إميل أمين يكتب: أمريكا أمة في أزمة أم مأزق؟

إميل أمين

 نهار الثلاثاء الفائت تم الإعلان عن معدلات التضخم في شهر أغسطس في الداخل الأمريكي، والتي بلغت 8.3% وبدأت مؤشرات السوق الأمريكية في الهبوط بشكل متسارع بعد صعود استمر قليلا، وبالتالي هبطت أسعار الذهب، وتراجعت العملات المشفرة، وباتت أغلب التوقعات تمضي في طريق المزيد من رفع سعر الفائدة لثالث مرة.

هل يعني ذلك أن الأزمة الاقتصادية لا تزال دائرة وحائرة في الداخل الأمريكي؟

التساؤل المتقدم يأخذنا إلى منطقة جدلية أكثر، وعلامات استفهام حول حال أمريكا اليوم، وهل هي في أزمة أم مأزق، مع الانتباه الكامل للاختلاف الجوهري، القائم في كيان كل منهما.

يذهب علماء الاجتماع إلى أن الأزمة توقف مؤقت يشمل كيانا بعينه، بمعنى عطب ما يصيب منظومة بذاتها، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، اجتماعية أو أخلاقية، فيقال مجتمع مأزوم.

على أن المأزق، في واقع الأمر يختلف في معناه ومبناه عن الأزمة، إذ يمثل مرحلة انقطاع كامل، وانسداد تاريخي يمنع المراكمة والسير قدما على  دروب العمل، وبخاصة مع ضياع الأمل.

والشاهد أننا لسنا في مجال التحليل السيسيولوجي للداخل الأمريكي، بل في محاولة لوضع الأمور في نصابها الحقيقي، ومن غير تهوين أو تهويل.

لا تبدو أمريكا في مواجهة أزمة اقتصادية، لاسيما أنها عبرت أزمات جساما، منذ الأزمة الاقتصادية الكبرى في ثلاثينات القرن الماضي، وصولا إلى أزمة الرهونات العقارية في نهاية العقد الأول من القرن الحالي.

ما تعيشه اليوم الولايات المتحدة يقترب من المأزق، لا  الأزمة، مأزق يخيم على العديد من المسارات السياسية  والاقتصادية، العسكرية والأخلاقية، ما ينذر بهبوب رياح عاتية، قد تذهب بأحلام القرن الأمريكي، وطموحات الهيمنة  الأمريكية على العالم.

على مقربة من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس بعد أقل من عشرة أسابيع، يمكن للمراقب المحقق والمدقق للشأن الأمريكي، أن يرصد وبسهولة ويسر بالغين، أبعاد المأزق السياسي للحزبين الكبيرين، الجمهوري والديمقراطي، واللذين يقودان الحياة العامة في البلاد منذ نحو مائة عام تقريبا  منفردين.

بالنظر إلى الحزب الجمهوري، يبدو وكأنه يعيش أسوأ أيامه، هذا إن لم نقل أواخر أيامه، فليس له أيديولوجية، ولا برامج انتخابية، ولا مواقف سياسية، كأن قياداته الحزبية وأعضاءه الجمهوريين يقودهم زعيم سياسي أعور بين عميان، يسير بهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وقواعد الحزب لا تجيد إلا التصفيق له أينما سار بهم وحل، فهو حزب منهك في إخفاقاته، ويحتضر في سرير الموت في مرحلته النهائية.

هل يسهم الرئيس السابق دونالد ترامب، في تعميق أزمة الجمهوريين أول الأمر بنوع خاص، والأمريكيين تاليا بصورة عامة؟

غالب الظن أن ذلك كذلك، وعلى غير المصدق متابعة حالة الانقسام التي اعترت الداخل الأمريكي منذ قيام المباحث الاتحادية بتفتيش منزله، والعثور على وثائق رئاسية لا يحق له الاحتفاظ بها بعد خروجه من الرئاسة.

الشرخ الذي أحدثه ترامب، يتعمق يوما تلو الآخر ليتحول المشهد بالفعل من مرحلة الأزمة إلى عمق المأزق، ويدهش المرء حين يدرك كيف أن كل المرشحين الجمهوريين لانتخابات التجديد النصفي، أولئك الذين دعمهم وزخمهم ترامب، قد فازوا في الانتخابات التمهيدية في دوائرهم، ما يعني حكم فوزهم في نوفمبر المقبل، وقد يكون ذلك بشرى ساره  لترامب، تشي بتوجهات رياح الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024، أي بعد عامين تقريبا، ما يعني احتمالات عودة ترامب مرة أخرى إلى البيت الأبيض، الأمر الذي يعتبره روبرت كاغان أسطورة المحافظين الجدد، علامة على قرب قيام الساعة أمريكيا، وحدوث القارعة المنتظرة، حيث الجميع يتربص بالجميع، وهو ما وافقه عليه توماس فريدمان مؤخرا عبر عموده الشهير في النيويورك تايمز الأمريكية.

هل حال الحزب الديمقراطي أفضل كثيرا من نظيره الجمهوري؟

ربما يكون الوضع أسوأ، لا سيما بعد سيطرة موجة اليسار المتطرف على مقدرات الأمور داخل الحزب، وانسياق القيادات الديمقراطية وراء الرئيس الأسبق أوباما وطاقمه ومشيريه قبل مريديه، ويكفي المرء أن يراجع نموذج نانسي بيلوسي، زعيمة الديمقراطيين، والدور التخريبي الذي لعبته في الداخل الأمريكي، عبر تعنتها الواضح مع ترامب، ومشهد تمزيق خطاب حالة الاتحاد الأخير يكفي حاله عن سؤاله.

هل المأزق الأمريكي أيديولوجي بالقدر عينه، كما هو سياسي أول الأمر؟

ذلك كذلك قولا وفعلا، ومراجعة السطور الأخيرة لكتاب فرانسيس فوكاياما عن الليبرالية وإخفاقاتها، يقطع بأن واشنطن والتي باتت على موعد عما قريب جدا مع الحزب السياسي الثالث الوليد، في محاولة للخلاص من الثنائية الحدية التقليدية  للجمهوريين والديمقرطيين، تبدو وكأنها تبحث عن منظور آخر كبديل للرأسمالية المتوحشة، والليبرالية المنفلتة، وإن لزم الأمر وقتا غير قليل، ربما تكون عجلة العنف فيه دارت داخليا ومن أسف.

هل الولايات المتحدة الأمريكية  بإزاء احتمالات مأزق عسكري؟

الذين لديهم علم من كتاب، يقطعون بأن مواجهة عسكرية مع الصين لابد منها، سواء كان المنزلق عمدا أو دون قصد، ويشبهون حال بكين وواشنطن، بأسبرطة وأثينا قبل الميلاد، وما عرف بفخ ثيوسيديديس.

لا يتوقف المشهد عند المجابهة مع  الصين، فقد تكون المعركة  التي تجنبها العالم طوال الحرب الباردة، قريبة، بل قريبة جدا،  وبخاصة في ظل الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا بالأسلحة الذكية والفتاكة، ما يفتح المجال لردات فعل روسية، ضمن سياق الردود الشمشونية إذا لزم الأمر.

تبدو أمريكا الإمبراطورية المنفلتة، والتعبير للمؤرخ الأمريكي الشهير بول كيندي، وكأنها في مأزق حقيقي، وليس أزمة، الأمر الذي يدخل العالم برمته في عصر اللايقين، والتعبير لمجلة الفورين أفيرز ذائعة الصيت في عددها الأخير.

هل من خلاصة؟

مأزق أمريكا حكما سينسحب على بقية العالم.. فانظر ماذا  ترى؟.

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]