توفت الأم وهو لايزال طفلا، وأفلس الأب الصائغ بعد أن تراكمت عليه الديون فدخل السجن، ما اضطر الطفل إلى الدخول في سوق العمل، غادر مدينة السويس، مسقط رأسه، إلى القاهرة وهو ابن السابعة عشرة من عمره، دخل إسماعيل ياسين عالم الفن من أبواب ضيقة، إلى أن اعتلى شباك التذاكر، وقدم سلسلة أفلام تحمل اسمه، تعثرت مسيرته، وتراكمت عليه الضرائب، وطاردته الديون،وبيعت أملاكه أمام عينيه. يخشى مصير الأب، فيهاجر مرة أخرى ليتدارك خسائره، لكن الحظ يطرق الباب مرة واحدة، يعود لتنتهي حياته على الكفاف كما بدأ.
60 عاما هى العمر الذي عاشه الكوميديان الحزين، رسم خلال 35 سنة منها البسمة والضحكات على وجوه الجميع خوفا من أن يلاقي مصير الأب، لكن كلمة القدر كانت نافذة فاخترق سهم الغدر حياته ومات فقيرا بائسا.
قدم ياسين من بين ما قدم مونولوج (كلنا عاوزين سعادة/ بس ايه هي السعادة/ ولا ايه معنى السعادة/ قولي يا صاحب السعادة)، من كلمات رفيق دربه أبو السعود الإبياري، ويبدو أن الكوميديان المصري ظل يبحث عن معنى السعادة طوال حياته المليئة بالشقاء، وانتهت به بعدما قدم للسينما 166 فيلما غارقا في بحر الديون.
ولد إسماعيل ياسين في 15 سبتمبر عام 1912 بمدينة السويس، لصائغ ميسور الحال بأحد شوارع المدينة، كان مقدرا للابن أن يعيش وفي فمه «ملعقة من ذهب»، لكن القدر كان له رأي آخر مع الطفل الذي عشق أغاني موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وحلم أن ينافسه يوما ما.
توفت الأم وهو لايزال طفلا يافعا، وأفلس الأب لسوء إنفاقه، تراكمت الديون فدخل السجن، ما اضطر ياسين إلى العمل مناديا أمام محل لبيع الأقمشة، يهجر المنزل خوفا من بطش زوجة أبيه، ويعمل مناديا للسيارات بأحد مواقف السويس.
عندما بلغ سن السابعة عشرة ألقى نفسه في إحدى السيارات المتجهة إلى القاهرة، وعمل صبيا بأحد مقاهي شارع محمد على، بعدها التحق بفرقة الأسطى “نوسة”، أشهر راقصات أفراح شعبية في بداية الثلاثينيات، وبعد معاناة مادية تركها ليعمل وكيلا في مكتب أحد المحامين بحثا عن لقمة العيش.
بعدما استقرت أحواله المادية نسبيا، راودته أحلامه الفنية عن نفسه، ذهب إلى بديعة مصابني، وقدمه لها المؤلف الكوميديان أبو السعود الإبياري الذي سيصير رفيق رحلة ياسين، وبالفعل أدى الأخير العديد من المونولوجات الكوميدية على ملهي بديعة مصابني لمدة 10 سنوات من عام 1935- 1945، ليقترب خطوات من حلمه ويقدم المونولوج في الإذاعة.
فى عام 1939 كان بداية دخوله السينما، عندما اختاره فؤاد الجزايرلى ليشترك في فيلم خلف الحبايب. وقدم العديد من الأفلام لعب فيها الدور الثاني من أشهرها في تلك الفترة،علي بابا والأربعين حرامي، ونور الدين والبحارة الثلاثة، والقلب له واحد، وفي عام 1944 جذبت موهبة ياسين انتباه أنور وجدي فاستعان به في معظم أفلامه، ثم أنتج له عام 1949 أول بطولة مطلقة في فيلم (الناصح) أمام الوجه الجديد آنذاك ماجدة.
استطاع ياسين أن يكون نجما لشباك التذاكر تتهافت عليه الجماهير، وكانت أعوام 52 و 53 و54 عصره الذهبي، حيث مثل 16 فيلما في العام الواحد، وهو رقم لم يستطع أن يحققه أي فنان آخر.
بداية من عام 1955 شكـّل هو وأبو السعود الإبياري مع المخرج فطين عبد الوهاب ثلاثياً من أهم الثلاثيات في تاريخ السينما المصرية، وأنتجت له أفلام باسمه بعد أن أنتجت أفلام باسم ليلى مراد، منها (إسماعيل ياسين في متحف الشمع – إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة – إسماعيل ياسين في الجيش -إسماعيل ياسين بوليس حربي– إسماعيل ياسين في الطيران – إسماعيل ياسين في البحرية – إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين..إلخ).
انقضي عقد الخمسينيات، وبدأت سهام التعثر تلاحق الكوميديان الحزين طوال سنوات الستينيات العشر، لأسباب متعددة، تراكمت عليه خلالها الضرائب، وطاردته الديون، وحجزت الدولة على العمارة التى بناها بعرق الجبين وبيعت في مزاد علنى أمام عينيه، حاول أن يعوض خسائره في هجرة ثانية كما حدث معه في الماضي البعيد، لكن القدر يهب الحظ مرة واحدة، فعاد إلى مصر خالي الوفاض، وبينما كان الرئيس السادات يفكر في تكريمه وافته المنيه في 24 مايو 1972 إثر أزمة قلبية حادة.