إميل أمين يكتب: أزمة المناخ ونموذج العدالة الإيكولوجية

إميل أمين

على عتبات مؤتمر شرم الشيخ، والذي سينعقد خلال أسابيع قليلة في مدينة شرم الشيخ المصرية يتساءل المرء عن أحوال العالم ومآلات التغيرات الإيكولوجية، وأحوال المناخ العالمي، وإلى أين  تمضي المواجهة أو المجابهة بين البشر والطبيعية.

والشاهد أن أفضل قراءة عقلية وروحية معمقة حول أزمة المناخ قد جاءت في الرسالة الحبرية «كن مسبحًا»، والتي أصدرها البابا فرنسيس، قبل مؤتمر المناخ الذي شهدته العاصمة الفرنسية «باريس» في شهر ديسمبر من عام 2015 أيضًا، وكأن البابا الفقير القادم من أمريكا اللاتينية، يحمل رسالة يراد لها أن تصل إلى زعماء الدول ورؤسائها، محاولًا فتح عيون البشر على العالم الذي يودون أن يتركوه للأجيال القادمة من بعدهم.

أحد أهم الأسئلة التي تطرح ذاتها عند قارئ الرسالة: هل هي قاصرة على البيئة في حد ذاتها؟

لا يظن أحد أن هذا هو قصد الحبر الأعظم؛ إذ أن قراءة معمَّقة تؤكد أنه يتساءل حول معنى الحياة والهدف منها، والعمل والكد وجدواهما، وجميعها أسئلة وجودية تقع البيئة في المنتصف منها.

تستلفت الرسالة النظر إلى مختلف جوانب الأزمة البيئية الحالية من خلال الإصغاء لنتائج الأبحاث العلمية المتوافرة في العقود الأخيرة، ولاسيما قضايا المياه وندرتها، ومسألة ما يعرف بـ «الدين الإيكولوجي» الحقيقي، والعلاقة بين دول الشمال الغنية، ودول الجنوب الفقيرة، وأزمة انعدام المسؤولية تجاه الشعوب الجائعة.

هل البشر هم أصل الأزمة البيئية التي يعيشها عالمنا المعاصر؟

هذا ما يؤكده البابا فرنسيس؛ فعلى الرغم من أن التكنولوجيا يمكن أن تكون «نعمة»، فإنها قد تضحي في الوقت ذاته «نقمة»؛ فهي تجعل الإنسان، إن أراد، متسلطًا على الطبيعة، مستغلًا لها، مدمرًا إياها؛ حيث تُستَغل الشعوب الأضعف والأفقر من قبل مُلَّاك تلك التكنولوجيا المتقدمة.

ما الذي تبحث فيه رسالة «كن مسبحًا»؟

باختصار غير مخل، تتطلع إلى ما يمكن أن نطلق عليه، نموذج العدالة الأيكولوجية الجديد، ذلك الذي يبعد شبح انعدام المساواة، والإقصاء لملايين البشر، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية في ماء وهواء وغذاء نظيف.

منطلق الرسالة، لا شك، الحالة المتردية التي وصلت إليها شؤون المناخ حول الكرة الأرضية، الأمر الذي بات يهدد الكوكب وسكانه بكوارث أشد هولًا من القنابل الذرية؛ فالاحتباس الحراري، على سبيل المثال، سوف يقود حكمًا إلى هلاك العالم عبر ذوبان القطبين الجليديين، وحدوث موجات البحار والمحيطات الهادرة المعروفة باسم «تسونامي»، تلك التي تقضي على كل ما في طريقها، ثم اختفاء اليابسة التي ستغمرها المياه؛ وذلك كله من فعل الإنسان المتكالب على الصناعات الحديثة التي تولِّد «ثاني أكسيد الكربون»، والمؤلم حتى الحزن وجود جماعات ضغط « لوبيات» تدعم تلك الصناعات بهدف تعظيم أرباحها، ولا يهمها مآل الكواكب والإنسان.

تتكون الرسالة الحبرية «كن مسبحًا»، من ستة أقسام:

القسم الأول: ينظر فيه الحبر الأعظم إلى مختلف جوانب الأزمة البيئية الحالية، من خلال الإصغاء لما آلت إليه قضايا مثل: المياه، وزراعة الأرض، والتصحُّر، فى سياق الصراع بين الشمال الغني والجنوب الفقير.

القسم الثاني: يسائل البابا الإشكالية انطلاقًا من جذور تقليدية يهودية ومسيحية؛ فرواية الخلق لها ثلاثة أبعاد: العلاقة مع الله الخالق، ومع القريب، ثم ثالثًا مع الأرض. أما الأخيرة هذه فقد تشوهت بعد الخطيئة، فيما جميع المخلوقات تتحرك نحو الهدف المشترك وهو الله؛ وعليه فإن كل قسوة تجاه أية خليقة كانت هي ضد كرامة الإنسان.

القسم الثالث: وفيه رؤية مفصَّلة للدور الإنساني المخرِّب للطبيعة، سواء من خلال الاعتداء المباشر على الأرض والغابات، وتلويث مياه البحار والمحيطات، أم من خلال وسائل الميكنة الحديثة التي لا تراعي كون الأرض أمًّا رؤومًا تحتاج إلى الراحة في بعض الأحايين.

القسم الرابع: ينشد فيه بابا روما ما يسمى «أيكولوجيا متكاملة»، بمعنى البحث عن مكانة البشر، وعلاقتهم بالبيئة، لا بوصفها شيئًا منفصلًا عن حياتنا أو مجرد إطار لها، بل شراكة للتضامن والتعايش.

القسم الخامس: يحتوى على إرشادات للتوجيه والعمل، وفي هذا الإطار يدعو البابا إلى بدء حوار صادق على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية لتنظيم أساليب تقريرية شفَّافة.

وفي هذا القسم يركز الحبر الأعظم خاصة على حقيقة أن الكنيسة لا تدعي المسؤولية عن تحديد المسائل العلمية، ولا تسعى لأن تأخذ محل السياسة، ولكنها تدعو لنقاش صادق وشفاف؛ كي لا يتضرر الخير العام.

فى هذا الجزء تحديدًا من الرسالة، يرتفع صوت البابا بالنقد للقمم العالية التى عقدت بشأن البيئة والمناخ في السنوات الأخيرة؛ لأنها لم ترق إلى مستوى التوقعات، ولغياب القرار السياسي، فإنه لم يتم التوصل إلى اتفاقيات بيئية عالمية مهمة وفعالة حقًا.

القسم السادس: يشتمل على رؤية مستقبلية لتربية روحانية إيكولوجية، ويركز على أولوية تنشئة الضمير في سبيل نمو متكامل: تربوي، روحي، كنسي، سياسي، مجتمعي، لاهوتي.

تقدم الرسالة الحبرية «كن مسبحًا» نقدًا غير مسبوق للموقف الاستهلاكي غير المسؤول لموارد الطبيعة، وتتوقف أمام ما يطلق عليه البابا «ثقافة الهدر»، التي لا ترتبط بالموارد الأولية فحسب؛ بل هي كذلك موقف مستهتر وأناني يؤدي إلى تلوُّثٍ سيكون له بمرور الوقت آثار كارثية على قابلية كوكبنا للعيش الصحي، وهذا التدهور يؤدي ليس فقط إلى مشاكل بيئية، بل إلى تفكك اجتماعي بحيث يرجح بعض الدارسين أن حروب المستقبل ستكون بشأن المياه نظرًا للاستهلاك غير المسئول.

صرخة البابا فرنسيس في رسالته الحبرية «كن مسبحًا» تؤسس لإشكالية «الإفراط في المركزية الإنثروبية»؛ فالكائن البشري في حاضرات أيامنا لم يعد يعرف مكانته الصحيحة في هذا العالم، وبات يتخذ مواقف تدور حول نفسه، يتمحور من حولها حصريًا، وعلى سلطته يعتمد، ويتمخض عن هذا منطق «استعمل وألقِ».

يسوِّغ إنسان العصر الحديث كل نوع من أنواع الإقصاء، بيئيًا كان أم بشريًا، ويعامل الآخر والطبيعة بوصفها مجرد سلع، ويقود إلى أشكال كثيرة من الهيمنة.

فى يوليو تموز من 2013 تحدث البابا فرنسيس في خطاب له في جامعة «موليز» الإيطالية حول مدى الضرر الذي ألحقته تصرفات الإنسان بالبيئة؛ فعبَّر بالقول: «إنه التحدي الأكبر لعالمنا المعاصر؛ إنه تحدٍ لاهوتي بقدر ما هو سياسي، ودولي كما هو تحدٍ محلي؛ إذ أنظر إلى العديد من الغابات التي قطعت عن بكرة أبيها، أصبحت بورًا إلى الأبد، ولكم في غابات الأمازون مثال. هذه خطيئتنا؛ نحن ندمر الأرض. إن أكبر التحديات التي نواجهها هي تغيير ذواتنا وتصرفاتنا، لنتطور وفق ما يزيدها احترامًا للخليقة وخالقها”.

هل سيصل صوت فرنسيس إلى  قادة العالم في شرم الشيخ؟.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]