات السابق، “هذا ما يخشاه جميع المتخصصين، لأنه يصعب إلى درجة كبيرة من الناحية الفنية كشفهم”.
وأضاف، “إلى الآن لم يكن هذا من أساليب عمل النشطاء الفرنسيين، اليوم سقط هذا المعتقد، هؤلاء المواطنون الفرنسيون مستعدون لتفجير أنفسهم في فرنسا ووسط الشعب الفرنسي”.
ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة شهدت جهود فرنسا ضد جهاديين نشأوا فيها عدة مراحل، فلقد اخترقت السلطات “مساجد مثيرة للقلق”، وطردت أئمة متشددين، وحظرت النقاب في المدارس الحكومية، وأنشأت مجلسا إسلاميا وطنيا تبين بعد ذلك عدم جدواه.
وقال ترفيديتش، إن تلك الجهود أغفلت أن كثيرا من المتشددين لم يسلكوا هذا الطريق من خلال المساجد أو في السجون، بل من خلال الإنترنت ورحلات إلى سوريا.
وتابع، “لم نفعل شيئا على مدى 10 سنوات للتصدي لمشكلة التشدد الفردي بعيدا عن الجماعات المتشددة الأكثر وضوحا، بدأنا نسلك هذا الطريق قبل عامين فقط”.