إميل أمين يكتب: أمريكا والصين.. حديث المصالحة

عُرفت السياسة الدولية منذ بواكير العصور بأنها لعبة المصالح والتوازنات، ومن أكثر التعبيرات ذيوعا وشيوعا القول إنه في سياق العلاقات الدولية، المصالح تتصالح، بمعنى أنه ما من خصومة دائمة، ولا علاقات جيدة ممتدة إلى الأبد، وإنما تبادل منافع براجماتي، تقتضيه مصالح الأمن القومي لكل دولة.

في هذا السياق، يمكننا أن ندلل بعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، في القارة الأوروبية على نحو خاص، إذ من كان له أن يتخيل أن تعود ألمانيا إلى قلب القارة الأوروبية، وأكثر من ذلك تضحى قاطرتها الاقتصادية.

ما تقدم يطرح علامة استفهام مثيرة حول العلاقات الصينية الأمريكية، ومآلاتها المستقبلية، بين مستقبل منظور ومتوقع من الصدام، وحديث جديد طرأ على الملأ في الأيام الأخيرة يحمل رائحة محتملة لمصالحة بين القطب القائم المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والقطب القادم  المتجلي في الصين الشعبية.

يعن لنا بداية أن نتساءل: “لماذا تبقى قضية الوئام أو الخصام من واشنطن إلى بكين والعكس قضية مهمة تتجاوز العاصمتين إلى بقية أرجاء العالم؟.

الجواب باختصار شديد، موصول بمقدراتهما الاقتصادية، وقبل العسكرية، فروسيا على سبيل المثال لا الحصر، يمكنها أن تدخل العالم في جحيم الحرب النووية، لكن مقدرتها على التأثير في مسارات العالم الاقتصادية تبقى محدودة، نظرا لإمكانياتها ومواردها الطبيعية والصناعية التي لا تقارن مع بكين وواشنطن، وهي التي تعاني من فرض الأوروبيين والأمريكيين عليها عقوبات اقتصادية هائلة.

الوضع مختلف بالنسبة للصين، فهي في الحال شريك لمعظم إن لم يكن كافة دول العالم على صعيد الحياة الاقتصادية، والتعبير المعروف والمألوف يقول: إن الصين تهدد الولايات المتحدة بقوة الردع النقدي، وليس قوة الردع النووي.

وفي الاستقبال يبقى مشروع طريق الحرير، والذي يربط العالم القديم، أي آسيا وإفريقيا وأوروبا، مهددا للهيمنة الأمريكية، والتي بدأت اقتصاديا وانتهت عسكريا، واليوم تعود مرة جديدة الدائرة الاقتصادية بعد أن رسخ لديها أن نيران مدافعنا لن تكفل لها السيطرة على مقدرات البشرية مرة وإلى الأبد.

تمضي كل التوقعات للعلاقة بين الصين وأمريكا لجهة ما يقال اختصارا بأنه “فخ ثيوسيديدس”، أي حتمية الصراع بين الطرفين، وبالضبط كما جرت المقادير بين أثينا وأسبرطة قبل الميلاد.

أصحاب هذا الرأي يقولون بأنه حتمية تاريخية لمواجهة بين القوة المسيطرة في الوقت الراهن، وبين القطب القادم زحفا ساعيا لتبديل مراكز السيطرة والقيادة حول العالم، وهو ما رأيناه بين الفرس والروم، الإنجليز والفرنسيين، السوفييت والأمريكيين بعد الحرب العالمية الثانية، وهكذا تمضي الحياة.

غير أن النظر إلى المواجهة بشكل عسكري، قاصر على أن يرى الأكلاف الهائلة التي ستلحق بالطرفين من جراء الدخول في أي حرب حكما لن تضحى تقليدية، وغالبا ما ستتحول إلى نووية، وقد وضع العالم يده على قلبه كما يقال مؤخرا، وذلك خلال زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان، وهو احتمال قائم في كل الأحوال، ويكفي المرء أن ينظر إلى المناورات العسكرية للصين على مقربة من تايوان من جهة، وتحركات القوات الأمريكية في المحيط الهادئ من جهة ثانية .

ولعل ما جعل فخ ثيوسيديدس أقرب إلى الواقع، قيام الرئيس بايدن مرة جديدة بإحياء عالم التحالفات العسكرية بالقرب من الصين وفي قلب المحيط الهادئ بنوع خاص، فقد أنشأ تحالف أوكوس والذي يشمل أستراليا وبريطانيا، وقامت واشنطن بدفع الأستراليين في طريق تغيير صفقة غواصاتهم مع فرنسا، واستبدالها بأخرى أمريكية من نوعية فيرجينيا.

هذه الصفقة جعلت الصين في وضع الاستعداد للمواجهة العسكرية، وقد أكدت على هذا الأمر تصريحا لا تلميحا، بل وأشار وزير دفاعها ” وي فينغي “، إلى أن الصين لن تتوانى عن قصف أي من تلك المنشآت العسكرية الأسترالية، إن شعرت عند لحظة بعينها أنها سوف تتهدد أمنها الإقليمي، أو تطال حواضنها وحواضرها الشهيرة في طول البلاد وعرضها.

ماذا عن الخيار التصالحي الآخر الذي راجت عنه بعض الأنباء مؤخرا، ذاك الذي يطرح خارج إمكانية الصراع والمواجهة  المسلحة؟

من المعروف أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، سيقوم بزيارة رسمية إلى دول جنوب شرق آسيا، وهناك احتمال لأن يلتقي الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، في شهر نوفمبر المقبل، خلال اجتماع مجموعة العشرين، والعهدة على الراوي صحيفة الوول ستريت جورنال الأمريكية.

هنا يعني لنا التساؤل: “هل يمكن أن يجري لقاء شخصي بين الجانبين الأمريكي والصيني، إنطلاقا من مصالح آنية قبل أن تكون إستراتيجية؟.

قبل الجواب ربما ينبغي لنا الإشارة إلى أمر مهم، وهو أن المصالح الأمريكية الصينية متشابكة ومتداخلة بشكل كبير، فالصين هي أكبر مستثمر أجنبي في أذونات الخزانة الأمريكية، وحتى بعدما سحبت الكثير من تلك الإستثمارات.

بالقدر نفسه تبقى السوق الأمريكية، أنفع وأوسع سوق، وأكثر قدرة شرائية من بقية أسواق العالم، ولهذا فإن الصين تحرص على أن تظل الأسواق الأمريكية مفتوحة أمام بضائعها ومنتوجاتها، ومن غير قرارات حظر أو ضرائب عالية، وما شاكل ذلك من إجراءات إقتصادية.

يمكن لهذه المصالحة أن تكون بمثابة تهدئة مؤقتة، لا سيما وأنها تجئ قبل موعدين غاية في الأهمية، انتخابات الرئاسة الصينية، حيث يخوض شي جين بينغ غمار السباق، ويسعى لتكريس زعامته، على الرغم مما أصابها من وهن، بسبب جائحة كوفيد-19 من جهة، ومن جهة أخرى فإن بايدن بدوره يسعى لتحقيق أي إنتصار سياسي، يدعم ويزخم حزبه في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نفس التوقيت، لا سيما وأن حظوظ الديمقراطيين هذه المرة ليست مرتفعة، وهناك مخاوف من سيطرة الجمهوريين عليها.

هل من خلاصة؟

مرة جديدة نؤكد أن سقراط رجل له ماض فلسفي، أما ميكافيللي فله مستقبل سياسي.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]