إميل أمين يكتب: الأزمة الروسية ونفاق السياسات الأمريكية

منذ زمان وزمانين، عرفت السياسات الأمريكية بأنها مزدوجة التوجه، وقد قال البعض إن أمريكا مرائية، وتعاني من تضاد في الروح الواحدة، وأنها غير قادرة على حسم أمرها، ولهذا يبقى العالم حائرا معها، وقلقا من غيرها، وهي الدولة المثالية تارة، والواقعية تارة أخرى، الدولة الجيفرسونية مرة، والويلسونية مرة أخرى.

في هذا السياق، يتفهم المرء أن تعلو أصوات دولية موجهة الاتهامات للولايات المتحدة بأنها دولة منافقة في سياساتها، إذ تقول شيء وتعمل عكسه، لكن المثير والخطير أيضا هو أن ترتفع أصوات أمريكية في وجه الإمبراطورية المنفلتة، ملقية عليها اللوم بسبب سياساتها، لا سيما في الفترة الأخيرة وتجاه موسكو تحديدا.

تبدو واشنطن في مواجهة أزمة حقيقية في شرق آسيا هذه الأيام، وتحديدا في مواجهة موسكو، ذلك أن أطماع الولايات المتحدة الأمريكية، رأس حربة الناتو، وقوته الضاربة، تبدو ممتدة وساعية في التوجه شرقا، وإلى حد الاقتراب من روسيا.

حلف الأطلسي يتنكر اليوم لكل الوعود التي قطعها على نفسه قبل ثلاثة عقود حين عمل جاهدا على تفكيك، بل وتفخيخ الاتحاد السوفيتي من الداخل، والتي كان من المفترض أن تقضي بعدم الاقتراب من المركز الروسي، أي الامتناع عن مشاغبة الجمهوريات، التي تمثل التخوم التي تدور في مداره.

اليوم تسعى واشنطن وبروكسيل إلى ضم أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو، الأمر الذي تتفهمه روسيا جيدا، وترى أنه تحرش واضح وفاضح بموسكو وبنفوذها في شرق آسيا، الأمر الذي جعل الدب الروسي يحرك عدته وعتاده من الشرق الروسي إلى الغرب على أطراف أوكرانيا.

ما الذي ينتويه القيصر بوتين، هل يتطلع لغزو كامل وشامل لأوكرانيا، أم أنه يسعى إلى القيام بعملية محدودة تبعث برسالة إلى العم سام، وإلى شركاءه في القارة العجوز، مفادها أن الدب لا تتهدده أي قوة كبرى أو صغرى حول العالم؟

يحتاج الجواب إلى عودة لاحقة وبالتفصيل، غير أن ما ينبغي التوقف معه وبشكل مثير هو ما نشرته صحيفة النيويورك تايمز الأيام القليلة الفائتة على لسان، بيتر بينارت، والذي أتهم الولايات المتحدة بأنها تفضل إدانة الدول الأخرى التي تلتزم بنفس المبادئ التي تهتم هي بها من أجل المحافظة على أمنها.

منذ البدايات، ثم وبصورة أشمل وأعم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تعمل أمريكا جاهدة على بناء مناطق نفوذ خاصة بها، وتمنع الإقتراب منها، أو تهديد مجالها الحيوي، بل وتسعى للدفاع عنها إذا حدقت بها المخاطر من أي جانب.

الصحافي الأمريكي، بينارت، يرى في المفاوضات التي عقدت مؤخرا بين موسكو وواشنطن حول طلبات الأولى الأمنية، نوعا من النفاق القائم على أساس ما يعرف بـ”مبدأ مونرو”.. ماذا عن ذلك المبدا ولماذا الوضع كذلك؟

باختصار مفيد، مبدأ مونرو، هو ذلك الإعلان الخاص بالرئيس الأمريكي، جيمس مونرو، الصادر في ديسمبر من عام 1823، وفيه أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي دولة أوربية تستعمر دولة مستقة في أمريكا الشمالية أو الجنوبية.

وانطلاقا من هذا المبدا حذرت أمريكا من أنها ستعتبر أي تدخل من هذا القبيل في النصف الغربي من الكرة الأرضية عملا عدائيا.

يقول المؤرخون الثقات للشأن الأمريكي، لا سيما هوارد زين أن تصريح مونرو الذي تم التعبير عنه في خطابه السنوي أمام الكونجرس، أي ما يشابه اليوم خطاب حالة الإتحاد، كان سببه الخوف من محاولة أسبانيا الإستيلا على مستعمراتها السابقة في أمريكا الجنوبية التي أعلنت استقلالها.

واشنطن إذن تنتهج سياسة مناطق النفوذ في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وترى في أي إقتراب أجنبي من تلك المناطق أمر بمثابة تطاول وتعد خطير على سلامة أمنها وأراضيها بل ومواطنيها.

يتبدى النفاق الأمريكي واضحا وفاضحا، من المقاربة بين أمريكا – بايدن التي تسعى لدفع الناتو دفعا إلى القرب من دوائر نفوذ روسيا التقليدية، وتحديدا إلى قلب الجمهوريات السوفيتية السابقة، وبعضها على الحدود مباشرة كما الحال مع أوكرانيا، وبين أمريكا الأخرى التي كانت ترى الإقتراب من المكسيك على سبيل المثال أمر يؤدي إلى تهديد لوجستي، وجيوسياسي مرة واحدة .

غريب أمر الولايات المتحدة المصابة بالنسيان، والتي أقامت الدنيا ولم تقعدها في العام 1962 عندما علمت أن الإتحاد السوفيتي يقيم قواعد صاروخية في جزيرة كوبا، وكادت حربا عالمية ثالثة أن تشتعل، لولا حنكة وحكمة من الرئيس الأمريكي المغدور جون كيندي، التي أوقفت تدهور كرة الثلج النووية.

يبدو اليوم شبيها بالأمس، فها هو الناتو يحاول جادا أن يبسط أجنحته الصاروخية في قلب أوكرانيا وجورجيا، والمثير أنه حاول مع الأخيرة عام 2008، ورأى القبضة الروسية المميتة، ولم يتعلم الدرس.

هل يسعى الناتو هذه المرة إلى مواجهة عالمية نووية لا تبقي ولا تذر؟

يشرح الخبير العسكري الروسي “أليكسي ليونكوف” رئيس تحرير مجلة “ترسانة الوطن” الإجراءات التي يمكن لروسيا القيام بها حال رفض الناتو الموافقة على الضمانات الأمنية التي تطلبها موسكو.

يرى ليونكوف أن موسكو قد تسعى إلى إنشاء قواعد عسكرية روسية في كوبا، وزيادة حجم قواتها المسلحة من مليون إلى مليون ونصف جندي، ودخول الغواصات الصاروخية الإستراتيجية الروسية إلى الخدمة.

عطفا على ذلك فأنه يمكن للبحرية الروسية توسيع برنامج التدريبات العسكرية الدولية، بما في ذلك تدريبات لحفظ السلام مع الصين وإيران والهند ودول منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

أما السلاح الفيصل فيظل الصواريخ الفرط صوتية النووية الروسية.

هل ستدفع واشنطن أكلاف نفاقها السياسي عما قريب؟

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]