إطلاق مشروع المصالحة الوطنية الليبية
أطلق المجلس الرئاسي الليبي، اليوم الخميس، الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية، حيث دعا المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب المجلس الرئاسي بإنجاز قانون المصالحة الوطنية وعرضه في أقرب وقت.
وتتناول الرؤية عدة محاور، من أبرزها «جذور الصراع»، ومن تحته عدة عناوين تتعلق بـ«الهوية الوطنية، ونظام الحكم، واللامركزية، والعدالة الانتقالية».
كما تطرح 5 مبادئ حاكمة لتحقيق المصالحة تتخلص في «معالجة جذور الصراع، وتحقيق سيادة القانون، والمساواة في الحقوق والواجبات والمواطنة، وإعطاء الأولوية للصالح العام، ودمج كافة مشاريع التصالح في إطار واحد».
جاء ذلك في مؤتمر بالعاصمة طرابلس، اليوم الخميس، بحضور رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ونائبه، موسى الكوني، الذي ألقى كلمة أكد فيها إن هذا المشروع نتاج شهور من الجهد، ثم عرض مقطع فيديو يلخص جهود المجلس خلال الشهور الماضية لإطلاق المشروع، واللقاءات التي عقدت في أرجاء البلاد كافة وخارجها.
وتواجد في الفعالية أيضا عدد كبير من الشخصيات السياسية وسفراء معتمدون لدى ليبيا، وممثلون عن المنظمات المحلية والدولية، بينهم رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي «موسى فقي» وبعثتي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في ليبيا.
ودعا رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، المجلس الرئاسي إلى عرض مشروع قانون المصالحة الوطنية على مجلس النواب في أقرب وقت.
جاء ذلك في كلمته خلال مؤتمر إطلاق الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية، اليوم الخميس.
وأضاف صالح: «نتطلع في هذه المرحلة التاريخية إلى السمو فوق الخلافات، ونبذ المشاحنات والصراعات التي عطلت مسيرة الحياة، وأفسدت العلاقات وحالت دون توحيد المواقف والصفوف وضيعت القدرات».
وأكمل «نتطلع نحو إنجاز مصالحة وطنية حقيقية تضمن تحقيق الأمن والأمان، وتطوي ماضي الصراعات لنمضي بخطوات ثابتة نحو دولة القانون والمؤسسات.. لا إقصاء لأحد، وللكل حقوق وواجبات وفق دستور يرتضيه الليبيون».
وأشار إلى أن المصالحة ستسهم في «إحلال الألفة مكان الفرقة، واستئصال داء النزاع وحقن الدماء، وإعادة النازحين والمهجرين إلى قراهم بين أهليهم وذويهم، وطوي ماضي الثارات والاقتتال»، مردفًا: «المصالحة ركن أساسي في بناء الوطن، وضمان استقراره ونهضته، ولنا العبر والدروس في شعوب شقت طريقها عبر المصالحة الوطنية، وطوت صفحات الظلم والاستبداد».
واختتم: «يجب أن ندعم تلك الغاية النبيلة بمختلف الوسائل، وعبر جبر الضرر واستعادة الوئام والسلام وتجاوز العنف والعبث وترسيخ معاني الأخوة والمساواة وقيم التسامح.. ليبيا ليست للارتهان أو المساومة.. قدم أهلها التضحيات لأجلها وحري بنا التضحية للمحافظة عليها وحمايتها والتنازل بين بعضنا من أجل ضمان سلامتها ونهضتها».
من جانبه، أثنى رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، اليوم الخميس، على جهود المجلس الرئاسي في ملف المصالحة الوطنية، معتبرًا أن المصالحة هي «الطريق الأقصر» لبناء دولة العدل.
وقال المشري في كلمة عبر الفيديو خلال مؤتمر إطلاق الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية، إن المصالحة الحقيقية تقوم على ركائز أساسية تبدأ بتقصي الحقائق ورد المظالم وإيفاء الحقوق وجبر الضرر وتنتهي بالعفو والصلح.
وشدد رئيس مجلس الدولة على أهمية المصالحة في بناء دولة مستقلة تنطلق إلى المستقبل، منبهًا إلى جهود مجلس الدولة في هذا الإطار وعقده الندوات وتشكيله لجانًا مهمتها مناقشة الملف ووضع خطط واستراتيجيات للتعامل معه.
وقال رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إن ليبيا تحتاج إلى جهود وطنية تخرجها من دائرة التدخلات الأجنبية والتبعية، متابعا: «ولا سبيل لذلك إلا بمصلحة وطنية تُعلي مصلحة الوطن على كل المصالح».
وأضاف: «لقد عانت شعوب كثيرة من الفرقة والقطيعة والانقسام لكنها بالعزيمة والإرادة انتصرت، وبالعفو والصفح والتسامح والمصالحة عبرت ونهضت»، وذلك في كلمته خلال مؤتمر إطلاق الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية في طرابلس، اليوم الخميس.
وأكمل: «نحن الليبيون لسنا استثناء، فقد آن لنا أن نتسامح ونتصالح، فقد عانى منا الكثير قسوة التهجير وويلات الانقسام والاختلاف ومرارة الفقد، وآن الآوان للكل ليبي وليبية العيش بطمأنينة وسكينة فوق تراب الوطن، وآن لنا أن نترك للأجيال المقبلة من الأسباب التي تشعرهم بالفخر والعزة بالانتماء إلى هذه الأرض كما فعل أجدادنا العظماء».
وأردف: «عزمنا من خلال هذه الرؤية على تجنيب شعبنا ويلات الحروب، وما تخلفه من فقد وأسى وتهجير وتشريد وحرمان، ولا يتأتى ذلك إلا بإنفاذ القانون وتحقيق العدالة، وتكريس حقوق المواطن وكرامته وصون حرياته».
وتابع: «على ذلك عقدنا العزم في تدشين هذه المبادرة الحجادة لمصالحة وطنية شاملة للشعب الليبي بكل أطيافه ومكوناته قائمين بأعباء هذه الأمانة وملتزمين بمسؤولياتنا الوطنية.. فالتاريخ والحاضر والمستقبل يجمعنا ونحن في أعناقنا المجلس الرئاسي أمانة عظيمة، وهي مسؤولية تأسيس مشروع حقيقي للمصالحة الوطنية الجامعة تلم شمل الليبيين وتعيد لهم نسيجهم المجتمعي، وحتى يكون الليبيون شركاء في الإدارة والإرادة، فلا مناص من المصالحة الوطنية.. آلينا على أنفسنا خلال هذه الرؤية أن نضع أسس العبور إلى غد واثق مطمئن ومشرق»، مختتما بإطلاق رؤية المصالحة.
من جانبه، أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط عن استعداد الجامعة لدعم إنجاز المصالحة الوطنية بالشكل الذي يعالج كل المحطات المهمة، من أجل إنهاء المرحلة الانتقالية وصولًا إلى الاستقرار الدائم.
ودعا أبوالغيط إلى تجنُّب عودة الصراع في البلاد، قائلًا إنه «لا فائز ولا منهزم في قتال أبناء الوطن الواحد»، وذلك في كلمته خلال مؤتمر إطلاق الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية في طرابلس، اليوم الخميس.
وأضاف أن الجامعة العربية «تدعم كل جهد ليبي مخلص يدعم إمساك الليبيين زمام العملية السياسية في بلادهم دون إملاء من أي طرف أجنبي».
وأكمل: «في الوقت الذي نعي فيه التحديات التي حالت دون إطلاق الرؤية في موعدها المحدد.. فإن الأمل يحدونا بمواصلة العمل بعزيمة ليبية لتحقيق أهدافها النهائية وتحقيق تقدم ملحوظ في المسار السياسي، وصولًا إلى إجراء انتخابات وطنية بقاعدة دستورية متوافق عليها وتفضي إلى تجديد شرعية المؤسسات الليبية».
وتابع: «الجامعة العربية تابعت باهتمام الخطوات المتحققة خلال الفترة المنصرمة، التي تدخل في إطار حسن نية الأطراف لتحقيق المصالحة متمثلة في فتح الطريق الساحلي، والإفراج عن محتجزين، وتأسيس مفوضية للمصالحة، إضافة إلى اجتماعات لجنة المسار الدستوري في القاهرة التي أفضت إلى توافقات طيبة».
بدوره، أعلن عضو المجلس الرئاسي، عبدالله اللافي، اليوم الخميس، الانتهاء من «مرحلة أساسية» من مشروع المصالحة الوطنية، لافتًا إلى أن المصالحة الصحيحة لا تنتهي بالتوقيع على مشروع أو اتفاق؛ بل هي «مشروع وطني مستمر يعالج أخطاء الماضي ويحصن المجتمع من الوقوع في براثن النزاع ويؤسس لقيام دولة القانون».
وقال اللافي خلال كلمة في مؤتمر إطلاق الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالح الوطنية، إن المجلس الرئاسي عقد العزم منذ اللحظة الأولى على التأسيس الصحيح لمشروع المصالحة الوطنية مستهدفًا به «بلدًا موحدًا ومجتمعًا متماسكًا ودولة قوية».
وأشار إلى أن المجلس الرئاسي فضّل العمل بعيدًا عن الأضواء للتأسيس لمشروع المصالحة مستعينًا بعديد الخبراء في مختلف المجالات، إضافة إلى مشاركة أصحاب الأفكار والمبادرات في تناول المشروع من مختلف جوانبه.
وقال عضو المجلس الرئاسي: «أثبت شعبنا الليبي خلال العقد المنصرم، رغم النزاع والاقتتال، أن له القدرة على التعافي وسبقت مجتمعاته المحلية في المصالحة والعفو وحل النزاعات، ونحن نضع مشروع المصالحة الآن بين أيدي الشعب لتوسيع دائرة المشاركة فيه ليكون متحررًا من أي تبعية سياسية أو إدارية».
